لم يكن تحذير الكويت المفاجئ أمس لرعاياها في لبنان من الاحتجاجات والاضطرابات الأمنية في مناطق لبنانية سوى مؤشّر إلى بدء استشعار الدّول الخليجية وسواها لانزلاق لبنان نحو مرحلة متوتّرة جرّاء استفحال الأزمات الماليّة والاجتماعية فيه فيما يغرق المأزق السّياسي في مزيد من الانسداد والانقسام والتفكّك بما يترك لبنان عرضة لشتّى الاحتمالات السلبيّة الإضافية.
ذلك أنّ ثمّة توقّعات بأن تحذو دول خليجية أخرى ودول غربيّة أيضاً حذو الكويت في إطلاق مزيد من التّحذيرات لرعاياها في ظلّ المعطيات القاتمة التي تظلّل الوقائع الماليّة والاجتماعية الراهنة علماً أنّ الأسبوع المقبل سيشهد تحرّكات احتجاجيّة نقابية وقطاعية كثيفة ينتظر أن ترسم خطّاً بيانيّاً تصعيديّاً في الشارع يصعب التكهّن بما سينجم عنها من تطوّرات.
وهو الأمر الذي بدا من دائرة التوقّعات السياسيّة والأمنيّة الرسميّة عندما انعقد مجلس الأمن المركزي الجمعة الماضي في السّرايا وقرّر سلسلة إجراءات لمواجهة الاحتمالات المقبلة . كما ان ثمّة ترقّباً حيال ما إذا كانت ستتّخذ إجراءات معيّنة للجم واحتواء الارتفاع التّصاعدي في سعر الدولار في السوق السوداء بعدما باتت سقوف ارتفاعاته المستتبعة بارتفاعات ثقيلة ومضنيّة في أسعار المحروقات تنذر بإشعال توتّرات واضطرابات واسعة في معظم المناطق اللّبنانية.
والتطوّر اللّافت الذي سجّل أمس في هذا السّياق تمثّل في إصدار وزارة الخارجيّة الكويتية بياناً دعت فيه المواطنين الكويتيّين الموجودين في لبنان إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر في تنقّلاتهم والابتعاد عن مواقع الاحتجاجات والاضطرابات الأمنيّة في عدد من المناطق اللّبنانية والالتزام والتقيّد بالتعليمات الصّادرة عن السّلطات الرسميّة المختصّة. كما دعت الوزارة المواطنين الموجودين في لبنان إلى التواصل مع سفارة دولة الكويت في بيروت في حال الاستفسار أو لطلب المساعدة.
وبإزاء التفلّت المالي والاجتماعي التصاعدي أفادت معلومات أنّ إجراءات ستُتّخذ من مصرف لبنان للجم ارتفاع سعر الدولار في السّوق السوداء والعمل على خفضه. وأشارت إلى أنّ مصرف لبنان ينتظر فكّ إضراب المصارف لكي يتمكّن من اتّخاذ الإجراءات المنتظرة، علماً أنّ حاكم المصرف رياض سلامة دعا إلى اجتماعٍ للمجلس المركزي بعد ظهر غد الاثنين لمتابعة البحث في هذه الإجراءات التي كانت بُحثت مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. كما تردّد أنّ المساعي لفكّ إضراب المصارف بلغت مرحلة متقدّمة، ويتوقّع أن تعود إلى العمل بشكلٍ طبيعي الأسبوع المقبل.
وفي ضوء الضجة التي أثارها ما نقلته وكالة "رويترز" عن وزير المال يوسف الخليل حول الاتّجاه الى التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أوضح المكتب الإعلامي في وزارة المال أنّ "الوزير الخليل لم يقل أنّه سيتم التمديد لحاكم مصرف لبنان ولم يوح كما يجتهد البعض في التفسير، فما عناه هو أنّ الظروف التي يمرّ بها لبنان ظروف صعبة وقد يكون من الصّعب أن تتّفق القوى السياسية على البديل، أمّا عن التمديد وهو الشيء الذي لم يقله أيضاً إنّما أشار إلى الاقتراح الذي تضمن التمديد لموظفي الفئة الأولى".
أمّا في المشهد السّياسي فإنّ الفريق العوني تعمّد أمس تسخين خطابه، على خلفيّة الملف الرئاسي والمعلومات عن تمديد محتمل لحاكم مصرف لبنان من جهة ثانية، والجلسة التشريعية التي ينوي رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إليها والتي سيتحدّد مصيرها سلباً أو إيجاباً في اجتماع هيئة مكتب المجلس الاثنين المقبل، من جهة ثالثة.
