على وقع الدعوات للنزول إلى الشارع وإقفال الطرق من مجموعات شعبية استنكارا لخطف الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، لا يزال الغموض سيد الموقف. فحتى الساعة لا معلومات جديدة. وباستثناء التأكيد على واقعة خطفه بعدما كان يجري التداول بالمسألة على أنها عملية اختفاء، يمكن القول أن القضية اتخذت منحى أمنيا مختلفا، وباتت في عهدة الأجهزة الأمنية والمكلّفين من دار الفتوى متابعة الملف "بحكمة ووطنية".
فبعد ثلاثة أيام على خطف الشيخ الرفاعي، إبن بلدة القرقف العكارية وإمام مسجدها وخطيبه، بدأت تتكشف المعلومات الدقيقة عن عملية اختفائه منذ عصر الإثنين 20 شباط الجاري. وتشيرالمعلومات إلى أن الشيخ المخطوف غادر البلدة بسيارته الـ"هوندا سي آر في" متوجهاً نحو طرابلس، حيث كان مقررا أن يشارك في لقاء ثقافي في مسجد البداوي. وتشير المعلومات الى أنه أدى صلاة المغرب في جامع البركة في البداوي وتوجه إلى منطقة الميناء حيث رصدت عملية خطفه في نقطة خلف مبنى جامعة بيروت العربية. فما الذي دفع الشيخ الرفاعي إلى تغيير وجهة سيره من البداوي شمال مدخل طرابلس إلى النقطة التي رصد فيها خطفه، أي المدخل الجنوبي لطرابلس؟ وكيف جرى استدراجه ومن هي الجهة التي تقف وراء العملية، بعدما تأكد بحسب شهود أن سيارتين "كيا" رباعيتي الدفع كانتا تلاحقانه واستوقفتاه خلف مبنى الجامعة العربية، ومن لحظتها انقطع الإتصال معه وصمت هاتفه.
عريمط
رئيس "المركز الإسلامي للدراسات والإعلام" الشيخ خلدون عريمط المكلف من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان متابعة ملف اختفاء الشيخ الرفاعي، يؤكد عبر "المركزية" أن من خلال الإتصالات التي أجراها المفتي دريان مع الأجهزة الأمنية، ومن خلال متابعتي لهذا الملف في عكار والشمال ولدى الأجهزة الأمنية المختصة، تبيّن أن كل الأجهزة الأمنية ولاسيما منها مديرية المخابرات في الجيش وفرع المعلومات، يعملان جاهدين لتجميع المعطيات والمعلومات ومعرفة خفايا خطف الرفاعي. وكل الدلائل تشير الى أن سيارتين داكنتين تعرضتا له بجانب مقر جامعة بيروت العربية في طرابلس مساء الإثنين الفائت، ويؤكد أكثر من شاهد أن أشخاصاً ملثمين ترجلوا من إحدى السيارتين واقتادوه إلى جهة مجهولة".
الأكيد، يضيف عريمط، "أن المفتي دريان يتابع المسألة مع كل القوى والأطراف السياسيين والأمنيين لكشف الملابسات، "وعلى الجميع أن يحذروا من هذه الممارسات الخطيرة، وألا يفسروا الأمور من منطلقات مذهبية أو طائفية كي لا يقع في المحذور. ولنا ملء الثقة بالأجهزة الأمنية التي تعمل بالتنسيق مع مفتي الجمهورية والمؤسسة الدينية في عكار لإعادة الشيخ المخطوف إلى أسرته وعائلته ومسجده".
تهديد متزامن
محاولات استغلال قضية الخطف التي تزامنت مع رسالة التهديد التي وجهت إلى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي في البقاع الشمالي، توحي وكأن حبكة فتنة طائفية يجري نسجها على يد بعض الأطراف التي تريد تغيير وجه لبنان وهويته. فهل ينجحون؟
ثمة من استوقفته خطب الشيخ الرفاعي المناهضة للنظام السوري والنفوذ والهيمنة الإيرانيين. لكن الأكيد أن ليس الرفاعي وحده الذي يجاهر في خطبه بمعارضته هذه والهيمنة نفوذ أزلامه في لبنان. من هنا يصبح بديهيا السؤال لماذا الرفاعي تحديداً؟ ويجيب عريمط: "قد يكون للشيخ الرفاعي آراء ومواقف لا تعجب هذا الفريق أو ذاك، لكن من المؤكد أن هناك العشرات لا بل المئات وربما الآلاف من اللبنانيين الذين يعارضون نفوذ القوى الإقليمية على الساحة اللبنانية. لكن هذه المعارضة السياسية أو الدينية لا يمكن ولا يجوز أن تصل بأصحابها إلى الخطف واحتجاز الحريات".
ماذا بعد أيام الإنتظار الطويلة، وكيف سيتصرف العقلاء والحكماء لدرء الفتنة أيا تكن النتائج؟ "الفتنة في لبنان محرّمة لدى المراجع الإسلامية والمسيحية"، يضيف عريمط: "حتى الساعة ليس لدينا جواب عن الجهة التي خطفت الشيخ الرفاعي في طرابلس. وكما يعلم الجميع، فإن الساحة اللبنانية مكشوفة أمنيا وسياسياً وما يحصل هو نتاج عدم انتخاب رئيس للجمهورية وعدم وجود حكومة فاعلة، وعدم توافق اللبنانيين على كثير من القضايا التي تخص لبنان. ومع ذلك، ستبقى الفتنة محرّمة إسلاميا ومسيحياً حفاظا على لبنان الوطن والكيان والرسالة التي نحرص عليها جميعاً".