النهار

البلديّات بوصلة التوازنات... التأجيل أراح الأغلبيّة
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
البلديّات بوصلة التوازنات... التأجيل أراح الأغلبيّة
الانتخابات (تعبيرية).
A+   A-
طارت الانتخابات البلدية، على الرغم من الإبقاء على جميع الأبواب مفتوحة بالنسبة لموعد إجرائها.
 
من حضر الجلسة التشريعية في الأمس بنى ثقة كاملة بأن لا أحد يريدها، وتعامل مع هذا الأمر على طريقة الجميع يريد "الصبيّ" ولا أحد يقبل تبنّيه علناً.
 
ترفض الأطراف السياسية كافة الحديث عن عدم جهوزية لهذه الانتخابات لا بل تصر على أنها جاهزة وعلى أهبة الاستعداد لها بما يناقض الواقع على الأرض، وربما كان كلام النائب جبران باسيل عن أن من يريد الترشّح لهذه الانتخابات بحاجة على الأقل لشهرين أو ثلاثة ليقف أمام المرآة ويتصوّر ويتحضر ويتكلم مع العائلة الصغيرة والكبيرة قبل المضيّ قدماً في الترشّح وهذا غير متوافر في هذه اللحظة.
 
ناقض باسيل تصريحات نوابه الذين يؤكدون جهوزيتهم للانتخابات، وكان أصدق منهم في هذا الأمر، ومثله فعل النائب سجيع عطية الذي اعتبر أنه بدل صرف المال على الانتخابات البلدية، يجب إعطاؤها للبلديات القائمة أو للمرضى ولا داعي لهذا الإجراء في الوقت الحاضر، ويمكن الشروع به لاحقاً بعد انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة وانطلاق عجلة الاقتصاد. 
 
وفي المبدأ وعلى الرغم من الطابع العائلي – القروي الذي تتخذه الانتخابات في بعض الأماكن فإن أهميتها بالنسبة للقوى الحيّة في البلد توازي الانتخابات النيابية، فهي تُعدّ بوصلة الحضور الشعبي والتوازنات السياسية، على المستوى السياسي، كما أنها مرفق خدمي كبير للقواعد الحزبية ينطلق من أسفل الهرم، إضافة الى تأثيرها الانتخابي على مستوى الانتخابات النيابية والحضور الشعبي، بحيث تُعدّ البلديات اللبنة الأولى للحشد الانتخابي.
 
وبعيداً عن القرى الصغيرة، تشكل البلديات الكبرى والمتوسطة اختباراً شعبياً وسياسياً كبيراً لجميع القوى، فبلديات بيروت وطرابلس وزحلة، لا تختلف فيها المعارك الانتخابية البلدية عن النيابية، من ناحية الاصطفاف والحضور السياسي والشعبي، ومثلها بلديات أصغر منها حجماً لكن لها تأثيرها الاقتصادي والسياسي والمعنوي في المعارك الانتخابية الكبيرة، كبلديات الشياح، وسن الفيل والجديدة وجونيه في جبل لبنان على سبيل المثال لا الحصر، كما أن هناك زعماء سياسيين بنوا زعاماتهم وحافظوا عليها انطلاقاً من البلديات كالنائب الراحل ميشال المر.
 
لا ينكر أحد من الجهات السياسية أن الانتخابات البلدية يمكن أن تكون من أساس التشرذمات التي تصيب الأحزاب نتيجة التداخل بين العائلي والسياسي ويمكن أن تخلق إشكاليات، لكن في وقتنا الراهن هي أقل خطراً نتيجة التباعد بين الاستحقاق البلدي والاستحقاقات الأخرى أي تستطيع الأحزاب والقوى إعادة تطويق ما أفرزته الانتخابات البلدية قبل الاستحقاق الكبير وأغلبها نجح في هذا الأمر واستطاع ردّ "الحردانين" إليه.

وعلى أرض الواقع بدت هناك قوّتان أساسيتان تتحضران لهذه الانتخابات وهما "القوات اللبنانية"، و"حزب الله"، فيما بقيّة الأحزاب لم تكن بالجهوزية نفسها.
وفي هذا الإطار يقول مصدر إعلامي مقرّب من "حزب الله" لـ"النهار": إن الحزب يعمل منذ أشهر مع حركة أمل لإنجاز هذا الاستحقاق بناءً على الاتفاق البروتوكولي للتعاون بين الفريقين الذي أنجزته القيادتان عام 2010 وكان بمثابة اتفاق شامل حول الانتخابات البلدية. وهو اتفاق جرى بموجبه دعم لوائح مشتركة بين الحزبين في كل القرى التي لهم حضور فيها".

وبحسب المصدر، طُبّق الاتفاق عام 2010، وبعدها عام 2016، واليوم يجري العمل على تطبيقه. وبعد عقد جلسات دورية كان الاتفاق على تعديل بعض النقاط فيه إضافة الى البلديات المستحدثة. 
 
