النهار

لماذا نعيش اليوم ذكرى الاستقلال وليس العيد في نظر المفكر الاجتماعي مسرّة؟
كلوديت سركيس
المصدر: "النهار"
لماذا نعيش اليوم  ذكرى الاستقلال وليس العيد في نظر المفكر الاجتماعي مسرّة؟
لقطات للأفواج المشاركة في العرض العسكري الرمزيّ في اليرزة العام الماضي (نبيل إسماعيل).
A+   A-
في نظر الباحث الاجتماعي ورئيس كرسي الأونيسكو للأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف وعضو المجلس الدستوري سابقاً البروفسور أنطوان مسرّة أننا نعيش اليوم "ذكرى الاستقلال وليس عيد الاستقلال، لأن لبنان غير مستقلّ منذ العام 1969 مع توقيع اتفاق القاهرة ثمّ اتفاق ملكارت، فتداعيات الاتفاق الأول، ثمّ البند في وثيقة الطائف بشأن إعادة تمركز الجيش السوري في لبنان، وبعده تحالف مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله في العام 2006 ".
 
ويقول في حديث لـ"النهار" إنّ "الدولة تفقد صفاتها السيادية الأربع المسمّاة ملكيّة من جيش واحد لا جيشين، وديبلوماسية واحدة لا ديبلوماسيّتين. نحن بحاجة اليوم إلى انتفاضة استقلال".
 
وأدرج مسرّة ثورة 17 تشرين في خانة "الهروب من الموضوع الأساس أيضاً مع ما سرده من اتفاقات".
 
ويعتبر "إننا اليوم في مرحلة إعادة الاستقلال من دون الدخول في سجالات من الماضي عن جنس المقاومات والدفاع عن لبنان. ابتداء من اليوم، نريد دولة صاحبة سيادة تستعيد مبادىء الدستور اللبناني العربيّ الهويّة والانتماء ضمن الجامعة العربية، تمارس فيها الحياد الإيجابي المعترف به لبنانياً وعربياً. وهذا يتطلّب وقف التموضع والمساومات والبقاء على مسافة واحدة من الجميع. لكن البروفسور مسرّة يرى أن "الأخطر من ذلك أن اللبنانيين فقدوا معنى السيادة، وباتوا مدجّنين على الاستتباع والتموضع والمواربة" . ويعتبر أن "للنواب دوراً كبيراً في مسألة السيادة لكون مجلس النواب يتمتع بتاريخ عريق جداً في الدفاع عن الاستقلال". وهو يلحظ  "وجود نواب يمارسون التموضع والمساومة في مسألة جوهرية جداً تتعلّق بالدولة اللبنانية المستقلّة من دون معاداة أحد، بما يتعلّق بالمراحل الماضية بعد الكارثة في كلّ المجالات".
 
وإبتداء من اليوم، يقول: "نريد دولة مكتملة الصفات السيادية عضواً في الجامعة العربية، تحترم اتفاق الهدنة، وتمارس مقاومة وطنية وليس مقاومة حزبيّة مع تحالف خارجيّ، لأن المقاومة هي حاجة في كلّ بلد لتؤمن له المناعة والصمود. ما نريده اليوم دولة مستقلّة تحترم الدستور وميثاق الجامعة العربية والانتماء العربي في الهويّة، ويكون للمجتمع مقاومة وطنية، لأن المجتمع اللبنانيّ حالياً في حالة انحلال، وغير قادر على هذه المقاومة بسبب الانهيار الاقتصادي والمعنويّ والنقض لكلّ تاريخه".
 
ويُضيف: "هو غير قادر على أيّ مقاومة، بمعنى المناعة تجاه كلّ الاختراقات الخارجية وتجاه حاجات النهوض. وهذا أخطر من فقدان السيادة. لقد فقد بعض اللبنانيين معنى السيادة، مستذكراً ما  كرّره غسان تويني مرات عدة في إفتتاحياته "كونوا أحراراً"؛ وعنى بذلك أحراراً من كلّ تبعيّات الخارج، ومن كلّ بابٍ عالٍ خارجيّ".
 
ويستطرد البروفيسور مسرّة إلى القول "لا مستقبل للبنان إلا بمقدّمة الدستور في وطن عربيّ ونهائيّ لجميع أبنائه"، مشدّداً على "أن السيادة لا تحتمل التموضع، وتتطلب انتخاب رئيس جمهورية يسهر على احترام الدستور ويحمي السيادة الوطنية".

