نظّم ملتقى التأثير المدني قبل ظهر اليوم اللقاء الثالث والأخير لهذا العام من مسار "الحوارات الصباحية" الشهرية في فندق الجفينور – روتانا الحمرا تحت عنوان "لبنان الميثاقيّ في نِظام المجلِسَين: حقيقة الحقوق ومعنى الضمانات". في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الملتقى.
في بداية اللقاء الذي نقل مباشرة على منصّات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى، كان النشيد الوطني اللبناني، وبعده وثائقي تعريفي عن الملتقى تحت عنوان"عشر سنوات، القضيَّة لبنان والإنسان"، ومن ثمَّ وثائقي عن اللّقاء الثاني من الحوارات تحت عنوان: "اللَّامركزيَّة الإداريَّة الموسَّعة: الإنماء المتوازن والعيش معًا".
بعدها كانت كلمة عضو مجلس إدارة الملتقى يوسف الزّين الذي لفت إلى أنّ الملتقى قد آل على نفسه "الانكِباب على مُعالجة مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، فلبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة، ما يستدعي منَّا المُساهمة في تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الجُهَنَّمي، وافتتاح مسار بناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة".
وقال: نطلّ اليوم على "إصلاحٍ مؤسِّس في تحديد مفهوم حقوق المواطنات والمواطنين اللّبنانيّين من ناحيَة، والضمانات للجماعات المكوِّنة للمجتمع اللّبناني ضمن صيغة عيش معًا تحترم التنوّع من ناحيَةٍ أخرى، وهو نِظام المجلِسَين أي مجلس النوَّاب ومجلس الشيوخ، عسى نَغوص فيه لخدمة القضيّة اللُّبنانيّة والإنسان، فتعود العقلانيّة والحكمة والصّلابة والنّزاهة رأس حربة لِقيام دولة المواطنة، دولة الحقّ والعدل."
ومن ثمّ كانت كلمة ميسّر الحِوار المدير التَّنفيذي للملتقى زياد الصَّائغ الذي لفت في بداية كلمته الى "مفاهيم ملتَبِسة أخضَعَت من خِلالها الدُّستور لعمليَّة تضليل منهجيَّة إلى حدِّ الانقِلاب وتشتيت الدَّولة".
وقال: "إنّ لبنان دولةٌ ذات نِظامٍ برلمانيّ في جمهوريَّةٍ ديموقراطيّة توافُقيّة بالمعنى العلميّ الدستوريّ" مع موجِب "فصل السُّلُطات لكنْ مع تعاونها خِدْمَةً للخير العامّ" وهو في "صُلْب الإصلاحات البنيويّة التي أقرّها اتّفاق الطّائف، وورد بِشَكلٍ متميّز في "نِظام المجلِسَين حيثُ مجلِسُ نوّابٍ ومجلِس شيوخ" منذ قيام دولة لبنان الكبير في دستور 1926."
وأضاف: "أنَّ نِظام المجلِسَين يحمي مُعادلة ذهبيّة في دستور لبنان المدنيّ، وهي "الحقوق للمواطنات والمواطنين" و"الضمانات للعائلات الرُّوحيّة". هذه المُعادلة الذهبيّة تمَّ انتهاكها مُنْذُ إطلاقِها. واستطرد الصّائغ "لقد حَكمَ لُبْنان في العَقْد الأخير حديثٌ عن "حقوق الطّوائف" إلى حدِّ اغتيال "الحقوق للمواطنات والمواطنين". وهُنا "كانت جريمةً موصوفة تعطيلُ المضيّ قُدُمًا في تطبيق المادّة 95 من الدُّستور لِقيام دولة المواطنة". ربطًا "بانتِخاب مجلس نوّاب خارج القيد الطّائفيّ، وقِيام مجلس شيوخ يُحاكي هواجس العائِلات الرُّوحيّة، مع اللّامركزيّة الإداريّة الموسّعة، وحصريّة امتِلاك المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة الشرعيّة وحدها السّلاح وحقّ استعمال العُنْف مع قرار السِّلْم والحرب، إلى الحِياد الإيجابيّ الذي يُشكّل في السّياسة الخارجيّة نواة الصّيغة الميثاقيّة لدولة لبنان الكبير".
وحذَّر الصائغ من "الجريمة الموصوفة" التي تبدّت في "شلّ كُلّ مساراتِ تطبيق الدُّستور عن سابق تصوُّر وتصميم". وبالتّالي "تحويلُ لُبْنان إلى فوضى تتحكّم بها أوليغارشيّة تسطو على الدُّستور باجتِهاداتٍ فضفاضة تصِل حدّ تكريس أعراف تنقّل الدّيموقراطيّة التّوافقيّة النّبيلة باسمِ الميثاقيّة إلى نِظام الفيتوات المتبادلة". وانتهى الصائغ ليقول: "ليس فيه لبنان أيّ أزمة نِظام أو دستور، بل أزمة انقِضاضٍ على النّظام والدّستور". تُراودنا إشكالاتٌ وإشكاليّات للعَوْدة إلى الحقائق التي قام عليها دستورُنا، بما يُنْهي استِغلاله الخبيث وظائفيًّا لضرب العقد الاجتماعيّ بين اللّبنانيّين.
