بعد انتهاء مؤتمر "بغداد 2" في عمّان، أدلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحديث إلى "النهار العربي" و"لوموند" و"وول ستريت جورنال" على متن طائرة الرئاسة الفرنسية التي نقلته من عمان إلى باريس. وقال ماكرون لـ"النهار العربي" أنّ هدف مؤتمر "بغداد 2" هو تقديم طروحات الى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لكي لا يبتعد عن اجندة إقليمية . وأشار الى ان العاهل الأردني "جازف بالدعوة الى هذا المؤتمر وان قبول السوداني بالمشاركة والعمل هو نصر لهذه الاجندة، إضافة الى وضع مشاريع سيتم العمل عليها في قطاع المياه والغاز والكهرباء ومشاريع حيوية للعراق". واكد قناعته منذ البداية بان المشكلتين اللبنانية والسورية لا يمكن حلهما الا في اطار محادثات هدفها تقليص التأثير الإيراني الإقليمي.
بالنسبة للبنان، قال إنّه سيتخذ مبادرات في الأسابيع المقبلة ونفى إمكانية جمع مؤتمر دولي للبنان ولكنه قال سنعمل على مشاريع ملموسة فقد تطرقت مع العاهل الأردني الى مشروع في قطاع الكهرباء للبنان . وقال ما يهمني هو اللبنانيين واللبنانيات لان الطبقة السياسية التي تعيش على حساب البلد ليس لها الشجاعة للتغيير واعرب عن استيائه من تصرف هذه الطبقة وعن شكوكه بطاقة الشعب اللبناني لدفعها الى التغيير لذا يريد المساهمة في إيجاد حل سياسي بديل عبر إقامة مشاريع ملموسة وبنفس الوقت عدم التساهل مع الطبقة السياسية. وقال رداً على سؤال اذا كان يؤيد قائد الجيش للرئاسة إنّ فرنسا لن تدخل في لعبة الأسماء للرئاسة لانها سبق وتدخلت مرات كثيرة في الماضي وقد فشلت مرة على اثنين. فقال ان لبنان يحتاج الى رئيس ورئيس حكومة نزيهين وقال انه يريد مساعدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يبذل رغم كل شيء جهود للقيام بما يتمكن ولا يتنازل للذين اغتنوا ويريدون البقاء والابتزاز.
وقال عن "حزب الله" إنّه موجود في لبنان ان كان على الصعيد الأمني والمتستر وأيضاً موجود على الصعيد الرسمي ومنتخب ويستفيد من نظام وآلية سياسية ومنا جميعا لحل مشاكل الناس لذا راى الرئيس الفرنسي ان مشكلة لبنان في حل مشاكل الناس وإعادة هيكلة النظام المالي ثم وضع خطة مع رئيسين للجمهورية والحكومة نزيهين.
نص المقابلة
* ما هي نتيجة مؤتمر "بغداد 2" الذي عقد في البحر الميت - الأردن؟
- منذ البداية انا مقتنع بانه لا يمكننا إيجاد أي حل لمشكلة لبنان والعراق وسوريا الا في اطار حوار لتقليص التأثير الإقليمي الإيراني.
*ولكن الإيرانيين لم يستمعوا اليكم؟
- لم يستمعوا، والإيرانيون لم يلتزموا بشكل صادق. لقد رأينا ابتداء من 2019 و2020 ان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي يبدي رغبة في التقدم بالعمل. وعلى هذا الأساس وضعنا ابتداء من 2020 استراتيجية مع الرئيس السابق برهم صالح والكاظمي تهدف الى مساعدتهم لتعزيز سيادة العراق. وقالوا لنا بشأن تعزيز هذه السيادة: "نحن بحاجة الى دعم اقتصادي من اجل تعزيز السيادة مع ايران على طاولة المؤتمر. ومساعدتنا لانشاء حلول على أساس مشاريع طاقة ضخمة تساعدنا على الانخراط في اللعبة الإقليمية التي تتيح لنا التحاور مع ايران، ولكن ليس مع ايران وحدها".
هذه هي الاجندة التي انشأناها منذ أيلول 2020 عندما قمت بزيارة ثانية الى العراق ثم في آب 2021 عندما عقدنا مؤتمر "بغداد 1". هو عمل ثنائي طويل نساعد من خلاله العراقيين لتحسين امنهم ونعزز وجودنا في العراق عبر مشاريعنا في قطاع الطاقة والغاز. في "بغداد 1" وللمرة الأولى جمعنا على الطاولة الإيرانيين والأتراك ودول الخليج والاردنيين، فالتحاور له معنى والاحاديث الجانبية اهم من الرسمية لانها تنشىء اطارا لتحاور هذه الدول والبحث في كيفية إعادة سيادة العراق وخفض التأثير الخارجي فيه. لقد حسّنا الكثير، وفي اي حال تجنبنا الأسوأ اذ مكنّا مشاريع الطاقة وتمويل بعض مشاريع الترابط الكهربائي مع الأردن وحافظنا على الاستقرار. شهد الصيف الماضي خطرا كبيرا وامضيت وقتا طويلا مع المسؤولين العراقيين عبر الهاتف لمحاولة تجنب اشتعال الوضع. ثم جاء رئيس الحكومة العراقي سوداني المدعوم من غالبية معروفة بأنها اقرب الى الايرانيين. وعندما زارني العاهل الأردني في أيلول في باريس اقنعته بضرورة عقد هذا المؤتمر لأنه لمصلحتنا جميعا. فالملك عبد الله جازف. وقد تبادلنا الاتصالات الهاتفية العديدة خلال أسابيع ماضية مع رئيس الحكومة سوداني. بالنسبة لي لو لم نجمع هذا المؤتمر لكان الخطر ان يبتعد العراق عن الاجندة الإقليمية. مع هذا الاطار نتيح ايجاد بدائل. قبول سوداني لهذا المؤتمر هو انتصار لهذه الاجندة، وان يعقد هذا المؤتمر بشكل جيد هو انتصار، كما ان بداية وضع مشاريع على السكة هو انتصار. ثم عقدنا اجتماعا في اطار مصغر دون الاتراك والإيرانيين وبدأنا نضع خطوطا للعمل بدءا من الشهر المقبل. هناك مشاريع حيوية للعراق في المياه والكهرباء والغاز والتطور الاقتصادي. بامكاننا مساعدتهم ولديهم حاجات للخروج من التبعية الإيرانية والنفطية. وهذا لن يتم حله في يوم واحد.
