النهار

"الاستقلال" بلا دولة... والاستحقاق رهينة "شراكة" الابتزاز
المصدر: "النهار"
"الاستقلال" بلا دولة... والاستحقاق رهينة "شراكة" الابتزاز
حفل ثقافي فنيّ لمناسبة عيد الاستقلال في الأونيسكو (نبيل اسماعيل).
A+   A-
لم يكُن غياب أي احتفال رسمي بالذكرى الـ79 للاستقلال أمس سوى تتويج رمزي وواقعي لإحدى أسوأ ظواهر استهانة جهات لبنانية دأبت على تعطيل الاستحقاقات الدستورية ومسخ النظام الدستوري بالتداعيات الشديدة السلبية التي تواكب أزمة الفراغ الرئاسي. فإذا كان قصر بعبدا "المهجور" منذ بداية تشرين الثاني الحالي لم يفتح أبوابه أمس للاستقبال التقليدي، ولا أقيم العرض العسكري التقليدي في جادة شفيق الوزان في وسط بيروت، ولا أقيمت حتى عروض عسكرية رمزية في الثُكَن الأساسية للجيش في المناطق، فإنّ كل ذلك ساهم في زيادة القتامة التي تغطّي المشهد الداخلي ولو على سبيل افتقاد الشكل الرسمي للدولة الكاملة المؤسسات.

وفي أي حال، فإنّ هذا الغياب جاء منسجما مع جمود قاتل يسود واقع الازمة الرئاسية ويبدو انه سيستهلك مزيدا من الوقت المفتوح خلافاً لرهانات كثيرين على تقصير امد هذه الأزمة الجديدة هذه المرة بداعي أنّ البلد لا يحتمل في ظلّ الانهيار الذي عرفه والذي لا تزال فصوله تتصاعد فراغاً طويلاً كذلك الذي حصل بين عامي 2014 و2016 قبل انتخاب الرئيس السابق ميشال عون. هذا الجمود بات عنواناً للابتزاز والاستفزاز السياسي المكشوف الذي يمارسه مكوّنان أساسيّان من تحالف 8 آذار يتوزّعان الأدوار حيال مبارزة الترشح للانتخابات داخل هذا التحالف بما صار معلوما ومكشوفا للجميع. ويبدو واضحاً أنّ أي اختراق للازمة لا يبدو قريباً أو متاحاً ما دام اللعبة التي يمارسها "حزب الله" ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل تتواصل على إيقاع تمسّك الحزب بترشيح سليمان فرنجية ورفض باسيل لهذا الترشيح وتمسك الحزب بعدم تجاوز باسيل في دعمه لفرنجية.

هذه المعادلة باتت موصوفة لجهة أنّها معادلة اختباء المعطلين الواحد وراء الآخر إلى أمد غير معروف في انتظار بلورة عوامل ضاغطة جديدة داخلية وخارجية من شأنها إخراج لبنان من هذه الدوامة التعطيلية.

وسط هذه المناخات، لم يكن في المشهد الداخلي أمس سوى شهادات في ذكرى الاستقلال كما في ذكرى استشهاد الرئيس رينه معوض، وجاء الرحيل المحزن لأحد كبار رواد الفن العريق روميو لحود الذي أغنى التراث اللبناني بإرث عظيم من المسرحيات الغنائية والاغاني والانتاج المسرحي والتلفزيوني ليضفي مزيداً من الانقباض على الواقع الداخلي.

ولمناسبة الذكرى الـ79 للاستقلال، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: "يحلّ العيد هذا العام بغصة على واقع دستوري منقوص بسبب الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وعلى قلق مشروع على الحاضر والمستقبل بسبب أسوأ أزمة متعددة الوجوه يعيشها وطننا. ورغم كل ما يحصل فاننا سنبقى على إيماننا بأن وحدتنا كفيلة بانتشال وطننا مما يعانيه، بمساعدة اشقائنا واصدقائنا في العالم، وبأننا، باذن الله، سنعيد لهذا الوطن عافيته واستقراره".

وأضاف: "كلّنا أمل بأن يتعاون السادة النواب لانتخاب رئيس جديد للبلاد إيذانا بمرحلة جديدة من التعافي والنهوض. كما أننا سنمضي في العمل الوطني والدستوري المطلوب منا، مؤمنين بإن الاستقلال نضال يومي بكل الاشكال، وبأنّه أوّلاً وأخيراً وليد قناعة من قلب الانسان وصميم وجدانه".

في الذكرى الـ33 لاستشهاد الرئيس رينه معوض كتب النائب ميشال معوض: "33 سنة وبعدو الجرح عم ينزف. 33 سنة وبعدو لبنان عم يدفع تمن اغتيالك. 33 سنة وبعدها سيادتنا مخطوفة، ودستورنا منتهك، ودولتنا مفككة، ومؤسساتنا مشلولة. 33 سنة وبعدن عم بفقرونا، ويسرقوا أموالنا، ويذلّونا، ويهجرونا".

وأضاف: "33 سنة وبعدنا بلا ميّ، بلا كهربا، بلا دوا، بلا حماية اجتماعية، بلا مستقبل. 33 سنة ونضالنا مستمر تنسترجع لبنان يلي عطيت حياتك كرمالو، ويلي بدنا ولادنا يكبروا ويتجذروا ويحلموا ويعيشوا فيه بكرامة!".

