سلّط الحادث الذي جرى مع المطران موسى الحاج على الحدود الضوء من جديد على قضيّة قديمة - جديدة، تطفو الى السطح حيناً وتخفت أحياناً، وخصوصاً عندما يجري ربطها في قضية العلاقة بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، أو بقضية اللبنانيين الذين تركوا أراضيهم وهربوا مع "جيش لحد" الى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي نظرة تاريخية على علاقة الكنيسة المارونية مع موارنة فلسطين يتبيّن أنّ العلاقة قديمة ومتجذّرة منذ مئات السنين، وليست مستجدّة، ولم ترتبط يوماً بالعلاقات السياسية، كما أنّها لم تنقطع رغم التغييرات السياسية والجيو - سياسية، وبعد تأسيس الكيان الإسرائيلي، بقيت مرجعيّة الموارنة الأساسيّة في فلسطين الكنيسة المارونية في لبنان.
ويتكوَّن الإكليروس الماروني في فلسطين من نائب بطريركي يقيم عادة في القدس منذ العام 1895م، إضافة إلى رئيس أساقفة صور والأراضي المقدّسة الذي يقيم في صور، ويمثّل هذا الإكليروس أتباع الكنيسة المارونية من الفلسطينيين الذين يسكن معظمهم مدن الجليل وقراه في شمالي فلسطين.
وتعيش في القدس 44 عائلة مارونية، تقيم داخل أسوار البلدة القديمة قرب باب الخليل. وينتشر الموارنة، وفق آخر إحصاء نشره مركز المعلومات الوطنيّ الفلسطينيّ، في المناطق الشمالية القريبة من الحدود اللبنانية، ويقارب عددهم 7000 ماروني.
ويصل عدد الموارنة في حيفا الى 3500 نسمة، وهو أكبر حضور ماروني في فلسطين. وتشير الوثائق المارونيّة إلى أنّهم قدموا إلى حيفا من لبنان عام 1677م. وقد ذهب الموارنة من لبنان إلى مدينة عكّا في بداية القرن السادس عشر الميلاديّ، ومارسوا طقوسهم الدينية في بقايا مبنى صليبيّ قديم يعود بناؤه إلى القرن الثالث عشر. ويبلغ عددهم هناك نحو 300 نسمة.
وتكشف الوثائق المارونية والفلسطينية أنّ الموارنة هم أقدم سكّان الناصرة المسيحيين، حيث استدعاهم الرهبان اللاتين من لبنان عام 1630م لمساعدتهم في تعمير الناصرة، واستعانوا بهم في بناء الدير والكنيسة.
وبحسب مصادر كنسيّة فإنّ الموارنة كما باقي العرب في الأراضي الفلسطينية يتعرّضون لمحاولات إقصاء وتضييق بحيث أنّ إسرائيل تعمل جاهدة مع المنظمات اليهودية على شراء الأرض التي يملكها الفلسطينيون ومن بينهم المسيحيون ولو بأغلى الأثمان، في وقت يعاني هؤلاء من البطالة وشتّى أنواع المضايقات والإغراءات لترك أراضيهم.
وتضيف المصادر أنّ زيارة البطريرك بشارة الراعي الشهيرة الى الأراضي المقدّسة في عام 2014 كانت بهدف تثبيتهم والوقوف الى جانبهم في وجه الضغوط الإسرائيلية.
وتشدّد المصادر على أنّ الزيارات المكّوكيّة للأساقفة لم تتوقف يوماً وهي راعوية، مشدّدة على أنّ التركيز على المبالغ المالية هو أمر سخيف، فالجميع يعلم حالات العوز التي يعاني منها اللبنانيّون، وهم في حاجة الى أيّ مساعدة.
وتلفت الى أنّه إذا أرادت إسرائيل إدخال أموال أو تهريبها الى لبنان لعمل مشبوه، لا ترسلها بهذه الطريقة، فهي لديها أساليبها وهناك آلاف الطرق لإدخال الأموال من دول أخرى من دون أن تثير ريبة أحد.
ويذكر المصدر بـ"الذي جرى في شهر آذار الماضي مع الشيخة الدرزية هنية البدوي، التي تمّ توقيفها لوقت قليل أثناء قدومها من فلسطين، وكيف تمّ الاعتراض على الأمر وإطلاقها سريعاً".
ويضيف: "منذ سنوات طويلة جرى الفصل بين الأمور الدينية والشؤون السياسية، ففي سنة 2010 استقبل لبنان وفداً ضمّ أكثر من ثلاثين درزيّاً فلسطينيّاً، دخلوا اليه بجوازات سفرهم الإسرائيلية لعقد مؤتمر اغترابي، كما شارك المشايخ في وداع شيخ عقل فلسطين رغم المقاطعة والعداء السياسيّ".
وختم المصدر أن "بالتأكيد هذه الضوضاء السياسية ستنتهي بعودة المطران الى رعيّته، وبإكماله مهامه الدينية والإنسانية، وستسقط بكركي كما أسقطت دائماً أيّ محاولة للتعدّي عليها أو محاولة تطويقها، مذكّراً بما رافق زيارة البطريرك الراعي الى الأراضي المقدّسة، ورغم ذلك لم يردّ وقال كلمته ومشى".