*لماذا لم يُدعَ لبنان الى هذا المؤتمر؟
- لم ندعه لانه على اجندة مختلفة، والاولوية ان تكون له سلطة تنفيذية مستقرة. وسنعمل في الأسابيع المقبلة على اطار مشابه مع لبنان.
*هل يعني ذلك مؤتمرا دوليا؟
- الحقيقة ان لبنان في قلب المؤتمرات. نحن نعمل على عدد من المشاريع الحدودية من بينها مشاريع بين لبنان والأردن، وقد تحدثنا مع العاهل الأردني حول الكهرباء وهذا جزء مما نريد عمله في الأسابيع المقبلة.
*كنتَ تعتزم زيارة لبنان والقوات الفرنسية العاملة في إطار "اليونيفيل"؟
- كانت ناقلة الطائرات شارل ديغول قريبة، فاغتنمت الفرصة. ولكني سأزور قوة حفظ السلام في لبنان. الا ان وضع
اللاقرار في لبنان يجعلني أرى ان ليس هو الوضع الأفضل لزيارته، ودور فرنسا ليس استبدال دور القوى السياسية فيه.
* لكنكم تكررون لهم باستمرار الكلام نفسه؟
- صحيح اسعى الى دفعهم للتحرك.
لسوء الحظ أرى الكثير من الشباب يغادرون حزينين ومحبطين. احلم ان يتمكنوا من القيام بالتغيير، وجوابي هو ان أحاول المساعدة على نشوء حل سياسي بديل بمشاريع ملموسة من دون أي تساهل مع القوى السياسية، ومحاولة وضع خطة ومساعدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يحاول رغم كل شيء ان يبذل اقصى ما يمكنه وألا يتنازل للذين اغتنوا في السنوات الأخيرة ويريدون البقاء ويقومون بالابتزاز، وان يكون للبنان رئيس ورئيس حكومة نزيهين.
* هل تنطبق مواصفات النزاهة على قائد الجيش اللبناني لتولي الرئاسة في رأيكم؟
- لن اخوض في مسألة الأشخاص والأسماء اذا لم يكن هناك استراتيجية وخطة. الاستراتيجية هي ان يكون هناك اشخاص من النزهاء مستعدين للقول ان الطبقة السياسية غير مهتمة بهم وان يتوقفوا عن العيش على حساب الناس. يجب تغيير القيادة في هذا البلد.
* ماذا تقول عن "حزب الله"؟
- "حزب الله" موجود ان كان على الصعيد الأمني او المتستتر، ولكن أيضا على الصعيد الرسمي والمنتخب. فهم على الأرض يستفيدون من عدم قدرة النظام والآلية السياسية لحل مشاكل الناس. لذا أقول ان مشكلة لبنان في حل مشاكل الناس وإخراج الذين لا يعرفون القيام بذلك، ثم إعادة هيكلة النظام المالي ووضع خطة مع رئيس نزيه ورئيس حكومة نزيه وفريق عمل ينفذها ويحظى بدعم الشارع.
* وجّه الرئيس الاميركي بايدن مرتين شكره لجهودك معهم للمساعدة في ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان. هل لجهودك مع "توتال انرجي" ام لانك تحاورت مع "حزب الله"؟
- لقد فعلنا ذلك بالتحاور مع الجميع. وتم التوصل الى ضمانات امنية كانت واضحة بعدم التصعيد واعطيت أيضا للمفاوضين الاميركيين. للبنان مكانة غالية عندي، وهو موضوع أساسي. سنعمل بجهد دونما انقطاع في الأسابيع المقبلة، وانا اريد ان اقول انه ينبغي توسيع اللعبة والمسألة ليست قضية شخص او موضوع مؤسساتي.
* هل اصدقاؤكم السعوديون مهتمون بالتعاون معكم من اجل لبنان؟
- نعم لقد اظهروا ذلك خلال الأسابيع الماضية عندما استقبلوا رئيس الحكومة ميقاتي وبدئهم بالتمويل، ولكن هذا غير كاف. واريد التأكيد انني سأتخذ مبادرات في الأسابيع المقبلة حول كل الصعد التي ذكرتها وسأبذل جهداً كبيراً لذلك.