أعاد حديث رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في مقابلته الأخيرة، حول استعداد سعودي لمساعدة لبنان، والدور الاقتصادي النقدي الذي قد تلعبه الرياض في المستقبل، إثارة ملف الدعم السعودي والخليجي للبلاد، والذي انقطع منذ سنوات، على إثر جنوح لبنان بشكل شبه كامل نحو محور الممانعة من جهة، ومشاركة "حزب الله" في حرب اليمن ومهاجمة المملكة من جهة أخرى.
كلام جنبلاط غير مبني على تحليلات أو تكهّنات، بل على معطيات وإشارات، لأنه صدر بعد زيارة النائبين تيمور جنبلاط ووائل أبو فاعور إلى السعودية قبل أيام، وزيارته برفقة النائب هادي ابو الحسن الكويت ولقائه المسؤولين هناك، ما يعني أن الأجواء الخليجية أكثر إيجابية تجاه لبنان مقارنةً بالسنوات السابقة، إلّا أن جنبلاط "المتفائل" أرفق تصريحه بوجوب الالتزام بالشروط العربية الواضحة لعودة الدعم.
في هذا السياق، لا بد من التذكير بالمبادرة الكويتية، حينما زار وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح بيروت والتقى المسؤولين فيها قبل عام ونيّف، وشدّد على شروط واجب اتباعها من قبل السلطات اللبنانية لإعادة البلاد إلى الحاضنة العربية، أبرزها الالتزام بالقرارات الدولية، النأي بالنفس عن الصراعات في المنطقة وعدم تهديد أمن دول الخليج، الالتزام باتفاق الطائف، ضبط الحدود ومكافحة تصدير المخدرات، وتنفيذ الإصلاحات.
فرصة... وشرط "مهم"
في ذلك الحين، لم تبدِ السلطات اللبنانية أي جدّية في التعامل مع الورقة الكويتية، لكن هل تبدلت الظروف بين الأمس واليوم، أكان لجهة لبنان، أو المنطقة، على إثر المشهد الجديد الذي يشكّل فرصة للبنان للعودة إلى الحضن العربي؟ فالتقارب السعودي الإيراني في حال نجح سينعكس انفتاحاً سعودياً وانضباطاً إيرانياً في الدول التي تشكّل ساحات صراع بين الطرفين، كما أن لبنان سيكون أمام صفحة جديدة بعد انتهاء عهد ميشال عون، في حال بدّل المعنيون الأداء.
لكن ورغم المتغيرات الإقليمية، فالشروط الخليجية لم تتغيّر، وواجب على لبنان تغيير المقاربات التي اعتمدها في السنوات الست السابقة، مع بدء العهد الرئاسي الجديد من أجل استعادة الدعم العربي، الذي لا نهوض دونه، وفي هذا السياق، من الضروري أن يكون العهد المقبل مقبولاً عربياً، أي لا رئيس ممانع، بالإضافة إلى ضبط الحدود وتنفيذ الإصلاحات، والأهم، عدم مهاجمة الخليج، كما وعلى "حزب الله" مسؤولية الانسحاب من اليمن وعدم تهديد أمن الدول الخليجية بالصواريخ.
حمادة: هذا هو باب الصناديق العربية
عضو كتلة "اللقاء الديموقراطي" النائب مروان حمادة، يُشير إلى أن مساعدات السعودية تنقسم إلى قسمين، القسم الإنساني المستمر لدعم الطبقات الفقيرة، والقسم المرتبط بالسياسة، المتوقف منذ سنوات، وعودته رهن التزام لبنان بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية تؤهّله للاستفادة من الهبات والقروض ذات الحجم الكبير.
وفي حديث لـ"النهار"، ينقل حمادة عن الرياض تأكيدها عدم الافراج عن المساعدات الاقتصادية قبل إجراء تعديلات سياسية جذرية على أكثر من صعيد، وأبرزها استقلال القرار اللبناني عن المحور السوري الإيراني، وقف مهاجمة السعودية والخليج، بالإضافة إلى تنفيذ رزمة الإصلاحات التي يُطالب بها المجتمع الدولي من خلال صندوق النقد والبنك الدولي، والتي تفتح أبواب الصناديق العربية والإسلامية، كي لا يكون مصير المساعدات الهدر.
في السياق نفسه، كان ثمّة تأكيدات على أن السعودية لن تدعم لبنان دون ضمان مصالحها، وفي حين تقول مصادر مطلعة "لا قرش للبنان قبل العودة إلى الحضن العربي"، يلفت حمادة إلى أن "الرياض ترى مصالح بيروت في الحاضنة العربية، وفي وقف الانحراف سياسياً نحو المحاور المعادية للخليج".
