أما وقد بدأ صخب المعركة الانتخابية ينخفض، وفيما بات مؤكداً أن لا معركة على رئاسة البرلمان بحسب ما علمت "النهار"، بل على نائب الرئيس واللجان النيابية، تتحضر القوى السياسية لمعركة محتدمة حكومياً، على ضوء تجديد المجتمع الدولي دعواته لتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات، وآخر هذه الدعوات، ما طلبه الجانب الأميركي أمس، من الطبقة السياسية عدم التأخر في تشكيل حكومة قادرة على "إنقاذ الاقتصاد وإعادة الثقة" بالبلد.
المعايير التي وضعها المجتمع الدولي للسلطة السياسية من اجل العودة إلى لبنان أو تقديم المساعدات له لم تتبدّل. الإصلاحات ثم الإصلاحات، وهي وحدها التي تعيد الثقة. وهذا مرتبط بشكل مباشر بالحكومة المقبلة، وعلى ماذا سيرسو اتفاق القوى السياسية نظراً لمتطلبات المرحلة الدقيقة. وعلى ما يبدو، ان "التيار الوطني الحرّ" و"حزب الله" يفضلان حكومة سياسية على غيرها من الحكومات، بعد كلام جبران باسيل الأخير "باي باي" لحكومة التكنوقراط، وكلام السيد حسن نصرالله، عن التمسك بما يسميها "المعادلة الذهبية"، "الجيش والشعب والمقاومة"، ومحاولته فصل وإبعاد ما أفرزته الانتخابات عن مسألة إنتاج السلطة التنفيذية في لبنان. ما يوحي بأن المرحلة المقبلة ذاهبة إلى مزيد من المواجهة والتعطيل ربما.
لكن، وفي ظل رفع السقوف السياسية، هل يمكن الوصول إلى حلول وَسَط والعودة إلى تسويات قديمة، وفق شعارات فارغة كالاستقرار والسلم الأهلي؟ وهل طرح حكومة تكنوقراط أو اختصاصيين يسلك طريقه كحل وسط بين من يريد حكومة وحدة وطنية أي "حزب الله" وحلفاؤه، وبين من يرفض هذه الحكومة، لأنها لم تكن منتجة وفاعلة بل معطّلة، كالقوات اللبنانية وحلفائها والعديد من قوى التغيير؟ وهل من تولوا في السابق تدوير الزوايا، سيكونون قادرين على تدويرها مجدداً في ظل الخريطة السياسية الجديدة في المجلس؟
"القوات اللبنانية" ثابتة على موقفها، لا لحكومة وحدة وطنية. ولا لـ"حكومات الشوربة" كما سمّاها الدكتور سمير جعجع. باعتبار أنها مسؤولة عن إيصال الأزمة الى ما وصلت اليه لأنها لا يمكن أن تتفق بين أعضائها على برنامج موحّد وهي "تعطيلية" في جوهرها بسبب قوى سياسية لا تريد الإصلاح وتمعن في الفساد ودورها الاساس تغطية مشروع الدويلة في لبنان.
وبانتظار اجتياز مرحلة انتخاب رئيس المجلس، ودعوة رئيس الجمهورية لاحقاً الى استشارات نيابية ملزمة ليصار الى تكليف رئيس حكومة وبدء مشاورات التأليف، تؤكد "القوات" انها لا تعارض فكرة حكومة اختصاصيين مستقلين. فرئيسها أعلن منذ 2 أيلول 2019 ضرورة الذهاب الى حكومة اختصاصيين فعليين وليس اختصاصيين ينفذون أجندات القوى السياسية التي عيّنتهم.
لذلك، هل يمكن أن تسلك فكرة حكومة اختصاصيين أجندة "القوات"، تقول مصادر "القوات لـ"النهار": "سنرى ذلك". لكن الأكيد أننا ضد حكومات الوحدة الوطنية.
تشكيل حكومة كفاءات بغض النظر عن الانتماءات السياسية والحزبية للوزراء، أمر لا يعارضه الحزب "التقدمي الاشتراكي" بالجوهر، وهو يعتبر أنّ تجربة التكنوقراط جيّدة جداً. وكل كلام عن شيطنة او استبعاد هكذا حكومة، يعني الاستمرار في التدمير المنهجي للاقتصاد والمؤسسات، والاستمرار في الانهيار.
حركة "أمل" ترى من جهتها، أن الحديث عن شكل الحكومة المقبلة مبكر لأوانه، بانتظار ما سيؤول إليه الاستحقاق البرلماني المقبل. وفي الإطار، تؤكد ان لا معركة أبداً على رئاسة المجلس، بل هي تدور فقط على مقعد نائب رئيس المجلس إضافة إلى اللجان. وبالنسبة للرئيس نبيه بري، فإنّ كل الأسماء المطروحة لنائب رئيس المجلس في سلّة واحدة، ولا تفريق بينهم. وتحرص على التأكيد أن لا اتفاقات مع أحد، علما ان الرئيس بري أكد أخيرا أننا "لم نتفق على شيء".
على خط مواز، شكل الحكومة أكانت سياسية أم غير سياسية، يعيد إلى البحث مسألة المعادلة الثلاثية، التي يصفها "حزب الله" بـ"الذهبية"، فيما يعتبرها الحزب "التقدمي الاشتراكي" أنها أوصلت لبنان واللبنانيين إلى أفق مسدود، وتساهم في تعميق الازدواجية بين الدويلة والدولة، ولا إيجابية من التمسك بها.
وفيما يحاذر "الاشتراكي" الدخول في متاهات السجالات أو العصبيات الحزبية، يشدد على أنّ الدولة وحدها تحمي لبنان. وهذا يتطلب إقرار الاستراتيجية الدفاعية التي تؤكد على مرجعية الدولة والجيش في الدفاع عن لبنان وامتلاكه وحده السلاح، وبلورة آلية ترسم كيفية توحيد السلاح تحت إمرة الدولة.
"القوات" تشدد بدورها على ضرورة إقرار الاستراتيجية الدفاعية القائمة على وحدة السلاح والجيش. بمعنى أن يكون هناك سلاح واحد وجيش واحد.
وتعلّق رداً على سؤال على ما قاله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير عن دور "الجيش والشعب والمقاومة"، بالتذكير أن هذه المعادلة تتردد في الإعلام فقط، لكنها سقطت منذ مدة طويلة في البيانات الوزارية بدءا من حكومة تمام سلام، مروراً بحكومتي الرئيس سعد الحريري، إلى حكومة حسان دياب والآن نجيب ميقاتي، وتم الاستعاضة عنها بصيغ ملتوية تقول الشيء وعكسه لإعطاء انطباع بأن للشعب دوراً في التحرير بينما في الحقيقة الدور يجب أن يكون للدولة والجيش وللمؤسسات الرسمية.
من هنا، ترى "القوات" أن الأساس يكون باعتماد عبارات واضحة بعيداً عن الأساليب الملتوية والتأكيد أن المرجعية الوحيدة في الدفاع عن لبنان هي الدولة اللبنانية والجيش اللبناني وكل ما هو خلاف ذلك هو تكريس للحالة غير الشرعية واستمرار للأمر الواقع بوجود سلاح غير شرعي في لبنان.