النهار

في ذكرى نداء المطارنة الموارنة... الحاجة اليوم إلى ما هو أكبر من نداء
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
في ذكرى نداء المطارنة الموارنة... الحاجة اليوم إلى ما هو أكبر من نداء
تعبيرية
A+   A-
عشية نهاية عهد رئيس الجمهورية، تقف البلاد على مفترق طرق، بين تكرار تجربة ميشال عون وتكريس لبنان كدولة واقعة تحت السيطرة الإيرانية التي تشمل أربع عواصم، وبين محاولة إطلاق مسار يُعيد إلى البلاد شيئاً ممّا فُقد من كرامتها وسيادتها بعد مصادرة "حزب الله" قرار السلم والحرب والسيطرة على مفاصل الدولة ككلّ.

بالعادة، ما من تحوّلات جذرية بين ليلة وضحاها تشهدها الحياة السياسية إلّا في حالات نادرة. فعلى سبيل المثال، واستنادًا الى موازين القوى السائدة حاليًّا في الداخل، من المستبعد انتخاب رئيسٍ للجمهورية سياديّ بشكل كامل لكي يؤسّس لمرحلة جديدة في لبنان، لكنّ مشهداً مختلفاً قد يكون فيه الكثير من الأمل إذا وقع حدث ما أطلق دينامية جديدة، على غرار ما حصل في العام 2000 عندما أعلنت بكركي موقفاً مدوّياً طالبت فيه بانسحاب الجيش السوري من لبنان. دينامية تكون مكمّلة لـ27 شباط 2021، تضمّ كلّ القوى السيادية الشعبية والسياسية في لبنان، لاستعادة الدولة من خاطفيها وللحفاظ على هوية لبنان التاريخيّة في مواجهة الهيمنة الإيرانية على لبنان. 
 
هذه الهيمنة التي وجدت مكاناً لها مع غياب النفوذ السوري في لبنان، وإطلاق "حزب الله" سطوته العسكرية والأمنية والسياسية على الدولة ومؤسّساتها. وهو أمر يعيدنا في الذاكرة إلى مرحلة الهيمنة السورية على لبنان، وبدء مرحلة مواجهتها، مع إطلاق مجلس المطارنة الموارنة نداءه التاريخيّ الشهير عام 2000، ضدّ الوجود السوري في لبنان.
 
 
فانطلق المخاض الشعبي والسياسيّ مع تكاتف القوى الوطنية الحيّة والنابضة بروح الحرية والسيادة والاستقلال.
 
وفيما يعيد تاريخ 20 أيلول الحنين إلى تلك المرحلة المهمّة التي أسّست لاستقلال لبنان الثاني، عبر ثورة الأرز، التي بدورها حضنت كلّ من اختلف في الماضي على شكل لبنان ودوره، فتوحّدت حول لبنان واحد ودور واحد، فإنّ المرحلة التي يمرّ بها لبنان اليوم لا تقلّ خطورة عن تلك التي كانت في العام 2000 وما قبله، أمام سطوة إيران و"حزب الله" عسكريّاً وثقافيّاً واقتصاديّاً وماليّاً، على الدولة والشعب اللبنانيّ. 
  
من هنا، ينحو اللبنانيون باتّجاه إطلاق دينامية جديدة، مدماكها ثورات أرز متتالية، لتحقيق الاستقلال الثالث. ومع هذا الحنين إلى التحرّر من القيود المفروضة على اللبنانيين جميعاً، فإنّ السؤال الملحّ اليوم، هل حقّق النداء هدفه؟ وهل نحن اليوم في حاجة إلى نداء أيلول آخر يعيد رصّ الصفوف ويُطلق دينامية المواجهة ضدّ الهيمنة الإيرانية على لبنان؟
 
 

رسالة إلى "المقاومة" 
المطران نبيل العنداري يُشير إلى أنّ "بعض ما ورد في النداء تمّ تطبيقه، كخروج القوات العسكرية التابعة للوصاية السورية، لكنّ ثمّة نقاطاً أخرى لا زالت تنتظر التطبيق، وقد تحتاج إلى ما هو أكبر من نداء اليوم".

