النهار

التغييريّون إلى أين؟... بعد 14 حزيران
محمود فقيه
المصدر: "النهار"
فيما يخص "نواب الثورة" والصورة التي كان ينتظرها الناخبون لنوابهم الجدد لم تعد مطروحة.
التغييريّون إلى أين؟... بعد 14 حزيران
النواب التغييريون.
A+   A-
يتحاشى نواب تغييريّون الحديث للإعلام عن جلسة الأربعاء الماضي ونظرتهم لما هو آت، إمّا لشعور بالحرج، أو ربّما بسبب انشغالات، وهم المعارضون للجلسات التشريعية، و إمّا خشية من موقف يحسب عليهم أمام ناخبيهم، أو لفقدان الرؤية، أم لأنّهم تجرّعوا السمّ وانتحروا، و"منهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً".
 
كاد التغييريّون في جلسة 14 حزيران أن يكونوا 3 أقسام لولا الجهود الجبارة التي بذلها بعض نوّابهم. وهكذا تركزت الأنظار على موقف النوّاب الاثني عشر الذين انقسموا إلى فريقين هذه المرّة، إذ اصطفّ كلّ من حليمة القعقور، الياس جرادة وسينتيا زرازير إلى جانب نوّاب صيدا منتخبين زياد بارود، فيما أيّد الآخرون جهاد أزعور.
 
إثر الجلسة نعت النائبة حليمة القعقور التكتّل وقالت "إنّه لم يعد هناك شيء اسمه تكتّل نوّاب التغيير منذ فترة، ولم تعد هناك اجتماعات". بهذا التصريح كادت تجيب عن طبيعة التبدّل في خارطة الكتل والائتلافات في ما يخصّ "نوّاب الثورة"، وبالتالي الصورة التي كان ينتظرها الناخبون لنوابهم الجدد لم تعد مطروحة. وكان النائب عبد الرحمن البزري قد كشف لـ"النهار" من أمام البرلمان أنّهم في صدد توسيع تكتل "نوّاب صيدا" ليشمل نوّاباً آخرين، وهذا قد يشير إلى انضمام محتمل لجرادة، القعقور وزرازير.
 
لا يمكن القول بأنّ جلسة 14 حزيران هي القشّة التي قسمت ظهر البعير، بل كادت تدفع ما في الأعماق نحو السطح أكثر. النائب ياسين ياسين يعتبر الجلسة "عرضاً مسرحيّاً دفع فيها التغييريّون من رصيدِهم مرّة أخرى". 
ويرى ياسين في حديثه لـ"النهار" أنّ بعد ١٤ حزيران يوم آخر. ويضيف: "الذين انتخبونا ووضعوا ثقتهم بنا كان هدفهم تكوين نواة تغيير سياسيّ واجتماعيّ واقتصاديّ، لا أن نكون وقوداً يُستخدم لتأجيج صراع المصالح بين تكتلات المنظومة".
 
وبرأيه نتج عمّا سمّاه "مسرحية ١٤ حزيران" أمران، الأول هو أنّ المنظومة لا تسقط بالضربة القاضية، معتبراً أنّ اللعب على تناقضاتها يساعد على تفكيكها. ويرى ضرورة إعادة التفكير بكيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسيّ في الجلسات المقبلة بشكل يمكّنهم من الحفاظ على ما تبقّى من رصيدهم من جهة، والعمل على الواجبات البرلمانية من تشريع ومراقبة ومحاسبة وإيصال صوت الناس للقرار التشريعيّ، من خلال قوانين ومساءلات ومحاسبة تستند الى مبادئ ثورة ١٧ تشرين، لتحقيق الأفضل للبنانيّين كافّة، من جهة أخرى"، حسب تعبيره.
أمّا الأمر الثاني، فضرورة العمل للانتقال من تكتل إلى "كتلة تغييرية" قادرة على قلب المعادلة من خلال استقطابها نواباً مستقلّين قريبين من "خطّ تشرين، وبمساندة شخصيات ومجموعات أثبتت "وطنيّتها في صراعها الطويل مع المنظومة".
 
بعد منتصف حزيران قد تبدو الصورة أكثر وضوحاً لجهة تفكّك التكتّل وعدد التفرّعات التي قد تنبثق عنه، مع عدم استبعاد لمّ الشمل في حال توحّدت النوايا. المؤكّد هو ثبات مارك ضو ووضاح الصادق وميشال دويهي على جهاد أزعور وبتنسيق وحوار مع نوّاب "المعارضة". في الجهة الأخرى إذا تحقّقت مساعي تكتّل صيدا هذا يعني أنّ القعقور وجرادة وزرازير باتوا سويّاً مع أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وشربل مسعد.
 
يبقى ستّة نواب ينقسمون إلى مجموعتين، وإن بدوا سويّاً في الجلسة الأخيرة. كرّس المؤتمر الصحافيّ الذي جمع بولا يعقوبيان ونجاة صليبا طبيعة التنسيق التي تجمع الاثنتين، ورغم تواصلهما الدائم مع ملحم خلف إلّا أنّ الأخير يحاول جاهداً أن يكون الصلة الجامعة بين البقية، ولا يحصر نفسه في جهة وهو دور تلعبه في بعض الأحيان بولا وغالباً ما تنجح به. يبقى ثلاثة نوّاب شكّلوا جسماً واحداً أيضاً هم ياسين ياسين، إبراهيم منيمنة وفراس حمدان. وبالتالي، قد لا تكون الصورة قاتمة مع انقسامهم إلى 3 مجموعات واضحة، على أن يكونوا في مجموعة واحدة منقسمين على ذاتهم.
 
إلّا أنّ النائب مارك ضو يرى أنّ النواب التسعة الذي التقوا على خيار جهاد أزعور قاموا بواجبهم كاملاً وأثبتوا أنّهم قوّة نيابية قادرة على قلب الموازين، وهم متحرّرون من المصالح المباشرة ولا يربطون الاستحقاق بمكاسبها، بل هم مجموعة نيابية ربطت دورها ومساهمتها بإمكانية حسم المعارك، وأن يكون خيارها لصالح إنهاء أيّ فراغ وانتخاب رئيس.
 
ويقول مارك ضو في حديثه لـ"النهار" إنّ "جلسة 14 حزيران أثبتت أنّ هناك من يعطّل الديمقراطية والعمل الدستوريّ في لبنان، وقطع السبيل أمام انتخاب رئيس بتوافق لبنانيّ مستقلّ". ويضيف: "اليوم مفروضة علينا خيارات منها خيار مدعوم بالسلاح وخيار مدعوم بالتعطيل الطائفيّ، أمّا الحلول لذلك فتكون أحياناً باستدعاء التدخّل الخارجيّ من قبل المعطّلين أو عبر صراع سياسيّ حادّ بين المكوّنات وهذا لن يحصل". 
 
ودعا ضو زملاؤه النوّاب إلى نقاش سياسيّ بالعمق عن كيفية إدارة الأداء للجوّ التغييريّ في محاولة إحياء العمل ضمن تكتّل من التغييريّين الذين اثبتوا خلال الاستحقاق الرئاسيّ، وحتّى عند تسمية رئيس الحكومة بأنّهم في خيارات مشابهة ومتلازمة، وليست لديهم إشكاليّات في العمل السياسيّ وبإمكانهم العمل لمكاسب وطنيّة حقيقيّة بنّاءة تمثّل رغبة الشعب اللبنانيّ بالتغيير. 
 
كلام مارك ضو ينطلق من دراية بالواقع الذي يعيشه التغييريّون، هي دعوة عن حرص وحاجة لحوار بينهم والتفاهم لتكوين جسد واحد بخيارات محدّدة. وينطلق ضو من القوّة التي جسّدها التغييريّون التسعة في الجلسة الأخيرة، وهم "قادرون على قلب موازين القوى إذا آمنوا بالقوّة الموجودة لديهم".
 
يبقى لمبادرة ضو خطوات عملية في التواصل والتحضير لهكذا خطوة ليست مستحيلة وتحتاج إلى قليل من التواضع من زملاء آخرين، وحسّ بالمسؤولية أمام الشعب اللبنانيّ، علّهم ينجحون في تكوين "جبهة التغيير" المنشودة التي تطرح خيارات واضحة، ولا ترفع الشعارات وتبتعد عن الشعبيّة وتتبنّى خيارات لا تتنصّل منها ولا تعلّل تبنّيها بأنّها تجرّع للسمّ.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium