النهار

جداول أعمال الحكومة "الفضفاضة"... رسائل سياسية تتخطّى الطارئ والملحّ
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
جداول أعمال الحكومة "الفضفاضة"... رسائل سياسية تتخطّى الطارئ والملحّ
مجلس الوزراء منعقداً (حسام شبارو).
A+   A-
ازدادت وتيرة اجتماعات الحكومة في الفترة الأخيرة، وعادت أسبوعية كما لو أنها حكومة مكتملة الأوصاف، لا حكومة منتهية الولاية ومستقيلة، ولا تحظى بثقة مجلس النواب وهي خارج المحاسبة برلمانياً.

في الجلسة ما قبل الأخيرة شمل جدول أعمال مجلس الوزراء أكثر من سبعين بنداً، وجلسة الأربعاء شملت أكثر من 25 بنداً، أغلبها بعيد كل البعد عن الطارئ والضروري والملحّ، المفترض أن تكون فقط من اختصاصها.
 


وبالنظر الى جدول الأعمال الأخير فإنه يشمل بنوداً عن اتفاقية للتعاون مع النمسا في أمور تختص بالشرطة، إضافة الى تحفيزات تتعلق بالمشروع الاستثماري itico، واستثمار عقارات في سوليدير وإصدار طابع عن "بيروت عاصمة الإعلام العربي" وإعطاء رخصة لمؤسسة صيدون لمختبرات الأسنان، والكثير من البنود، ككفّ يد مدير عام بسبب خلافه مع وزير، وفرض ضرائب على الرخام يصح تصنيفها بالأمور الثانوية لحكومة طبيعية مكتملة الصلاحيات القانونية والدستورية.
وصدرت خلال أشهر قليلة مئات المراسيم الصادرة عن رئيس الحكومة بتوقيع وزير المالية والوزير المختص تتعلق بتوظيفات وتعيينات وصرف وغيرها من الأمور.

وبعكس الجلسة الأولى التي تلت الفراغ الرئاسي، وانعقدت فيها الحكومة بنصاب "على آخر نفس" نتيجة كسر وزير الصناعة جورج بوشكيان قرار حزبه والمشاركة في الاجتماع، دخل وزراء "حزب الله" الى الجلسة وشاركوا ببند واحد يختصّ بمرضى السرطان قبل أن يخرجوا على الرغم من أنه كانت هناك بنود تتعلق بالمساعدات الاجتماعية يمكن وصفها بالضرورية، أما اليوم فالأمور مختلفة، ففي الشكل لم يبق مقاطعاً للمجلس سوى الوزراء المحسوبين مباشرة على رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، في مقابل عودة الوزراء المشتركين الى الحكومة كوزير السياحة وليد نصار المقرب من ميقاتي أكثر من عون، ووزير المهجرين عصام شرف الدين المنتمي للحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة طلال ارسلان، ووزير الاقتصاد أمين سلام الذي وُزّر بصفقة اللحظة الأخيرة بالاتفاق بين طه ميقاتي والنائب جبران باسيل.
 


أما في المضمون فلم يعد أحد من المشاركين في الجلسة معترضاً على جدول الأعمال الفضفاض وغير الضروري، لا بل بدا أن هناك من تقصّد السير بالحكومة كما هي، بشكل طبيعي وعادي باجتماعات دورية ومتتالية وبجدول أعمال مكتمل، وبالتالي بعث برسالة واضحة لكل معترض بأن الدولة تسير برضاه أو باعتراضه، واللافت هو تغطية "حزب الله" لهذا الأمر، وهو الذي حاصر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في السابق وفي الشارع لفترة سنتين بحجة فقدانها الميثاقية الطائفية، وبعدما كان وضع شروطاً قاسية في البداية على اجتماع الحكومة، عاد ليوافق ويشارك بفاعلية بحكومة لا تمثيل سياسياً مسيحياً حقيقياً فيها وبغياب رئيس الجمهورية، وأتى هذا الأمر بعد تدهور العلاقة مع التيار الوطني الحر والاختلاف على ملف رئاسة الجمهورية، وتحمل هذه الرسائل معاني كثيرة أهمها أننا نستطيع الاستمرار في إدارة الدولة ولدينا الوقت المفتوح وسياسة الاعتراض لم تؤدّ الى نتيجة، وما عليكم سوى أن تعودوا إلينا.

وذهب التحالف "الممانع" الى أبعد من ذلك، وهو الموافقة على طلبات ومشاريع قوانين لطالما طالب بها "التيار" الوطني بالذات ورُفضت وعُرقلت أثناء تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية ومنها ترقية دورة ضباط 1994 التي كانت مدار مطالبات طويلة من عون شخصياً وفريقه السياسي قابلها رفض قاطع من بري ووزراء ماليته، وهذا ما دفع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى ردّ متوتر وعالي السقف اليوم، وقال "الضباط العمداء، دورة الأبطال لعام ٩٤، حصلتم على حقكم الطبيعي المستحق من حينه قانوناً بعدما حرموكم منه سنين بسبب النكد والظلم، وهيدي صفات الناس يلّي عم يربّحوكم جميلة اليوم"!
وأضاف: "حرموكم حقكم سنين نكاية فينا وعم يعطوكم ياه اليوم حتّى يعلّموا علينا".

وتابع: "انتو اشتكيتوا وانتو ربحتوا، وبوقاحة عم يمنّنوكم؛ بدّهم يطلعوا على ضهركم، ومنقلّن حلّوا عن ضهرنا".

وختم: "أبطالنا انتو نحنا ونحنا انتو، هيك نحنا وهيك هنّي".
 


واليوم رفع رئيس الحكومة سقف المواجهة مستنداً الى روحية قرار المجلس الدستوري الأخير المُتعلّق برد الطعن بقانون التمديد للمَجالس البلديّة والاختياريّة، الذي أكد مَبدأ استمراريّة المِرفق العام ذي القيمة الدستوريّة وتشديد المجلس الدستوري على وجوب انعقاد الحكومة بهيئة تصريف الأعمال، ومُمارستها لصلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً حتّى لو كانت في مرحلة تصريف أعمال، مؤكداً عدم وجود ما يُسمّى صلاحيات لَصيقة بشخص رئيس الجمهوريّة لا يُمكن للحكومة مُمارستها وكالةً، ودستورية الآليّة المعتمدة لعقد جلسات مجلس الوزراء وإتّخاذ القرارات المناسبة.

هذا السقف المرتفع، استوجب رداً من "القوات اللبنانية" التي لم ترفض سابقاً اجتماع الحكومة لا بل أمنت لها التغطية في بعض القرارات، وهذا ما أحرج رئيسها سمير جعجع فشدّد في بيان على أن "صون المؤسّسات لا يكون بالقفز فوق الدستور، ولا باستغلال الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد من أجل القيام بأعمال لا تمتّ إلى تصريف الأعمال بصلة".

ولفت إلى أنّ "إصرار الأكثريّة الوزاريّة الحاليّة المكوّنة من أحزاب الممانعة وحلفائها على تجاوز الدستور على الصعيدين الوزاري والنيابي يتحمّل مسؤولية تدهور أوضاع البلاد وجرّ الشعب اللبناني إلى ما هو أسوأ ممّا يعيشه اليوم".

وصعّد "التيار الوطني الحر" حملته على الحكومة ايضاً محمّلاً ميقاتي والفريق السياسي الداعم له مسؤولية ما سمّاه "الإمعان في انتهاك توازنات الميثاق الوطني والمخالفة الصريحة للدستور بسبب الإصرار على عقد جلسات لمجلس الوزراء تستبيح الشراكة الميثاقية وتتخطى حدود تصريف الأعمال وتهدّم ما بقي من بنيان مؤسسات الدولة".

وتوقف عند "وقاحة إصدار حكومة تصريف الأعمال المستقيلة والمنقوصة ما يزيد عن 627 مرسوماً معظمها لا طارئ ولا حتّى ضروري".

هذا في السياسة، أما في الدستور فيرى رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص أنه بصرف النظر عن قرار المجلس الدستوري الذي يتمسك به رئيس الحكومة المستقيلة من جهة موقع أو صلاحيات رئيس الجمهورية لجهة ممارسة الحكومة صلاحيات الرئيس بحالة الشغور الرئاسي، فإن ذلك لا ينفي وجود صلاحيات لصيقة بشخص الرئيس وتسمّى تحديداً باللغة الفرنسية Domaine réservé au president ولا يجوز للحكومة ممارستها عن رئيس الجمهورية بحيث إن الوكالة المعطاة لها بموجب المادة 62 من الدستور هي وكالة عامة ولا تنص على ممارسة صلاحيات فيها سلطة تقريرية لرئيس الجمهورية، ومن ذلك على سبيل المثال التقدم بمراجعة طعن بالقوانين لعلة عدم الدستورية أمام المجلس الدستوري فهذه صلاحية لصيقة بشخص الرئيس ولا تنتقل وكالة الى مجلس الوزراء.
 
(صورة عن نسخة من قرار المجلس الدستوري الذي اعتمد عليه رئيس الحكومة لتبرير استمرار اجتماعاتها)
 
ويقول لـ"النهار": "إن ممارسة الحكومة لصلاحيات الرئيس يجب أن تكون بالحد الأدنى والضروري اللازم لاستمرار المرفق العام، ولا يجوز التقدير فيها أو تأجيلها تجنباً لهذا الضرر".

واذ يوافق مرقص على الجزء الاول من كلام ميقاتي عن ضرورة استمرار المؤسسات، لا يوافق ميقاتي على عدم وجود صلاحيات لصيقة بشخص رئيس الجمهورية. 
(الصور بعدسة الزميل حسام شبارو).
 

اقرأ في النهار Premium