إذ غرّد الرئيس ميشال عون عبر حسابه على "تويتر" في لقاء مع قطاع الشباب في "التيار الوطني الحر": "أحذّر كلّ المسؤولين الذين يسعون للتجديد لحاكم مصرف لبنان من هذه الخطوة التي ستكون نهاية لبنان والضربة الأخيرة التي ستسقطه نهائيّاً". وأمّا رئيس "التيار" النائب جبران باسيل فتعمّد إظهار مزيد من التمايز والابتعاد عن "حزب الله" فردّ على الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قائلاً: "بدلاً من تهديد الغرب، لَيتَهم يوقفون حمايتهم لسلامة"، غامزاً من قناة حديثه الأخير الذي حمل وعيداً للولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال باسيل خلال الجمعية العمومية لقطاع الشباب في "التيار" في حضور الرئيس السابق ميشال عون: "بدّهم يعملوا إصلاح بس بدّهم يجتمعوا ويجيبولنا رئيس جمهورية فاسد ورئيس حكومة فاسد وحاكم مركزي أفسد منهم وبحمايتهم و"بيزعلوا اذا قلنا لا! لا ومئة لا!" وأردف: ما حدا يهدّدنا بالفوضى أو بعقوبات أو بالفراغ وبالحكومة وبمجلس النواب، ورئيس الجمهورية امّا منختاره بقناعتنا وما حدا بيفرضه علينا ورئيس جمهورية على ضهر الفوضى متل رئيس على ضهر الدبابة الإسرائيلية. وقال: "المدير العام للأمن العام اللّواء عباس إبراهيم صاحبنا وحبيبنا ومنتمنى يبقى بالأمن العام، متلو متل المدراء المناح لعمر 68، أنا تقدّمت بمشروع قانون بالـ 2017 لتمديد السن القانونية لكل المدراء العامين لإبقاء المناح منهم للـ 65 بقرار من مجلس الوزراء، او إزاحة السيئين على الـ 64. هيدي قناعتي بعد خبرتي بالإدارة".
وتابع: "أوّل ما حكيوني بموضوع اللّواء إبراهيم جاوبت انّنا نرفض أي تمديد انتقائي لشخص أو لفئة من الناس ونحنا مع تمديد جماعي قناعة مني بالفكرة وهلّق زيادة كرمال تعويضات كل الموظفين. ولا طرحت أو فكّرت لحظة بأي اسم بالمقابل أو بأيّ مقايضة مع ان كان في إمكاني أن أطلب مثلاً دورة الـ 94 المظلومة بالعسكر. وأشار إلى أنّ: أبلغتُ منذ اليوم الأول بشكل واضح أنّنا لا نشارك بأيّ جلسة تشريع في ظلّ غياب الرئيس إذا لم تكن بنودها بداعي القوة القاهرة أو مصلحة الدولة العليا أو لسبب ضروري واستثنائي وطارئ وكل ما قيل كذب".
في المقابل، أعلن "حزب الله" للمرّة الأولى، أنّه يملك مرشّحاً ويسعى إلى تسويقه، ولكن من غير أن يسمّيه بعد.
وأكد رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد أنّ "اللّجوء إلى التحدي والمكاسرة في ما يتعلّق بانتخاب الرّئيس، هو إضعاف للموقف الوطني العام، وبالتالي علينا أن نتفاهم ونتحاور، ولكن البعض مصرّ أن يستخدم مرشّحاً بدلاً من ضائع ريثما يتّفقون على مرشّحهم الحقيقي، وفي المقابل، نحن لم نفصح عن مرشّحنا، ولكن لدينا من نرغب في أن يكون رئيسا للجمهورية، ونريد أن نطرحه لإقناع الآخرين به".
وقال: "نحن نريد رئيساً منفتحاً على الجميع، ويستطيع التحدّث مع الجميع، ولا يكون عليه فيتو مسبق من الآخرين، وهذا ما نعمل لأجله، ولكن كيف يمكن لنا أن نتّفق على رئيس يريده العدو ولا يريد غيره من أجل أن يستخدمه في تنفيذ تعليماته في ما بعد"، لافتاً إلى أنّ "هناك شوطاً قطعناه في ما يتعلّق بانتخاب الرّئيس، وما زلنا ننتظر أن تتفتّح العقول، وأن تتقارب المصالح أكثر من أجل أن نصل إلى النتيجة المرجوة".