تابع ملتقى التأثير المدني مسار "الحوارات الصباحية" الشهرية بعقده اللقاء الرابع في فندق الجفينور – روتانا الحمرا في حضور نخبة من الشخصيات الأكاديمية والادارية والقانونية والدستورية والثقافية والفكرية والعسكريين المتقاعدين والإعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الملتقى.
اللّقاء الرابع جاء تحت عنوان "لبنان وقانون الانتِخابات النيابيَّة: عدالة التمثيل وفاعليَّة الحوكمة" مستلهماً وثيقة الوفاق الوطنيّ (إتّفاق الطّائف) ببنودها الإصلاحيّة وخيار العودة إلى الدّستور، لِبناء دولة المواطنة الحرّة السيّدة العادلة المستقلّة، دولة العَيش معاً.
الحويّك
عضو مجلس إدارة الملتقى المهندس الياس الحويّك أكد "أن الوضع المأزوم ماليًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا بات كارثيّا ولم يعُد يُطاق". وقد يعتبر البعض "أن ما نقوم به خارج السّياق"، لكنّنا في "ملتقى التأثير المدني"، مصمّمون على البحث في مسبِّبات الأزمة، لا عوارِضِها، فلبنان دولةً وشعبًا يتعرَّضُ لجريمة منظّمة، ما يستدعي منَّا المُساهمة في تصويب البُوْصلة لإنقاذه من هذا المستنقع الخطير وبناءِ سياساتٍ عامَّة تُطبّقها الحوكمة الرّشيدة".
أبو فرحات
وتحدثت ميّسرة الحوار السيدة جويل ابو فرحات، فقدمت عرضاً مفصّلا تحت عنوان "تقييم قانون الانتخابات النيابية اللبنانية 44/2017" الذي طُبّق لأول مرة في انتخابات 6 أيار 2018 وأجرت مقارنة ميزت خلالها بين الآراء الايجابية التي اعتبرت القانون عصريا ومتطورا يراعي صحة التمثيل، وتلك التي نزعت عنه هذه الصفات.
وبعدما رأت ان الإيجابيات احتسبت باعتماد القانون "مبدأ النظام النسبي عوضا عن النظام الاكثري" و"قسيمة الاقتراع الرسمية الموحدة" و"ديمومة عمل هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية واستقلاليتها الجزئية عن وزارة الداخلية والبلديات" و"الإكتفاء بتسجيل 200 ناخب في الخارج في سفارة او قنصلية معينة لكي يفتح له مركز للاقتراع" و"وجود ممثل عن المجتمع المدني من بين أعضاء هيئة الاشراف". عدّدت السلبيات وجمعتها في مجموعة ملاحظات منها عدم تضمين القانون الكوتا النسائية لتصحيح خلل التمثيل بين النساء والرجال، الإبقاء على سن الـ 21 سنة للاقتراع وعدم خفضه ال 18 سنة، منع إعطاء الحق للعسكريين بالاقتراع، وعدم ضمان "الاستقلالية الكاملة والتامة لهيئة الاشراف على الانتخاب ما حولها الى شاهد زور على ما يجري، طريقة وآليّة تعيين الهيئة وفقًا لمحاصصة طائفيّة وسياسيّة، تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية من دون اية معايير محددة على اكثر من مستوى، اعتماد توزيع المقاعد وفقا للمذاهب والدوائر وهو توزيع غير عادل، إعتبار العتبة الانتخابية في القانون الانتخابي موازية للحاصل الانتخابي ما يؤدي إلى عدم مساواة في قيمة الصوت وقيمة المقعد، عدم المساواة في مهلة الاستقالة المسبقة بين كبار الموظفين، تشريع نقل الناخبين من الخارج ما يعد رشوة انتخابية وشراء اصوات، رفع رسم الترشح الى ثلاثين مليون يؤثّر سلباً على مبدأ تأمين مساواة في فرص الترّشح، ارتفاع سقف الانفاق الانتخابي يسمح بشراء الاصوات منع اعتماد البطاقة الالكترونية الممغنطة في مراكز الميغا سنتر ووقف انشائها، حصر القانون حق الناخب بصوت تفضيلي واحد بعد اجباره باللائحة الكاملة، احتساب النتائج عاموديا بدلا من الافقي سمح بفوز مرشحين حصلوا على 77 صوتا و79 صوتا، طريقة إحتساب الاوراق البيضاء بطريقة اقصت اللوائح الصغيرة. إستمرار العمل بالفرز اليدوي في أقلام الاقتراع، وقف العمل بدائرة المغتربين التي تضم 6 نواب، عدم السماح بإمكانية الاقتراع بواسطة البريد ولم يتطرق القانون إلى تنظيم الاعلام الانتخابي في وسائل التواصل الاجتماعي."
المشنوق
وبعدها كانت مداخلة الدّكتور صالح المشنوق تحت عنوان "قانون الانتخاب في لبنان: أي قانون لأي بلد؟". فاعتبر أنه "لا يوجد قانون مثالي في أي دولة في العالم، لانّ الهدف منه سياسي. ففي بريطانيا مثلا، الهدف هو إبقاء التطرّف خارج المنظومة وإبقاء نظام الحزبين، ولو على حساب "التمثيل الصحيح"، ولذلك علينا أن نتعلم من تجارب الدول الأخرى، لتوسيع دائرة النقاش والحلول، ولكن الأساس أن يتم الاعتراف بالطبيعة التعدّدية للبنان، تحديدا إذا كان الهدف من القانون إرساء المواطنة. ملاحظا ان هناك إجماعا أكاديميا على عدم "تجاهل" الانقسامات الطائفيّة بل مواجهتها بالتوازن بين التمثيل والمواطنة".
وأضاف المشنوق: "إن قوانين الانتخاب الليبراليّة جدا في دول منقسمة لا تؤدّي بالضرورة إلى تصويت ليبرالي، بل إنّ مفعولها في معظم الأحيان عكسي. ففي انتخابات العراق عام 2005 أدّى قانون نسبي على أساس الدائرة الواحدة بهدف توحيده إلى تصويت 88٪ من العراقيين إلى أحزاب طائفيّة وزادت النعرات. وعليه فإنّ الشكاوى المطروحة علينا والتي تأخد طابعًا طائفيًّا طبيعية، لأن من دونها لا يكون هناك مواطنة او عبور للطوائف بل طغيان أكثري. فنشر مقاعد مسيحية وضعت بعد الطائف في مناطق ذات اغلبيّة مسلمة كانت لأسباب سياسيّة وليست مواطنيّة، وهي تجربة معتمدة في دول عدًة. ولذلك فان الإنتقال باتّجاه نطام سياسي مدني لاطائفي لا يمكن أن يتمّ بقفزة واحدة لأنه يمكن ان نحصد مفعولا عكسيا. وعلينا قبل ذلك إثبات وجود فعلي وجاد لأحزاب عابرة للطوائف".
وعن الأهداف من اي قانون إنتخاب عصري قال المشنوق: "إنَّها تتلخص بوصول وجوه مدنيّة جديدة خارج منظومة السلطة التقليديّة. وترسيخ المواطنة والاعتدال من دون خلق "طغيان طائفي أكثري" والسماح بالتمثيل الليبرالي الصحيح للمجموعات من دون فرض هوّية معيّنة غصبًا من عن المواطن وخلق تنوّع سياسي داخل الطوائف لمنع تطييف القضايا".
ودعا المشنوق اللبنانيين الذين يشتكون من قانون الانتخاب "الأعوج" إلى "اقتراح بديل منطقي. فما نسمعه عن اقتراح " لبنان دائرة واحدة مع نسبيّة" لم نشهده سوى في 5 دول فقط، وهو يؤدي إلى عزل الطوائف عن بعضها ويقال فيه بانه أفضل طريقة للتعبير عن الذات الطائفيّة بحريّة. أمّا في لبنان فمفعوله أسوأ من بقيّة الدول التي فيها انقسامات طائفيّة. فهكذا قانون مثلا يسمح بانتخاب "حزب الله" وحركة أمل 15 نائبا من خارج نطاق طائفتهم، لأنهم لا يحتاجون الى مخزون أصواتهم لفوز نوّابهم الـ 27، وذلك بسبب منع المنافسة على هذه المقاعد. ولذلك ليس صدفة ان هذا القانون هو المطروح من قبل مجموعة طائفيّة تعتبر نفسها "اكثريّة"، وهذا ما يؤديّ بالمعنى الأكاديمي إلى طغيان إثني".
واعتبر المشنوق "انّ القانون الحالي جيّد نسبيا، لأسباب عدة: فهو أدخل مبدا النسبيّة التي سمحت لأقليّات سياسيّة بالتمثّل، واعطى ضمانات ناعمة للمسيحيين عكس القانون الارثوذكسي، وفتح الباب أمام إلغاء الطائفيّة السياسيّة من مجلس النواب، كما نصّ اتفاق الطائف. كما أنّه أثبت أنّه يسمح بانتخاب نواب تقدّميين لا طائفيين من خارج المنظومة التقليديّة. 13 إنتخبوا في الـ 2022، ولو نجحوا في تجربتهم وزادت نسبة الاقتراع في الاغتراب، لكان العدد وصل الى 30- 35، وهي نسبة هائلة في دولة مثل لبنان!
ولكن المشنوق رأى أيضًا أنَّ في القانون المعتمد "مشاكل بنيويّة منها أوَّلًا إمكانيّة خلق حكومات من لون واحد، وثانيًا أنّ الصوت التفضيلي وضع على مستوى الدائرة الصغرى ولأجل شخص خلافا لمنطق القانون والأهداف المرجوّة منه، وثالثًا ما يتعلَّق بعدم تضمّنه كوتا نسائيّة. ويمكننا أيضا التفكير في حجز مقاعد للأحزاب العابرة للمناطق والتي لم تحصل على أي مقعد في دائرة محدّدة".
وانتهى المشنوق الى القول: "في غياب طرح بديل منطقي ومقبول، فإنّ الشكوى من قانون الانتخاب لا معنى لها إذا لم تقترن مباشرة بطرح قانون بديل".