شهد لبنان بروفا من سيناريو الفوضى العامة مع وصول سعر صرف الدولار إلى 80 ألف ليرة في السوق السوداء.
وفي تحرّك منظم نوعي، هاجمت جمعية "صرخة المودعين" ستة فروع مصارف وأضرمت النيران عند مداخلها، وتكرّر المشهد أمام منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير.
المشهد كاملاً بعدسة الزميلين نبيل إسماعيل وحسام شبارو:
وتزامناً، قطعت الطرق في مناطق عدة احتجاجاً على جحيم الوضع المعيشي، ما أعطى مؤشرات عن حصول انفجار معيشي اجتماعي حتمي في حال عدم التدارك الفوري لسيناريو الانهيار المتسارع غير المسبوق.
الاحتجاجات بدأت بسبب الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار من دون ضوابط، في وقت يفقد المواطنون الثقة كلياً بإنتاج مشروع أو خطة ترمي إلى المحافظة على ودائعهم في البنوك من قبل المنظومة الحاكمة، خصوصاً ان معظم الخطط التي وضعت كانت في الأساس تتضمن شطب الودائع، وجنى عمر المواطنين.
وتزامنت الاحتجاجات أمام المصارف وفي الطرق مع إعلان وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام عن قرار السماح بتسعير بضائع السوبرماركت بالدولار واعتماد سعر الصرف الرائج في السوق، قائلاً إنه "لا يمكن أن نعوّل على سعر منصّة معيّنة". أضف الى خروج جدولي تسعير للمحروقات اليوم محاكاة لارتفاع سعر صرف الدولار.
وقد بدأت هذه الاحتجاجات في بدارو، علماً أنها تُصنّف "منطقة عسكرية"، حيث أضرم مودعون انطلقوا من ساحة الشهداء النيران أمام مدخلي مصرفي "فرنسبنك" و"عودة"، قبل أن يتطور الأمر إلى تكسير واجهات زجاج بنك بيبلوس وBBAC وإشعال الإطارات أمام الأخير، ثم الانتقال إلى تحطيم واجهة البنك اللبناني الفرنسي.
وفي وقت لاحق، أفادت دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت بأنّ "فوج الإطفاء - القطاع الأول، تمكّن منذ قليل من إخماد الحريق الذي اندلع في مصرفي عودة وفرنسبك، حيث عملت فرق الاطفاء في الفوج على التدخل السريع والسيطرة على الحريق ومنع امتداده إلى باقي أرجاء المبنى والمباني المحيطة".
"مش حرام؟"
أمام مدخل مصرف مشتعل في بدارو، وقفت امرأة مسنّة بعينين حمراوين. "ربطة الخبز بـ35 ألفاً... كيلو البصل بـ80 ألفاً... مش حرام؟"، صرخت أمام كاميرا "النهار". قالها جبران تويني قبل 37 عاماً: "أصبح كلّ ما يهم الشعب الشهيد أن يشتري مجمع حليب وكيلو لحم، أو دفع قسط وإيجار بيت".
تروي السيّدة المسنّة وجعها بحرقة، شأنها شأن كلّ الذين فقدوا الأمل بتقاعد لائق. "زوجي مريض وأنا مريضة". تُخرج علبة دواء للرئتين أمام الكاميرا وتصرخ: "مش حرام؟ لوين واصلين؟ عيب عليهن. هنّي أحسن منّا؟".
وردّد المحتجون هتافات: "نحن مش زعران، نحن أصحاب حق. نحن مسروقون. الصرخة صرخة وجع". وهدّدوا بالذهاب إلى بيوت أصحاب المصارف وحاكم مصرف لبنان. وقالوا: "نبهناكن رح تولع. بالقانون وبالحق ما بتسمعو، بس يولع غضب الشعب ما حدا بيهدي. هيدا انفجار. بلشت القنبلة تولع".