من جهته، غرد السفير السعودي في لبنان وليد بخاري عبر حسابه في "تويتر" قائلاً: "في الذكرى الثالثةِ والثلاثين لاستشهادِ الرئيسِ رينيه معوّض ورفاقِهِ، فائضُ القوةِ لا يُلغي الشاهدَ على الطائف وشهيدَهُ، نعم كما قال الشهيدُ: "التاريخُ لا يُلغَى بقرار… 22 تشرين الثاني سيبقى يوم الاستقلال". وأضاف: "تحيةُ إجلالٍ لأرواحِ شُهداءِ رجالاتِ الاستقلالِ الذين خاضوا معركةَ استقلالِ بلادِهِم مسلَّحينَ بالعزم والإرادة والإيمان".

وإلى ذلك، عقد المكتب السياسي الكتائبي اجتماعه استثنائيّاً في بكفيا أول من امس قبيل القداس السنوي لراحة نفس الوزير الشهيد بيار الجميّل، واستهل بالوقوف دقيقة صمت عن روحه وترأس الاجتماع رئيس الحزب النائب سامي الجمّيل، وبعد التداول صدر بيان جاء فيه: "توقّف رئيس الحزب في بداية الاجتماع أمام معنى الشهادة وتضحيات الأبطال الذين أعطوا حياتهم في سبيل لبنان، وأكد على أهمية هذا اليوم في مسيرة الكتائب والكتائبيين كونه يشكل نقطة التقاء بين استشهاد بيار وتأسيس الحزب وذكرى الاستقلال في آن، فليس من باب الصدفة أن يتحد تاريخ الكتائب بتاريخ لبنان. وجدّد رئيس الحزب والمكتب السياسي العهد بمتابعة النضال على قاعدة الصدق والإخلاص في العمل الوطني في خدمة لبنان".
وأضاف أعاد المكتب السياسي التأكيد على موقفه الرافض لأي تشريع في ظل الفراغ الرئاسي، أولاً عملاً بمنطوق الدستور في مواده ذات الصلة 73،74،75، ثانياً لأن المعني بالتوقيع على القوانين لتصبح نافذة هو رئيس الجمهورية سنداً للمواد ٥٦ و٥٧ و ٥٨ من الدستور، وبالتالي فإن أي قانون يقرّ في الفترة المقبلة يبقى غير نافذ، ثالثاً لا وجود لحكومة للسهر على تنفيذ القوانين، ورابعاً والأهم يرفض المكتب السياسي التأقلم مع الوضع الشاذ المتمثل بشغور موقع الرئاسة، والرضوخ للفراغ وتنظيمه بدل الانصراف فوراً إلى انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة الانتظام إلى المؤسسات والحياة العامة في البلاد".

وفي التحركات السياسية، التقى أمس رئيس حزب "القوات اللبنانية"سمير جعجع، في معراب، عضو كتلة "التجدد" النائب أشرف ريفي، في حضور عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب الياس خوري. وأوضح ريفي ان "البحث مع الدكتور جعجع تركّز على موضوع رئاسة الجمهورية، وهذا أمر طبيعي، باعتبار انه الأولوية في هذه المرحلة، ولأنه همُّنا الاول لإعادة الإنتظام العام الى الحياة السياسية، ولا سيما ان البلد لم يعد يحتمل التأخير والمماطلة والألعاب البهلوانية".

أضاف: "فالشرف ان يكون لنا مرشح للرئاسة بالتعاون مع "القوات اللبنانية" وهو النائب ميشال معوّض، فيما الفريق الآخر يتلطّى خلف الورقة البيضاء ليخفي انقسامه الداخلي وعجزه عن توحيد صفوفه. انها المرة الأولى التي لم يفلح فيها "حزب الله" بتوحيد صفه الداخلي". واذ حمّل "مسؤولية التأخير في إنقاذ البلد لكل من يعطل جلسات انتخاب الرئيس ان كان في الدورة الاولى او الثانية"، أكد ريفي اصرارهم على "المتابعة يدا بيد مع "القوات" للوصول الى بر الآمان، باعتبار ان لبنان لنا ولن يكون ولاية ايرانية او جزءا من ايران".وتابع: "نذكّر اننا توجهنا سابقا لـ"حزب الله" كي ينظر الى ما يحصل في ايران والى انتفاضة شعبه البطل على نظام "الملالي" الذي بات متخلفا وخارج الرَّكب. فالناس بحاجة الى التقدم والتطلع الى الأمام في وقت يعيدنا المشروع الايراني الى الوراء". واستشهد بما حصل مؤخرا مع فريق كرة القدم الايراني في قطر ومنتخب الفتيات الايرانيات اللواتي طالبنَ بتغيير الواقع الايراني، سائلا: "الى اين يأخذنا "حزب الله"؟ فعل يسعى الى اعادتنا 100 سنة الى الوراء؟". وجدد تاكيد "متابعة المعركة والاستمرار في المشاركة في كل الجلسات رغم انها، وللأسف، تتحول الى مسرحية هزلية مملة يتحمل مسؤوليتها الفريق الآخر الذي لم يستطع توحيد صفوفه".

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium