أطلقت منظمة "المستقلون" السياسية، بالتعاون مع مكتب مؤسسة كونراد آديناور في لبنان ومرصد اللامركزية في جامعة سيّدة اللويزة، دراستها الأخيرة حول اللامركزية في لبنان، بعنوان "اللامركزية في السياق السياسي اللبناني المعقّد، نعمة أم نقمة؟".
تخلّل الحفل كلمات افتتاحية من رئيس جامعة سيدة اللويزة الأب بشارة الخوري، الذي رحّب بالحضور وشدد على أهمية إقامة ندوات تتناول اللامركزية، مسلطاً الضوء على حاجة لبنان الماسة إلى النهوض وإعادة التشكيل.
أما مدير مكتب لبنان في مؤسسة كونراد آديناور، مايكل باور فبدوره أكد أن ًاللامركزية موضوع نقاش وبحث برز مؤخراً، وأن كونراد آديناور تسعى دائما الى تفعيل دور المجتمع المدني، لذلك تعاونت مع منظمة "المستقلون" لنشر البحث.
وأكد عضو تكتل الجمهورية القوية النائب رازي الحاج، ورئيس منظمة "المستقلون" أنّ "المنظمة لطالما حملت مبدأ بناء المواطنية سبيلاً، وعبّرت عن أهمية إحياء الطبقة الوسطى كمدماك أساسي لبناء مجتمع قوي، يكسر النظام الزبائني ويفعّل القدرة على المحاسبة ضمن نظام ديمقراطي حقيقي، وطالبت باعتماد مبدأ الحياد الإيجابي في علاقات لبنان الدولية كسياسة خارجية فعّالة في تجنيب لبنان دفع فاتورة الانقسام السياسي الإقليمي والدولي".
واعتبر الحاج أن سقوط "النموذج الاقتصادي" كان تعبيراً صارخاً عن سقوط غير المعلن "للنموذج السياسي-الإداري المركزي" فمن يعلن صراحة هذه الحقيقية؟ ومن يسلك الطريق العلمي والتقني والسياسي الصحيح؟
كما أسف الحاج لكون النظام المركزي مزّق أوصال الدولة وسرّع انهيار الادارة العامة وشلل البلديات، سائلاً إلى متى التكابر والتعنت والشهوة على السلطة والحكم؟ ومن ستحكمون؟ شعباً بعضه هاجر، وبعضه قبر، وبعضه يموت جوعاً ومرضاً وحاجة!
وشدد على أنّ "استمرار هذا النموذج يشكل جريمةً موصوفةً سيحكم التاريخ فيها لعنةً على كل من شارك وبرر وتماشى مع الواقع القائم"، مؤكداً "ضرورة البحث الجدي عن نموذج جديد لامركزي، لا يقف عند حدود توسيع صلاحيات المجالس المحلية المنتخبة إدارياً، بل إضفاء طابع اقتصادي تخصصي يفتح للمناطق المحلية مجال التنافس والتكامل في ما بينها واجتذاب الاستثمارات لتصبح تلك المناطق متطورة وعصرية".
وأضاف: "نموذج نظام لامركزي فعّال قابل للتطبيق وغير قابل للتعطيل يوفّر سيل الحياة المنتظمة ويؤمن حقوق المواطن وحقه بمستقبل آمن، يجعل من لبنان مع رزمة إصلاحات أخرى على الصعيد النقدي والمالي والتحوّل الرقمي، يجعل من لبنان 10452 كلم2 واحة حضارية إنمائية متألقة".
وختم الحاج: "سأسمح لنفسي أن أعلن كنائب وعضو في تكتل الجمهورية القوية، أننا لن نقبل أن يستمر النزيف القائم، فلن نيأس، ولن نستسلم، ولن نترك لبنان، فلدينا الجرأة والقدرة على مواجهة الواقع، وفتح الباب أمام بناء دولة فعلية، سننجح لأن الاحباط واليأس ليسا قدر المصممين، الصادقين، المخلصين، المؤمنين والأوفياء!".
وبعد كلمة الحاج، قدّم الدراسة التي تحمل عنوان "اللامركزية في السياق السياسي اللبناني المعقّد، نعمة أم نقمة؟" المهندس رودولف سعاده، الكاتب الرئيسي ومستشار السياسات العامة.
كما تخلل الحفل أيضا جلسة نقاش، أدارها الإعلامي ماجد بو هدير، إلى جانب مداخلات من خبراء دوليين عن أفضل الممارسات الدولية والدروس المستفادة من ألمانيا السيّد دافيد لونغن، مدير مدينة ونائب رئيس بلدية مولهايم على نهر الرور، ومن العراق السيّد حمزة حداد، مسؤول في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وعرضت الحلقة وجهات نظر وزير الداخلية السابق زياد بارود ورئيس مرصد اللامركزية في جامعة سيدة اللويزة، وعضو تكتل الجمهورية القوية النائب غادة أيوب.
وفي هذا الإطار، أكد الوزير بارود أن مشروع قانون طرح للنقاش يتم العمل عليه مع مجموعة من الخبراء لإصلاح البلد. اللامركزية هي واحدة من الحلول وليست الحل الكامل. نحن في أزمة تحتاج إلى الكثير من الأبحاث والأفكار خلال هذه الأزمات الاقتصادية والنظامية. نحن أمام هواجس تطرح ويتم إسكاتنا. يجب الاستماع إلينا منذ الـ 89 وحتى اليوم. نريد أبعد من اللامركزية: نريد مجموعات سياسية وعلمية مع كونراد آديناور بصورة عامة لوضع اللامركزية واحتضانها. نحن في مرحلة إقرار المشروع، فقد تم إطلاقه بالـ 2014 وتم تبنيه كمشروع قانون في 2016. المهم إيجاد ضغط كبير لإقراره.
من جهتها، قالت عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائبة غادة أيوب إنّ المهم اليوم التقاء المعارضة على مرشح واحد يحمل مواصفات الرئيس الإنقاذي، ودعت كافة نواب المعارضة إلى تحمل مسؤولياتهم في انتخاب رئيس للجمهورية تنتج عنه سلطة وحكومة جديدة تضع حداً للانهيار الحاصل.
وأضافت انه ليس من قبيل الصدفة أن اللامركزية الإدارية الموسّعة لم تُقّر حتى اليوم . إذ هناك من يريد السلطة المركزية ويتمسّك بها للحفاظ على سلطته وهيمنته ومصالحه .
من الواضح أن بعض الطبقة السياسية يتهرّب من إقرار القانون ، لأن السلطة المركزية كما أشرت تشكّل واحدة من وسائل تقاسم النفوذ والمحاصصة وتحقيق المصالح، خصوصاً بعد الطائف.
ان توفّر الإرادة السياسية من شأنه إزالة الكثير من العقبات الأساسية من أمام اللامركزية الادارية. والسؤال المطروح اليوم أي لامركزية مطلوبة؟
يعيش لبنان في الواقع اللامركزية من خلال العمل البلدي. لكن يتمّ الخلط بين اللامركزية الإدارية والفيدرالية. فاللامركزية هي تنظيم إداري، في حين أن الفيدرالية هي نظام سياسي .
النقاش الأساسي الدائر اليوم هو حول وجه اللامركزية وحدودها. هل تكون إدارية فقط؟ هل يمكن أن تكون إدارية من دون ان تكون ماليّة كذلك؟
فالمطروح منذ العام 1989 تاريخ إقرار الطائف هو كيفية الوصول إلى اللامركزية الإدارية الموسّعة بما يضمن إعطاء صلاحيات واسعة وواضحة لمجالس القضاء تتيح لها النجاح بمهمتها. وهذا يفرض في جانب منه إعادة النظر في التقسيم الإداري القائم وتأمين التمويل اللازم لمجالس الأقضية.
وأكدت أيوب أن اعتماد اللامركزية هو الحل للكثير من المشاكل والأزمات القائمة التي يشكو منها اللبنانيون ولتحقيق الإنماء المتوازن بعيداً عن المحسوبيات والتوزيع غير العادل للموارد المالية المطلوبة. وقد أشار الرئيس فؤاد شهاب إلى أهمية الإنماء في تحقيق الوحدة بقوله: "إن تخلّف البلاد سببٌ رئيسي في تفكّك وحدتها". وبرأيي أن اللامركزية الإدارية ببُعدها الإنمائي تعزّز الوحدة. إضافة إلى أن اللامركزية الإدارية تتيح للمواطن رقابة مباشرة على نشاطات مجلس القضاء. والرقابة الشعبية يمارسها الشعب مباشرة من خلال انتخاب الهيئة العامة .
كما أشارت أيوب الى وجود تجربة ناجحة في البلديات. فقانون البلديات يعطي المعنيين إمكانية الاستعلام عن العمل البلدي بحيث يحق لكل صاحب مصلحة في دائرة البلدية أن يطلب إعطاءه على نفقته نسخة عن قرارات المجلس البلدي أو رئيسه. وأن نقل هذه التجربة إلى مجلس القضاء يسمح بتحقيق الشفافية المطلوبة ويرفع إمكانيات المساءلة والمحاسبة.
وأنهت أيوب قائلة: "من الضروري مقاربة الموضوع اليوم من خلال مجموعة خطوات أبرزها: استعادة الدولة من حكم الدويلة وإقامة دولة القانون، هي الخطوة الأولى على طريق إقرار اللامركزية الإدارية الموسّعة، واعتبار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة أولوية في برنامج حكم رئيس الجمهورية العتيد بعد انتخابه، بوصف اللامركزية خطوة إصلاحية مطلوبة، وتعزيز ثقافة اللامركزية الإدارية وعمل الهيئات المحلية عبر حملات توعية وتوجيه تجعل الناس يتفهّمون ثقافة اللامركزية الإدارية، ويقتنعون بها للحصول على أفضل الخدمات وتحسين مستوى حياتهم ."
وفي مداخلة عبر تطبيق "زوم"، قال السيد دافيد لانجين، في ألمانيا لدينا نظام متعدد المستويات، وهذا يعني أن لدينا تسلسلاً هرميًا للقواعد والقوانين والتشريعات الأساسية. يضمن القانون الأساسي للسلطات المحلية نقل المهام. مجال المدارس والجامعات والسياسة حيث تسيطر السلطات. ما يعني أن لدينا منافسة بين الدول.
تابع: "نحن بحاجة إلى تصور مقدار المال حيث يكون لدى بلد فقير مبلغ معين من المال. ثانياً، الاتصال بين السلطات المحلية والجهات المانحة وهو أمر مهم للغاية على المستوى المحلي. يمكن أن يكون النظام متعدد المستويات، مشكلة كبيرة مثل العراق حيث إن لديهم لوائح وتشريعات مختلفة مع الاتحاد الأوروبي".
بدوره، أجرى الخبير السياسي في العراق حمزة حداد مداخلة اعتبر فيها أنّ العراق واحدة من 3 دول يمكن للبنان أن يتعلم منها وأن يحرص على عدم تكرار الأخطاء مثل الضغط الدولي والجمعيات. كان هناك الكثير من الضغط لإعادة البناء.
هذا وأتيحت الفرصة للحضور للتعرف على أحدث الأبحاث والتطورات في مجال اللامركزية وتبادل الأفكار ووجهات النظر حول هذا الموضوع. وكانت المناقشات والحوارات التي جرت خلال الحدث مثمرة ومفيدة، وتم تحديد العديد من الأفكار والتوصيات القيِّمة لتنفيذ اللامركزية في لبنان.
تشكل الدراسة مساهمة مهمة في النقاش حول اللامركزية في لبنان، وتقدم رؤى وتوصيات قيمة حول هذا الموضوع لاسيما لجهة تحديد العوامل والمعايير والشروط التي يجب أخذها بالاعتبار عند مقاربة أي مشروع نظام سياسي.