اجتمع مكتب مجلس شورى الدولة، بدعوة من رئيسه، وتداول في الأوضاع الحالية التي يعيشها القضاة في المجلس وانعكاساتها على الناحيتين المادية والمعنوية لهم، وتوقف "أمام الظروف الصعبة التي يجري العمل في ظلها وتأثيرها على إمكانية تأدية القاضي مهامه بشكل طبيعي بما يؤمن استمرارية العمل في هذا المرفق الحيوي. تلك الظروف الناتجة عن سوء الأوضاع المادية من جهة وعن التعديات والافتراءات التي يتعرض لها قضاة المجلس من جهات عدة ولا سيما من بعض من هم في مواقع المسؤولية في الدولة الذين يفترض بهم التقيد بالقوانين والأنظمة التي ترعى عمل مؤسسات الدولة، حيث بلغت هذه الأمور حداً لا يمكن احتماله أو السكوت عنه".
وفي السياق، شدّد المجتمعون على أن "استقلال السلطة القضائية إزاء السلطتين التشريعية والتنفيذية غدا أمراً واجب التحقق كونه يشكل علامة لانتماء المجتمع للديموقراطية ودولة القانون، فالعمل على ضرورة إنجاز استقلال القضاء في المبدأ والتطبيق، هو ضرورة من ضرورات النظام الديموقراطي ودولة القانون وتعزيز ثقة الناس بالسلطة القضائية، من هنا ضرورة التشديد على أنه لا مجال لتحقيق هذا الاستقلال إلا في ظل قوانين تعزز السلطة القضائية وتضمن تمايزها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار التوازن والتعاون بين هذه السلطات، بحيث يقتضي الإسراع في إقرار القوانين ذات الصلة ولا سيما قانون القضاء الإداري وفق الصيغة التي وضعها مجلس شورى الدولة والتي هي موضوع اقتراح قانون تجري دراسته أمام مجلس النواب".
ونوّه مكتب المجلس بعمل القضاة لدى مجلس شورى الدولة والمساعدين القضائيين لديه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وما تحقق من إنتاجية مميزة خلالها حيث أن العمل بقي منتظماً في المجلس رغم الأزمات الكبيرة التي تعاني منها البلاد والتي انعكست بآثارها المدمرة على كل القطاعات ولا سيما على وضع القضاء واستمرارية سير عمله بشكل منتظم.
وتوقف مكتب المجلس أمام الأمور الآتية: "الأمر الأول: التعديات والافتراءات التي يتعرض لها قضاة مجلس شورى الدولة لا سيما من قبل بعض من يتولى مواقع حساسة في الدولة، ممن يفترض بهم أن يكونوا على قدر المسؤولية التي يتحملونها وما تفرضها عليهم مواقعهم ووظائفهم من موجبات، إلا أنهم بخلاف ذلك فهم يمعنون في تخريب أسس الدولة وزيادة البلبلة في مؤسساتها بدل التقيد بما يمليه عليهم الدستور والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء من موجبات وأصول في التعامل". وفي هذا المجال، توجّه مكتب المجلس لكل الذين يتعرضون لعمل مجلس شورى الدولة - سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر مؤتمرات صحافية - طالباً منهم الكف عن التعرض لمجلس شورى الدولة وتركه يعمل بصمت وفقاً للأصول، فالعمل القضائي ليس مسرحيات تلفزيونية يجري استغلالها من قبل أصحاب المصالح لغايات شخصية بعيدة عن المصلحة العامة التي يتوخى القضاء تحقيقها".
وقال: "إننا إذ نضع أمام الرأي العام هذه الحقائق، نتساءل عن الغاية من هذه الحملات الممنهجة التي تطاول مجلس شورى الدولة وقضاته عند صدور أي قرار لا يرضي أحد الأطراف، فبدل أن يلجأ هذا الطرف إلى طرق الطعن المحددة قانوناً، تراه - عن قصد أو عن عدم معرفة بنتائج عمله المدمر لأهم مؤسسات الدولة - يرتكب المخالفات القانونية المزعزعة للثقة بعمل مجلس شورى الدولة وبأداء قضاته ممعناً في تهديم أسس الدولة وفي مقدمها القضاء المستقل الذي يقتضي تجنيبه التجاذبات والتدخلات المباشرة وغير المباشرة، وهو ما يعمل مكتب المجلس على تحقيقه والحفاظ عليه لإبقاء مجلس شورى الدولة بعيداً عن المؤثرات والضغوط بأي شكل كانت والتصدي لكل من ينال من قضاة المجلس بسبب القرارات التي أصدروها. ومما لا شك فيه أن هذه التصرفات تشكل تدخلاً فاضحاً يستوجب المحاسبة ولا يمكن السكوت عنه".
وتابع: "الأمر الثاني: الوضع المادي الصعب الذي يعيشه القاضي لدى مجلس شورى الدولة كبقية القضاة، إذ أن راتبه يكاد لا يكفي لتأمين حاجاته الأساسية لغاية منتصف الشهر، ما يتطلب تدخلاً سريعاً لإعادة التوازن إلى رواتب القضاة من خلال جعلها عادلة تليق بمكانة القاضي وتتناسب مع المهمات الجسيمة المطلوبة منه ومع الأعباء التي يتحملها ومتطلبات حياته اليومية. ويجب أن لا يخفى عن الجميع أن تحقيق هذا الجانب المادي للقاضي من شأنه تأمين حمايته الاجتماعية واستقلاليته وتوفير الظروف المناسبة للقيام بعمله على أفضل وجه، علماً بأن مكتب المجلس لم يوفر جهداً في هذا المجال إذ قام بمراجعة كبار المسؤولين في الدولة وتلّقى وعوداً بهذا الخصوص لكن لغاية تاريخه لم تتم ترجمتها بما يحقق الاستقرار المطلوب للقاضي".
وأردف: "الأمر الثالث: تبقى الإشارة إلى أنه من الضروري لتأمين حسن سير العمل في مجلس شورى الدولة، يقتضي تجهيز القلم لديه بكافة التجهيزات من قرطاسية وحبر وملفات وأوراق بشكل كافٍ لطباعة القرارات والتقارير والاستشارات واستنساخها، مع كل ما يلزم بهذا الخصوص من سجلات ووسائل أخرى أصبحت شبه مفقودة بسبب عدم توافر الميزانية اللازمة لذلك، مما يؤدي بدوره إلى توقف قسري عن العمل نتيجة الاستحالة المادية الناشئة عن فقدان هذه اللوازم التي هي من الأمور الاساسية والجوهرية للعمل في قلم مجلس شورى الدولة وفي أقلام المحاكم كافة. كما يقتضي العمل على إنصاف الموظفين في القلم الذين لم ينقطعوا يوماً عن عملهم طوال الفترات الصعبة التي نعيشها، وذلك بتحسين أوضاعهم المادية لتمكينهم من متابعة القيام بمهامهم بشكل طبيعي".
واعتبر المجلس أن "هموم القضاة هي همومه ومواقفهم هي مواقفه وأن ما يشغل بالهم ويشتكون منه مبرّر قانوناً وواقعاً"، ورأى أن توقف العمل في مرفق القضاء الإداري ما هو إلا نتيجة حتمية لكل المعطيات السلبية التي تم عرضها أعلاه".
وأكد أنه "بالرغم من انهيار المجتمع يبقى القضاء المدماك الأساسي لاسترداد دور لبنان والدولة والإدارة في هذه الظروف التاريخية الدقيقة".