الاستثمارات الخارجية تعود... ولكن بشرط؟
رئيس هيئة تنمية العلاقات اللبنانية – الخليجية إيلي رزق، يعتبر أنّه "من المبكر الحديث عن عودة الاستثمارات الخليجية والسعودية إلى بيروت"، ويربط الملف بثلاث نقاط أساسية مطلوبة من لبنان، وهي وقف تصدير المخدرات إلى الخليج، وقف تصدير المقاتلين (حزب الله) إلى اليمن، ووقف الهجوم الإعلامي على الرياض والعواصم العربية الأخرى.
وفي حديث لـ"النهار"، يُشدّد رزق على وجوب الخروج من منطق "الشحاذة"، واتباع سياسة "مأسسة العلاقات" وجذب الاستثمارات اللبنانية قبل الخليجية، لأن في لبنان العديد من القطاعات التي يرغب رجال الأعمال بالاستثمار فيها، أولها النفط والغاز، بالإضافة إلى الكهرباء، المواصلات، الاتصالات، السياحة، ومن ثم الزراعة والمال، وذلك يتم من خلال عقد الاتفاقيات واعتماد سياسات الشراكة والخصخصة بين القطاعين العام والخاص، بعيداً عن المساعدات والقروض.
لكنه يلفت إلى أن "هذه الاسثمارات لن تتحقق طالما أن الإدارة في لبنان نفسها، والمطلوب استعادة الثقة لتأمين أرضية مناسبة للاستثمار تضمن عدم هدر او سرقة الرساميل، ويبدأ ذلك من خلال انتخاب رئيسٍ للجمهورية من خارج الطبقة السياسية، بالإضافة إلى رئيسٍ للحكومة مماثل، كما وإجراء الإصلاحات الضرورية في مختلف القطاعات".
وفي هذا الإطار، يقول رزق إن "لبنان لا يحتاج إلى أموال الخليج، بل إن أموال اللبنانيين في الاغتراب وحدها كافية في حال وجدت في لبنان تربة خصبة للاستثمار، وللعلم، فإن 21 لبنانياً مغترباً تفوق ثروة كل واحد فيهم المليار دولار، والجميع مستعد لمساعدة البلاد متى استقامت الأحوال السياسية والاقتصادية والأمنية".
السعودية ستُبادر بعد انجاز هذين الاستحقاقين
النائب فؤاد مخزومي بدوره ينطلق أيضاً من مبدأ مأسسة العلاقات الاقتصادية بين لبنان من جهة، والسعودية والخليج من جهة أخرى، ويتطرّق إلى "سلّة الاتفاقيات التي عرضتها السعودية على لبنان في العام 2018، وتتضمّن 21 اتفاقاً اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً"، ويُشير إلى أنها "باب من أبواب عودة الدعم السعودي إلى لبنان، إلى جانب عودة الاستثمارات التي تتحقّق مع بدء لبنان تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، والحصول على شهادة صندوق النقد التي تؤكّد حُسن سير العملية".
سياسياً، يرى في حديث لـ"النهار" أن "شروط السعودية واضحة، فهي لا تطلب سوى ألا يكون اللبنانيون طرفاً في الحروب الإقليمية"، ويؤكّد أن "الرياض لن تنتظر تنفيذ كافة الشروط الدولية والإصلاحات، وسُرعان ما تلحظ تغييراً في السياسات، وانتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة إصلاحية، سُرعان ما ستُبادر وتُظهر حُسن نواياها لمساعدة بيروت".
في المحصّلة، فإن الاستعداد الخارجي لمساعدة لبنان دائماً موجود، لكن المطلوب تغيير المقاربات المتبعة سياسياً واقتصادياً وإدارياً، لأن زمن المساعدات المجانية قد ولّى، وكل طرف يبحث عن مصالحه قبل عرض أي مساعدة، ولا شك أن بنود المبادرة الكويتية خارطة طريق للبنان من اجل استعادة الثقة الخارجية واستقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات اللبنانية والخليجية، بعيداً عن استجداء المساعدات.
إلّا أن أطرافاً سياسية في البلاد لم تفقه هذا المبدأ بعد على الأرجح، خصوصاً لجهة "حزب الله" المصرّ على ترشيح سليمان فرنجية، كمرشح ممانعة لرئاسة الجمهورية، ويبقى المطلوب مواكبة التقارب السعودي – الإيراني الحاصل في المنطقة، والالتزام بالبنود التي شدّدت عليها دول الخليج، لعودة لبنان إلى موقعه العربي والاقتصادي الطبيعي.