واستكمالاً لتحرّك جمعية "صرخة المودعين"، تجمّع عدد من المودعين إلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير في سن الفيل حيث أضرموا النار بأغصان أشجار أمام البوابتَين الرئيسيّتَين.
في الموازاة، قطع عدد من المحتجين السير على طريق قصرنبا - بدنايل في اتجاه بعلبك وطريق قصرنبا - تمنين في اتجاه زحلة.
"أسباب ارتفاع الدولار الجنوني"
وفي قراءة مهنية لأسباب قفز الدولار بشكل كبير، يؤكد الدكتور والباحث الاقتصادي محمود جباعي لـ"النهار" أنّ أسباب ارتفاع الدولار الجنوني تعود، أولاّ، لأن العملة النقدية في البلد خلال الثلاث سنوات الماضية، كانت مضبوطة من قبل مصرف لبنان وكان الأمر ملحوظاً اذ لم يتخطّ منذ 2019 الـ40 ألف، إلا أنّه مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي والمشاكل السياسية المتفاقمة، هناك وجود ضغط سياسي في مكان ما يسعى الى تسريع الانهيار.
الأمر الثاني بحسب جباعي، الذي ساهم بارتفاع الدولار هو الصراع بين المصارف والقضاء اللبناني، مؤكداً أنّه "مش وقته"، مضيفاً: "المصارف هي مكّون أساسي و"شريان حيوي" لا يجب التعامل معها بهذه الطريقة، ولا يزال القطاع المصرفي يحرّك جزءاً من النقد والاقتصاد اللبناني، بالتالي إقفالها يلعب دوراً في ارتفاع الدولار المتواصل."
ولفت جباعي الى وجود جهات دولية بالتنسيق مع جهات محلية "تحاول خلق صراعات وهمية من خلال نشر اشاعات بغية تسريع الانهيار، ومنها اشاعة العقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة على حاكم مصرف لبنان، حيث نفت جهات أميركية ديبلوماسية هذا الادعاء، وهناك من يحاول تأجيج الأزمة الاقتصادية."
واستطرد قائلاً إنّ "جميع هذه الأمور تؤكد أنّ الدولار لم يعد مرتبطا بمعايير اقتصادية أو مالية، بل بمعايير سياسية هدفها الضغط على البلد."
وهل لازال لدى مصرف لبنان القدرة على ضبط السوق، يرى جباعي، أنّ "مصرف لبنان بحاجة الى دعم من رئيس الحكومة ووزير المال، فضلاً عن موافقة أطراف سياسية من أجل إعادة السيطرة على الوضع، ويتم ذلك عبر ضخّ مبلغ من الدولار للسيطرة على سعر الصرف، على شرط وجود حلول مالية مفيدة".
التسريبة
في هذا الوقت، وبعد التسريبات ليلاً عن عقوبات تتحضر في الإدارة الأميركية لفرضها على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بسبب وجود علاقة بين سلامة و"حزب الله"، نُقل عن مصادر ديبلوماسية أميركية اليوم أنّنا "لن نعطي أي أهمية للشائعات التي يطلقها أشخاص بهدف تأجيج الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان من أجل مصالحهم".
وكانت نقلت قناة "الحدث" السعودية عن مصادر أميركية قولها إنّ واشنطن "على مسافة خطوة واحدة من فرض عقوبات" على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ولفتت المصادر إلى أنّ وزارة الخزانة الأميركية "كشفت علاقة تربط مموّلين لـ"حزب الله" بالمصرف المركزي، كما كشفت بوضوح علاقة الحزب بسلامة". كما أشارت إلى أنّ "لا رضى أميركيّاً على حاكم مصرف لبنان".
قطع الطرق
الى ذلك، شهدت مناطق سليم سلام، المزرعة، البداوي، ومحلات في إقليم الخروب، عمليات قطع طرق وإحراق إطارات احتجاجاً على الأوضاع القاهرة.