"على الحكومة المقبلة أن تكون محرّرة من الشروط الخارجة عن الدستور والميثاق والأعراف، فلا يكون فيها حقائب وراثية ولا حقائب ملك طائفة ومذهب وأحزاب... حكومة شجاعة في التصدي لكل ما هو غير شرعي ومؤهلة للتعاطي مع المجتمعين العربي والدولي... ونرفضُ تمضيةَ الأشهرِ القليلةِ الباقيةِ من هذا العهد في ظلِّ حكومةِ تصريفِ الأعمال. ونرفضُ الشغورَ الرئاسيَّ والفراغَ الدستوريَّ لأنّهما مرادِفان هذه المرّة لتطوّراتٍ يَصعُب ضبطها دستوريًّا وأمنيًّا ووطنيًّا".
هكذا لخّص البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمس شكل الحكومة المقبلة، فحدّد المعايير، وقطع الطريق على أي محاولات القبول باستمرار حكومة تصريف الأعمال إلى حين انتهاء الولاية الرئاسية.
همّ بكركي، لا يلقى كثيراً من الاهتمام لدى بعض الأطراف السياسيين، التي تفاوض في الكواليس على حصص عبر سياسة الابتزاز والكيدية لتحقيق سبل الحصول على مغانم حكومية، في محاولة لعدم الخروج عن سطوة القرار والحكم مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
فالتيار الوطني الحر على رغم نفيه إجراء أي مفاوضات تحت الطاولة او محاولات لتحقيق مكاسب حكومية، إلا ان مفاوضات الكواليس الحكومية تظهر العكس، فيما يدخل "حزب الله" الكباش الحكومي من باب، أولا، محاولة ثني النائب جبران باسيل على عدم تسمية شخصية تنافس الرئيس نجيب ميقاتي، وثانياً، الإبقاء على المعايير ذاتها التي حكمت تشكيل حكومة ميقاتي، أبرزها ان تكون حكومة وحدة وطنية، ورئيسها يعرف أهمية المقاومة كما أعلن النائب محمد رعد.
في الأثناء، تجري الاتصالات بين النواب التغييريين للخروج بتسمية واحدة، بموازاة اتصالات بين القوى السيادية والتغييريين والقوى المستقلّة للخروج بموقف موحد، علّه يعوّض ما خسروه في انتخابات نائب رئيس المجلس وهيئة مكتب المجلس واللجان، من دون ان يتم الوصول إلى اتفاق معين حتى الساعة، وهو ما ظهر جلياً بموقف كل من مارك ضو ونجاة صليبا اللذين أعلنا منفردين أنهما سيسميا نواف سلام، لتنطلق الاتصالات لتحقيق تضامن حول اسمه من قبل التغييريين وسائر القوى.
أما القوى السيادية، المتمثلة بـ"القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي"، أيضاً لم تخرج بعد باسم موحّد لخوض الاستحقاق، والمشاورات جارية على قدم وساق، بانتظار دخان أبيض محتمل يخرج عن القوى التغييرية للذهاب قوة واحدة إلى قصر بعبدا يوم الخميس المقبل، بدل الذهاب مشتتين ومنفردين ومستفردين.
بالموازاة، الثقل السنّي، الذي عادة ما كانت له الكلمة الفصل في هذا الاستحقاق لا يبدو حتى الآن متماسكاً، بانتظار بعض المبادرات واللقاءات والاتصالات لتوحيد الموقف، منها معلن ومنها غير معلن، ومنها اللقاء اليوم في منزل النائب نبيل بدر الذي يجمع عدداً من النواب السنّة، لن يكون اللواء أشرف ريفي من بينهم.
هذه الدينامية على مستوى التكليف، تتجه بالمعركة نحو المواصفات التي يجب توافرها برئيس الحكومة المقبل، فالأكيد الوحيد هو أن القوى السيادية والتغييرية والمستقلة تريد رئيس حكومة خارج عن اصطفافات المنظومة، يحمل لوناً سيادياً، ومشروع حل، وله اتصالات عربية ودولية، فيما يريد الثنائي الشيعي إبقاء القديم على قدمه، مع التأكيد على أن الرئيس ميقاتي أيضاً يحظى أقلّه بتوافق عربي ودولي، بعيداً عن موقف المملكة العربية السعودية في هذا الإطار.
ووفق هذه الوقائع، من الواضح ان معركة تسمية رئيس حكومة مكلّف قد تحسم في الساعات الأخيرة، أي يوم الخميس، وسط الكباش السياسي الحاصل بين المنظومة وقوى المعارضة من جهة، ووسط ضبابية الرؤية بين القوى السيادية والتغييرية نفسها.