وميّز البروفيسور مسرّة في "التبعية الخارجيّة من حيث التلوّث بمفاهيم الاحتلال كالاحتلال الإسرائيلي، والتدخل من دولة خارجيّة بالمال والسلاح لصالح فئة لبنانية، وبين الدّعم من خلال السلطة المركزية كما تمارسه السعودية وجامعة الدول العربية، أو عبر الاتفاقات والقرارات الدوليّة حيث لبنان عضو فيها. يجري الخلط في العلاقات الخارجية من اللبنانيين في التدخّل بالمال. نحن بحاجة إلى دعم من كلّ بلدان العالم على أن يحصل من خلال الحكومة المركزية. لقد فقد اللبنانيون هذه المفاهيم بسبب تخريب العقول خلال فترات عدم الاستقلال. ما نحتاجه تنظيف العقول من طريق التمييز بين الدعم من خلال السلطة المركزية وبين التدخل بالسلاح والمال من خلال فئة لبنانية".
 
ويضيف "ثمة جانب ثقافي تربوي في قضية الاستقلال يحتاج إلى عمل للجيل الجديد في لبنان، لأننا لم نعلّمهم نضال الأسلاف في سبيل الاستقلال، وكذلك عدم شرح كتب التاريخ عن نضالات الاستقلال، إذ تكتفي أكثر الكتب المدرسية بمفردات عن يوم الاستقلال بعد 22 تشرين الثاني 1943 بأن "الفرحة عمّت كلّ أنحاء لبنان". لم يتغيّر أيّ شيء منذ ذلك التاريخ في الكتب، لأن المؤرّخين لم يكتبوا عن هذا التغيير بالرغم من وجود وثائق كثيفة عن هذه المناسبة، ولم تلحظ ما تغيّر في بنية الجيش والجمارك والنقد الوطني. لقد حصلت تغيّرات جوهرية لم يتمّ شرحها للعامة. لهذا السبب غسان تويني ونواف سلام وفارس ساسين أصدروا كتاب "الاستقلال" المهمّ كثيراً".
 
لقد بيّنوا فيه نضالات الاستقلال الغائبة والمغيّبة في الذاكرة اللبنانية، ليس عن قصد إنّما لأنّ كلّ أنظمة الاحتلال تلوّث العقول. واللبناني - من زاوية علم النفس التاريخي - متأثّر جداً بعقدة الباب العالي، وشهد تاريخنا أنهم كانوا ينتظرون التدخل الأجنبي لخلاص لبنان من مِحَنه. وهذا التدخل الأجنبي لم يكن يخلّص لبنان إنّما كان يورّطه أكثر .فكيف يمكن أن يشفى اللبناني من عقدة الباب العالي؟ إنّه يحتاج إلى عمل مكثّف في علم النفس التاريخي. وها هم ينتظرون اليوم "شي تغيّر خارجيّ ليغيّر الداخليّ". لقد كان سفير سابق للاتحاد الأوروبي يتعجّب دائماً من انتظار المسؤولين تغيّراً خارجيّاً جديداً لاتّخاذ مواقفهم، أو ينتظرون لينتخبوا رئيساً للجمهورية! هم دائماً في حالة انتظار، ممّا يعني "أن اللبناني في الأغلب لم يبلغ سنّ الرّشد بعد كدولة، ولا يزال في عهد المراهقة. ويمكن أن نفسّر حالة المراهقة عند الشعب العادي ونعالجها، ولكن الأخطر إن كان بعض النواب أمام الكارثة الحالية لا يزالون في حالة المراهقة".
 
ويردّ مسرّة "خلفيّة الطروحات بين الحين والآخر بشأن المطالبات بتغيير النظام إلى غاية إلهاء الناس عن موضوع السيادة الوطنية بهدف إستمرار الدولة الرهينة"، داعياً اللبنانيين إلى الاعتماد على أنفسهم"، وليخلص إلى أنه "لا نريد الدخول في سجالات من الماضي لجهة مَن دافع عن السيادة، ومَن حمى لبنان، ومَن قاوم الاحتلال الإسرائيلي بعد الكارثة الحالية. نريد دولة مكتملة الصّفات".  

[email protected]

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium