تجهد قوى المعارضة على إيجاد المخارج للأزمة الرئاسيّة، وإيصال مرشّحها جهاد أزعور عبر الإبقاء على جلسات البرلمان مفتوحة. وفي السياق، انطلق العمل على بلورة طريقة جديدة للضغط على رئيس المجلس نبيه برّي عبر محاولة جمع أكبر عدد من النوّاب للنزول إلى المجلس والمطالبة بفتحه وانتخاب رئيس.
وبعيداً عن المطبات السياسيّة، لا بدّ من الولوج إلى المنحى الدستوريّ لهذه الخطوة؟ وإلى أيّ حدّ يمكنها إجبار رئيس المجلس على الخضوع لإرادة النوّاب؟
الخبير القانونيّ سعيد مالك أكّد في حديث لـ"النهار" أنّه "عملاً بأحكام المادّتين 74 و75 من الدستور، يُعتبر مجلس النوّاب هيئة ناخبة وليس هيئة تشريعيّة، وهو منعقد حكماً من تاريخ الفراغ الرئاسيّ، أي ابتداء من 1 تشرين الثاني من السنة المنصرمة يعتبر المجلس منعقداً حكماً ومولجاً فقط بانتخاب رئيس للجمهوريّة، وبالتالي فإنّ المجلس لا يحتاج الى دعوة من رئيس المجلس نبيه برّي لكي يلتئم، ومجلس النوّاب يمكن أن يتداعى للاجتماع شرط تأمين النصاب، والمبادرة إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة".
واعتبر مالك أنّه "في حال أقدم نوّاب المعارضة على النزول إلى المجلس، ستكون الخطوة "رمزيّة" أكثر منها عمليّة، لأنّهم لن يتمكّنوا من تأمين 86 نائباً من أجل أن تكون جلسة دستوريّة، بل ستبقى جلسة رمزيّة إن حصلت، لتحريك المياه الراكدة لا أكثر ولا أقلّ، إلّا أنّ الخطوة دستوريّة بامتياز".
وعمّا اذا كان هنالك بنود دستوريّة تجبر رئيس المجلس على الحضور، يقول مالك: "كما لكلّ نائب صلاحيّة الحضور، لا يمكن إرغام رئيس المجلس على الحضور وترؤّس الجلسة"، مشيراً في هذا السياق إلى أنّ "تحقيق هذا الأمر مرتبط بالموقف السياسيّ بالدرجة الأولى، لكن لا شيء يمنع نوّاب المعارضة من التداعي من أجل الالتئام داخل مجلس النوّاب بشرط تأمين النصاب وهو ما أشكّ به. وفي حال تمّ تأمين النصاب، وتعذّر على رئيس المجلس ترؤّس الجلسة، يمكن أن ينوب عنه نائبه. وفي حال اجتمع نوّاب المعارضة في غياب الرئيس ونائبه، يترأّس الجلسة أكبر الأعضاء سنّاً، وبالتالي مفتاح مجلس النوّاب ليس فقط في يد الرئيس برّي".
قوى المعارضة
"القوّات" لم تستعرض هذا الموضوع داخل التكتّل، ولم يتمّ البحث فيه بالعمق، لأنّ المسألة لم تأخذ بعد أيّ طابع جدّي أو تنفيذيّ، بل الموضوع مطروح في الإعلام فقط. ويقول عضو تكتّل "الجمهوريّة القويّة" النائب غيّاث يزبك لـ"النهار": "إصرارنا على المشاركة في الجلسات الانتخابيّة بعد اعتماد مرشّح واضح ومعروف المعالم، اسمه ميشال معوّض ومن ثمّ جهاد أزعور الذي حاز على أعلى نسبة من الأصوات، يعكس إصرارنا ككتل نيابيّة معارضة على ممارسة العمل النيابيّ المجلسيّ. وهذا الإصرار تجلّى برفضنا أن تعمل الحكومة بفاصلة إضافيّة خارج إطار تصريف الأعمال الضيّق، كما برفضنا التشريع في المجلس النيابيّ، لأنّ المجلس النيابيّ اليوم هو هيئة ناخبة".
وعن خطوة التداعي إلى البرلمان، يرى يزبك أنّ "المشروع كما يُطرح اليوم هو عمل رمزيّ، له مفاهيمه الدستوريّة، لكنّ المهمّ أن يؤدّي المُراد منه، وهذا يتطلّب بحثاً معمّقاً بين قوى المعارضة والائتلاف الذي نشأ حول جهاد أزعور، لتلمس أيّ فوائد منه والتسريع في عمليّة انتخاب الرئيس".
وجدّد التأكيد على أنّ هذه الخطوة تحتاج إلى بحث معمّق وتريّث في دراستها. وأضاف: "في رأيي الشخصيّ، من دون أن ألزم الحزب به، هذه الخطوة يمكن أن تؤدّي الى "تصلّب" في موقف الطرف الآخر الذي يرفض اللعبة الديموقراطيّة المبسّطة المبدئيّة الأساسيّة، ولديه مفاهيم غريبة عجيبة، يعتبر فيها التنافس الانتخابيّ دعوة إلى الفتنة، وصندوقة الاقتراع متراس، والرئيس الذي ترشّحه المعارضة رئيس تحدّ، وبالتالي لن يتقبّل فكرة أن يتداعى نحو 65 نائباً إلى داخل المجلس أو خارجه للمطالبة بانتخاب رئيس، علماً أنّ هذا الموقف سياسيّ وله رمزيّته، لكن يمكن أن يؤدّي إلى المزيد من الاستعصاء في عمليّة انتخاب الرئيس".
وتابع يزبك: "هذا لا يعني أنّ الاقتراح ملغى، إذا استمرّ الثنائيّ إلى ما لا نهاية في عملية التمترس والعترسة الدستوريّة والتعاطي مع الدستور كوجهة نظر، فإمّا يكون تحت خدمته أم يضع مسدسه على الطاولة".
وقد استمزجت "النهار" عدداً آخرَ من النوّاب، الذين عبّروا عن دقّة الخطوة وضرورة دراستها بتأنٍّ، من دون رفضها بالكامل إذا استدعت الظروف ذلك.