وبعدها قدم البروفسّور أنطوان مسرّة “ورقة العمل” الأساسيّة تحت عنوان: "أي مجلس نيابي؟ أي مجلس شيوخ؟ لأي لبنان؟" واستهلها بالإشارة إلى أنّه "لا جدوى من أي اقتراح أو تعديل دستوري إذا كان الدستور أساسًا معلّقًا وغير مطبّق ومُخترق يوميًا". ولذلك قال ان الطروحات والمداولات والسجالات حول المنظومة الدستورية اللبنانية الجارية تشكل طمسًا لمعضلة الدولة في لبنان التي تتلخص بان "تتمتع الدولة اللبنانية بالمواصفات الأربعة المسماة ملكية وهي: "إحتكار القوّة المنظمة والعلاقات الديبلوماسية، فرض جباية الضرائب وإدارة السياسات العامة. والاخطر ان كان الدستور اللبناني، في نصّه وروحيّته، مُعلّق وغير مُطبّق ومُخترق يوميًا، بخاصة من خلال تأليف حكومات برلمانات مصغّرة، مما يخرق مبدأ الفصل بين السلطات".
وقال مسرة: "يتوجب في مُجمل ما يتعلق بالطوائف الانطلاق من تشكيل الهيئة الوطنية لوضع خطة مرحلية في تخطي "الطائفية" (المادة 95 من الدستور). اما معالجة الموضوع "بالقطعة" فهو اختزال واجتزاء للطابع الشمولي والمتعدد الجوانب حول تطوير النظام الدستوري اللبناني" فوثيقة الوفاق الوطني - الطائف توجب التمييز في بنودها بين " الثوابت الدستورية التي وردت في معظمها في مقدمة الدستور"، من جهة و" الشؤون التنظيمية، كقانون الانتخاب، اللامركزية، مجلس الشيوخ...".
واعتبر مسرة أنّ "مجلس الشيوخ هو التجسيد للقيم الروحية المشتركة في لبنان والتي لها دور بارز ترسيخ الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي. وبعدما رفض "انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ من خلال انتخابات عامة، لئلا يشكل "قمّة التطييف لأنه يحمل كل ناخب إلى انتخاب عضو من طائفته مما يؤدي إلى فرز مُصطنع في العائلة الواحدة "، اقترح تعيينهم من "قبل هيئة ناخبة مُصغّرة من قبل الهيئات الرسمية للطوائف"، واستنادًا الى "معايير يتوجب التقيّد بها بشكل صارم في الاختصاص والخبرة ".
ورأى مسرَّة "أنَّ مجلس الشيوخ اللبناني ليس غرفة ثانية، بل هيئة مساندة وليس لها صفة تشريعية" مخافة "تطييف كل القضايا بدون استثناء كالضرائب والتنظيم المدني، وأسعار السلع الاستهلاكية والإدارة". عدد بعض المواصفات فقال انه "لا يتوجب أن يكون أعضاء مجلس الشيوخ متفرغين ولا يتقاضون تعويضات ثابتة" يجتمعون " في سبيل التخطيط الدائم لمجتمع الدولة الضامنة للعيش المشترك والسيادة الوطنية والثقافة الجامعة وحماية الثوابت والدفاع عن رسالته العربية والدولية" وانه "من الأفضل أن تكون رئاسة المجلس واغلبية أعضاء مكتبه من الطوائف الصغرى منعا لاي ممارسة او طغيان فئوي".
وانتقد مسرَّة بقوة "اقتراح القانون المطروح حول مجلس الشيوخ" وتوقف أمام العديد من النقاط المرفوضة محذرا من مخاطرها معتبرا أنّه ينم "عن التجاهل التام لطبيعة التعددية في المجتمع اللبناني التي هي تعددية متداخلة" ويشكل خروجا على "الفلسفة التأسيسية في لبنان للهيئة الانتخابية الموحّدة ويؤدي الى "فرز الناس بشكل مصطنع والى تطييف السلوك الانتخابي". ولمّا رفض بأن يكون "جزءًا من السلطة التشريعية أو تعبيرا عن "النظام السياسي الطائفي"، اعتبر ان "القضايا المصيرية" لا تعني ولا تشمل بالضرورة صلاحية تشريعية". وان هذا التوصيف يتنافى مع "مضمون الدستور اللبناني، نصًّا وروحًا، لأن النظام الدستوري اللبناني ليس "طائفيًا"، بل تم ويتم تطييفه، تغطية للزبائنية، وخلافًا لمضمون المادتين 12 و 95 من الدستور".
واعتبر "أنّ دور الطوائف في الكيان الدستوري والمؤسساتي للدولة اللبنانية - خلافًا لما ورد في الأسباب الموجبة - هو محقّق في الدستور الحالي في حال حسن تطبيقه نصًّا وروحًا. والنص الأبرز هو "المادة 19 حول حق رؤساء الطوائف في مراجعة المجلس الدستوري. وان عبارة "النظام التوافقي" اجترار لشعار متداول في لبنان وخلافًا لما ورد في وصف النظام الدستوري اللبناني في مقدمة الدستور وكل تفاصيله تجنبًا "لاستغلال التباينات المذهبية في التنافس السياسي".
وانتهى مسرة إلى القول ان اقتراح القانون في صيغته المقترحة "يُشكل أخطر مسار في تطييف كل المنظومة الدستوريّة اللبنانية، وفرزًا مصطنعًا للمواطنين، وتكريسًا للانقسامات النابعة أساسًا من التعبئة النزاعية وليس من عمق المجتمع اللبناني".