فؤاد بو غادر
"وضعوا كيساً في رأسي، وكبّلوا يدي، وصادروا أجهزتي وأجهزة زوجتي الإلكترونية"، يقول المعارض الإيراني بايمان كريمي (31 سنة) مستذكراً توقيف القوى الأمنية له على أثر رفعه صورة للمرشد الأعلى علي خامنئي خلال احتجاجات 17 تشرين 2019. ينفّذ كريمي، برفقة معارض إيراني آخر، إضراباً عن الطعام أمام مركز المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الجناح منذ 31 تشرين الأول الماضي.
ترك كريمي إيران في أواخر العام 2008 بسبب "التشدّد الديني" الذي ساد بيئته، خصوصاً أنه بدّل ديانته، واعتنق المسيحية. تنقّل بين هنغاريا وكندا ونيكاراغوا قبل الوصول إلى لبنان في العام 2018. في الفترة الأولى، عاش في بلدة قرطبا، قبل أن ينتقل إلى بيروت بعد تأمين وظيفة عمل له في فندق بالعاصمة بيروت. خلال عمله، تعرّف على زوجته النروجية، والتي كانت في لبنان لدراسة اللغة العربية بحكم عملها في مجال العلاقات في منطقة الشرق الأوسط.
"في البداية لم أشارك في الانتفاضة، بل كنت أذهب إلى الساحات برفقة أصدقائي وألتقط بعض الصور للمنتفضين". ترافقت تحركات الشارع اللبناني مع انتفاضة في إيران، حيث خرج الإيرانيون للشوارع مطالبين بحقوقهم، وسط تعتيم إعلامي وصل حدّ قطع الإنترنت عن معظم المحافظات. تعرّض المنتفضون لأقسى درجات القمع من قبل قوات الأمن الإيرانية، باستخدام مختلف طرق التعذيب وإطلاق النار على المحتجين.
دفعت الأحداث الإيرانية ببايمان إلى رفع الصوت من لبنان كدعم للمحتجين الإيرانيين. "طبعت صورة للمرشد الأعلى علي خامنئي مرفقة بعبارة "كلّن يعني كلّن" كدمج بين الاحتجاجات الإيرانية واللبنانية". تعرّض بايمان للمضايقات من قبل رجلين خلال رفعه الصورة، إذ أخذاها وقالا له: "لا يمكنك إلا أن تحترم مرشدنا الديني، أنت عميل".
ثمانية أشهر مرّت على رفع بايمان صورة الخامنئي خلال الانتفاضة، "كنت في الجميزة نحو الساعة الخامسة عصراً أدخن سيجارة في 24 تموز 2020، حين وصل خمسة عناصر من قوى الأمن لتوقيفي". لم يدرك بادئ الأمر أن هؤلاء العناصر وصلوا إلى المبنى، الذي يقطنه مع زوجته، لإلقاء القبض عليه.
"سألوني هل أنت بايمان كريمي؟ وهل تسكن هنا؟ أدخلوني إلى الشقة، وطلبوا منّي وضع يدي على الحائط، وطلبوا من زوجتي الابتعاد لتفتيش المنزل". وبحسب كريمي، صادرت عناصر قوى الأمن آنذاك كافة الأجهزة الإلكترونية والمستندات الموجودة، بما فيها كاميرا زوجته.
ورقة إخلاء سبيل
خلال توقيفه لم يتعرض لأيّ تعذيب، إلا أنّ المعاملة كانت قاسية من حيث إبقاؤه ليومين من دون مياه، ومنعه من الاستحمام. خلال التحقيق معه، معظم الأسئلة كانت مرتبطة بمعارضته للنظام الإيراني "مَن طلب منك فعل ذلك؟ لماذا تكره إيران؟ مع أيّ سفارات تتعامل؟". تمّ الإفراج عن كريمي في 10 آب 2020، أي بعد 18 يوماً على توقيفه.
"يهمّ مديرية الأمن العام أن توضح بأن المدعو كريمي قد تم توقيفه بتاريخ 24/7/2020 لمخالفته نظام الإقامة، وليس لأي سبب آخر. بعد أن تبين أن إقامته منتهية الصلاحية وكان يعمل بصفة مساعد طاهٍ بصورة غير شرعية، وقد أخلي سبيله بتاريخ 10/8/2020 ومُنح مهلة لتسوية وضعه للحصول على إجازة عمل وإقامة تتناسب مع طبيعة عمله؛ ولغاية تاريخه لم يقم بالإجراءات الإدارية المطلوبة منه بغية الحصول على إجازة العمل والإقامة المطلوبتين"، هو أبرز ما ورد في بيانٍ توضيحيّ للأمن العام بعد ربط أحد المواقع الإلكترونية قضية الإيراني بانتقاده المرشد الإيراني علي خامنئي.
يزعم كريمي أن "معظم ما ورد في البيان (الأمن العام) ليس صحيحاً"، ويردّ بالقول "صحيح أن إقامتي كانت منتهية الصلاحية، إلا أن طريقة توقيفي وتهديدي بالترحيل ومصادرة أجهزتي الإلكترونية تشير إلى أن الموضوع أكبر من مجرّد شخص انتهت إقامته. هناك الآلاف من الأجانب الذين انتهت صلاحية إقامتهم ولم يتعرّضوا لما تعرّضت له".
ويضيف: "بعد خروجي من التحقيقات قالوا لي إنني سأحصل على جواز سفري من السفارة الإيرانية في اليوم التالي، وهو ما رفضته لأنهم أرادوا ترحيلي إلى إيران".
قانونياً، يقول مرجع قانوني لـ"النهار"، رفض الكشف عن اسمه، إنّ توقيف الأمن العام لكريمي من خلال مداهمة منزله ومصادرة ممتلكاته يدحض رواية الأمن العام التي اعتبرت أن الموضوع يتعلّق بمجرّد انتهاء إقامة كريمي، بالإضافة الى أن تسليم الأمن العام جواز سفر كريمي إلى السفارة الايرانية يعتبر مخالف للاجراءات العادية حتى لو لم يكن قد تقدم بطلب اللجوء بعد". ويضيف: "مشاركة كريمي في التظاهرات تعتبر عملاً مشروعاً طالما أن حقّ التظاهر مكفول لجميع الناس بمن فيهم الأجانب. أما من حيث بطء إجراءات المفوضية في ملف كريمي، فإن إجراءات إعادة توطين اللاجئ في بلد ثالث غالبا ما تحتاج إلى وقت كونها تتطلب موافقة الدولة الأخرى".
بعد عامين من حصوله على اللجوء من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا يزال كريمي ينتظر إعادة توطينه خارج لبنان. حتى اليوم، أمضى قرابة الـ15 يوماً أمام مبنى الـUNHCR، من دون أي تواصل مع المفوضية، بالرغم من اطلاعها على ملفه بعد توقيفه في صيف 2020. كما تواصل مع المركز اللبناني لحقوق الإنسان، ولم يلقَ أيّ تعاون ملموس بعد.