وفي حديث لـ"النهار"، يشدّد العنداري على وجوب "القيام بعمل ليعيش الجميع في لبنان على أساس أنّهم لبنانيون، وتعود قوى الأمر الواقع إلى لبنان"، وفي هذا السياق، يُضيف، "إنّ هذه الدعوة موجّهة إلى ما كانت مقاومة في ذلك الحين (العام 2000) وحرّرت الجنوب، لكنّ مع فرضها لواقع آخر مغاير عن إرادة اللبنانيين لا أدري ما إذا كانت لا زالت مقاومة اليوم، ومقاومة على من؟ اللبنانيين؟".

وإذ يؤكّد على ضرورة تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الخارجيّة، يُذكّر العنداري أنّ "لبنان تمتّع بعلاقات طيبة مع مختلف الدول، لكن وفي الوقت نفسه، كان له حضوره وخصوصيّته، وكان جزءاً من مؤتمر عدم الانحياز، وهنا تبرز دعوة البطريرك مار بشارة الراعي إلى الحياد، لكن هناك من لا يريد أن يسمع".

النداء لا زال ساري المفعول
في هذا الإطار، ينطلق عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب زياد حواط من دعوة الراعي إلى الحياد، ويلفت إلى أنّ "عملاً نيابياً يجري بالتوازي لتعزيز شرعية الدولة من جهة، وإعادة لبنان إلى الشرعية العربية والدولية من جهة آخرى، ولكن طالما بقيت البلاد مخطوفة، فإنّ المأساة ستستمرّ وتتجدّد".

وفي حديث لـ"النهار"، يُشير حواط إلى أنّ "النداء حينها طالب بتحرير لبنان من الوصايات، وفرض السيادة على الأراضي اللبنانية كافة، وبالتالي فهو ما زال ساري المفعول لأنّ البلد يحتلّه المحور الإيراني بقوّة السلاح".

ويرى في العودة إلى النداء وتطبيق الحياد الذي دعا إليه الراعي "فرصةً لخلاص لبنان". إلّا أنّ طرح بكركي لا يلقى التأييد الواسع نفسه الذي شهده النداء في العام 2000، خصوصاً في ظلّ معارضة رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط وغياب تيار "المستقبل" عن الساحة السياسية، وبقاء "القوات اللبنانية" وحيدة إلى جانب الكنيسة.

في هذا السياق، وعن الالتفاف حول بكركي والراعي اليوم لإطلاق المسار نفسه، يقول إنّ "الناس انتخبت السيادة والشرعية في الانتخابات النيابية الماضية، وعلى القوى السيادية دعم موقف بكركي في هذا السياق"، لكنّه لا ينفِ تبدّل الأجواء واختلافها، ويُشير إلى إعادة تموضع بعض الأطراف، غامزاً من قناة جنبلاط، ويتمنّى أن تكون الخطوة تكتيكية وليست استراتيجية.

الفرصة موجودة... لكنّ تطبيقها صعب
عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب السابق هنري حلو يعتبر أنّ "الوضعين السياسي والاقتصادي اللذين تطرّق إليهما نداء المطارنة الموارنة لم يتغيّرا، بل زادا سوءاً مع تردّي الأوضاع الاقتصادية وابتعاد لبنان عن العالم العربي، كما أنّ السيادة لا زالت منقوصة في ظلّ هيمنة "حزب الله" على البلد وحدوده"، ويلفت إلى أنّ كلّ الملفات مرتبطة ببعضها، ويذكّر بما ورد في النداء حينها، "الاقتصاد السليم مرتبط بالسياسة السليمة".

ويقول لـ"النهار" إنّ "جنبلاط كان أوّل من دعا إلى عودة انتشار القوات السورية في لبنان، كانت خطوة زيارة البطريرك صفير الجبل وترسيخ المصالحة في السياق نفسه الذي عمل عليه الرجلان في تلك الحقبة".

لكنّ حلو لا يبدو متشائماً إلى أقصى الحدود، بل يرى أنّ ثمّة فرصة حقيقية موجودة، "لكنّها صعبة جداً، تتمثّل في المجلس النيابي الجديد القادر على ضخّ الدم وإطلاق أفكار جديدة، ويبدأ هذا المسار من انتخاب رئيس سياديّ وتشكيل حكومة إصلاحيّة".
 

اقرأ في النهار Premium