فاجأ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الرأي العام بخطاب تصعيدي، عاد فيه إلى لغة التهديد بالحرب مع إسرائيل، ووسّع تهديداته لتطال أميركا والإقليم، ممرّراً عدداً من الرسائل مرتفعة السقف.
وتوجّه إلى من أسماهم "جماعة أميركا في لبنان" بأنّهم سيخسرون كلّ شيء، وبأن "البيئة التي تريدون استهدافها من خلال الفوضى ومن خلال التشويه لن ترضح، وإذا دفعتم لبنان إلى الفوضى فستخسرون في لبنان، وعليكم أن تنتظروا الفوضى في كلّ المنطقة. وعندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي تؤلمنا، وهي ناسنا فسنمدّ أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل. من يتصوّر أننا سنجلس ونتفرّج على انهيار، وعلى فوضى، وعلى منع من الحلول دون أن نحرّك ساكناً هو واهم.
وختم: "من يُريد أن يدفع لبنان إلى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منّا ما لا يخطر له في بالٍ أو وهم، وإن غداً لناظره قريب".
في هذا الإطار، يرى مقرّبون من "حزب الله" أن هذا الخطاب هو ثاني أقوى خطاب لنصرالله كطرف مؤثر، بعد الخطاب الأول الذي هدّد به إمداد الغاز نحو أوروبا، عندما هدّد بضرب منصّات الاستخراج؛ وبهذا الخطاب هدّد بفوضى في الإقليم؛ والإقليم طبعاً ليس سوريا والعراق اللذين هم تحت سيطرة المحور، إنما هو دول الخليج.
بهذا الخطاب تمّ التلويح باستخدام القوة في وجه إسرائيل أيضاً؛ وذلك عقب إعلان مساعدة وزير الخارجية الأميركي بربارة ليف، التي رسمت فيه الاستراتيجية الأميركية تجاه لبنان، والتي تفيد بأنه لن تحدث تسوية في الوقت القريب، والتسوية تأتي بعد انهيار سريع وكبير، يسبقه هروب جزء كبير من الطبقة السياسية، بالإضافة إلى تسريب أخبارٍ عن حاكم مصرف لبنان عبر محطة خليجية، ممّا ظهر كأنه تنفيذ لكلام ليف، لتسريع الانهيار، في الوقت الذي ظهر أن الاجتماع الخماسي الذي عقد في باريس قد فشل، وأن الاستراتيجية الفرنسيّة التي تعتمد الحوار مع "حزب الله" أخفقت في تنفيذ الرؤية الديبلوماسية الفرنسية.
ما تقدّم يعني أن قرار الانهيار لا يزال سارياً، وقد اعتبره عددٌ من الأفرقاء مؤثراً على "حزب الله"، لا سيّما أن جزءاً كبيراً من اللبنانيين يُحمّل الحزب مسؤوليّة ذلك؛ وبالتالي، بعد وقوعه، يُمكن التفاوض معه من موقعه الضعيف والمنهك. وهنا أتى الخطاب ليقول إننا وضعنا مسدّسنا على الطاولة، ولدينا أوراق كثيرة نلعبها.
برأي المقرّبين، هذا الأمر يدفع إلى التفاوض معه من موقع قوة، بالإضافة إلى الذهاب لتسوية آنيّة بانتظار التنقيب عن النفط، وحلحلة الأمور تباعاً، وعندها يحافظ النظام على حدّه الأدنى.
وإذ يستبعد المقرّبون الذهاب نحو حرب شاملة، بالرّغم من التهديدات، يرون أنّه يُمكن أن تشهد الأيام المقبلة رسائل بالنار، كالتي سبقت موضوع الترسيم. وهذه الرسائل يمكن أن تكون على شاكلة عمليّة على الحدود، أو مسيّرة مفخّخة، أو غير ذلك.
ويتحدّث المقرّبون عن قضية محاربة أميركا في الداخل، وهي استراتيجيا اعتمدها "حزب الله" منذ شهور طويلة، وهي ضرب النفوذ الأميركي في داخل الدولة العميقة، واستبعاد مَن هم على علاقة معها من مراكز النفوذ، بالإضافة إلى ممارسة نوع من تصعيد دراماتيكيّ يتخطّى سقف المواجهة السياسيّة التي مارسها في السابق.
في المقابل، ومن وجهة نظر معارضة لـ"حزب الله"، ثمة من يرى أنّه غطّى اتفاق ترسيم الحدود، وأعطى ضمانات لإنجازه وعدم خرقه، ولا يحق له بعد ذلك التهديد بحرب؛ وهو لن يقوم بأيّ خطوة في هذا الإطار. وهذه التهديدات لا تتجاوز قضية التعاطي مع قاعدته الشعبية عبر إعادة قضية الصراع مع إسرائيل لإلهائهم عن الهمّ الاقتصادي المستفحل، خصوصاً بعد صعود أصوات من ضمن هذه البيئة تنتقده في تعاطيه بالملفات الاقتصادية.
الخطورة في خطاب نصرالله هو ما تحدّث به عن ضرب أميركا في الداخل، وهذا ما يجعل ضرب أو اغتيال أيّ شخصيّة يتّهمها الحزب أو المحور بأنها قريبة من الأميركيين متاحة تحت ذريعة مقاتلة الأميركيين في الداخل، ويجعل مَن يختلف مع "حزب الله" في موضع الخطر.