ويكشف أنّ الاتفاق مع حركة "أمل" يشمل 288 مدينة وبلدة وقرية وهو عدد كبير وضخم من البلديات، وبعد إعلان وزير الداخلية بسام مولوي الجهوزية لإجراء الانتخابات، جدّدنا اللقاءات مع حركة "أمل" وأعلنّا بدء آليات تنفيذ الاتفاقية. وبناءً على ذلك، بدأت الجلسات بين المناطق وجرى إبلاغ المندوبين بذلك. 
ولا ينكر المصدر أن الانتخابات يمكن أن تخلق بعض الحساسيات، "وخصوصاً بين العائلات والعشائر وغيرها إلاّ أنه متى تم الاتفاق بين القوتين الكبيرتين تبقى الأمور تفاصيل ويجري حلها قبل الانتخابات وبعدها".
 
وعن البلديات المختلطة يقول" في السابق تواصلنا مع الكثير من القوى الموجودة في البلديات المختلطة ولم نضع فيتو على حزب ولو كان خصماً سياسياً وسنحاول في هذا الاتجاه في هذه المرة، إذا استطعنا التوافق كان به وإن لم نستطع فلتكن انتخابات والخاسر يهنّئ الرابح وخصوصاً أنه في البلديات يجري التعاطي بين الأهالي كأبناء بلدة واحدة، مذكّراً بأن لا إشكالات تُذكر في القرى والمناطق المختلطة التي يوجد فيها "حزب الله" وإن حدث فهو يبقى استثناءً وليس قاعدة".
 
أما على صعيد "القوات" فتعتبر أن الجهوزية موجودة لخوض الاستحقاقات كافة، وما يحصل قبيل كل استحقاق هو تزخيم الماكينات، وتفرّق القوات بين الانتخابات البلدية والنيابية، فهي تتخذ في معظم المناطق طابعاً عائلياً، وبقدر ما تكبر البلدة يصبح منسوب التسييس أكبر، وبقدر ما تصغر يكبر العامل العائلي، وبالتالي هي ستتدخل كحزب حيث يجب تدخلها وتترك الأمور لأهالي القرى كما يجب.
 
أما على مستوى القوى التغييرية فعلى الرغم من الكلام العلني عن الجهوزية والتحضير مع القوى المحلية في كافة القرى فإن الواقع بعكس ذلك خصوصاً في بيروت وفي طرابلس التي تسعى الى خوض معركة حقيقية فيها، ولعل ما تحدث عنه أحد نواب بيروت "التغييريين" عن انتظار فرج "التأجيل" من الربّ هو خير دليل على ضعف التحضيرات لهذه المعركة وخصوصاً أن الظروف السياسية والاقتصادية وحتى عامل الوقت كان ضاغطاً إضافة الى أن التعارض الذي يتحكم بالمجموعات يجعل التأجيل خياراً مطلوباً لمحاولة لم الشمل.
 
أما بالنسبة للحزب التقدمي الاشتراكي فمواقفه تتشابه مع مواقف القوات على صعيد عدم التدخل في القرى الصغرى على اعتبار أن هناك قرى بأغلبيتها المطلقة توالي الحزب، وأنه يفضّل في القرى المتنوّعة "درزياً" التوافق بين الأطراف وهو كان عمله في السنوات السابقة ونجح في أكثر من بلدية، أما في القرى والمدن التي تأخذ فيها المعارك طابعاً سياسياً فسيخوضها الحزب.
 
لا ينكر الحزب أن الانتخابات ستحمل إشكالات في بعض القرى المختلطة خصوصاً المسيحية – الدرزية، لكن في الوقت نفسه هو مطمئن إلى أن أجواء التشنّج تنتهي فور انتهاء الانتخابات وهي ليست المرة التي تجري فيها الانتخابات البلدية ولم تؤثر على المصالحات.
 
في المحصلة وعلى الرغم من تقدم أحزاب على أخرى في التحضيرات، تنفّس الجميع الصعداء بإبعاد هذه الكأس عنهم، وخصوصاً أن التفاصيل أثبتت أن كمّاً هائلاً من المشاكل ستتركه البلديات وخصوصاً في جوّ الشحن الموجود، فعلى نقيض تصريح المصدر الحزبي في الثنائي الشيعي، فالمطلع على أجواء القرى والمدن التي يتحكمون يعرف جيداً أن الكلام المصرّح به غير قابل للتطبيق بسهولة، والدخول في هذا الوقت بالذات بين العشائر والعائلات وحتى مع حركة أمل ينذر بإشكالات كبيرة "ووجع رأس" زاد الى حد كبير مع التدهور الاقتصادي الحاصل، وعدم تلبية كافة الطلبات، وما يسري على الثنائي يسري على الجميع، فلا في مناطق الجبل الوضع مريح والحقن الطائفي بلغ أوجه، وسط ازدياد المطالبات بالفيديرالية، ولا في المناطق المسيحية التي زاد الانقسام فيها وتسير نحو معارك كسر عظم بين مختلف الأفرقاء الذين يرغبون في تثبيت حضورهم الشعبي والخدماتي عبر البلديات، أما في الشارع فحدّث ولا حرج بعد التضعضع الذي خلّفه غياب تيار المستقبل، ولم يستطع أحد تعبئته حتى الساعة، والدخول في الدهاليز البلدية سيزيد التشرذم بغياب المرجعيات.

اقرأ في النهار Premium