منذ عام 2001، قدّم الوزير والنائب الشهيد بيار أمين الجميل اقتراح قانون لإنشاء هيئة إدارة الكوارث؛ ومنذ ذلك الحين البحث جارٍ لإنشاء هيئة إدارة الكوارث. اقتراح القانون حمل عنوان "إنشاء الجهاز الترقّبيّ للحوادث".
22 عاماً والكوارث تتوالى، والاقتراح في أدراج مجلس النواب. تارة يُدرس في لجنة فرعيّة، وطوراً يتقدّم ليُحال على اللجان المشتركة، قبل أن يعود ويُركن ضمن الملفات السميكة.
22 عاماً ولا عملَ جدّياً لترقّب الحوادث أو الكوارث. الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعيّ تكتفي بنقل صور الانفجارات والهزّات الأرضية وأضرار العواصف والسيول وجرف التربة وصولاً إلى الإشكالات الأمنية، فيما لبنان غارق في فساد لا حدّ له، ونزاعات سياسيّة وفراغ، أدّى إلى شللٍ عام للعمل المنتج والجدّي، والنتيجة بنى تحتية مهترئة، وفوضى عمرانيّة عارمة، وجهاز إدارة الكوارث لم يرَ النور، ولا عمل ترقّبياً او استباقيّاً في هذا المجال.
في عام 2013، فُعِّل العمل مجدّداً في اللجنة الفرعيّة. ومن جديد، وضِع الاقتراح للبحث. يومذاك، اقترح رئيس اللجنة النائب محمد قباني مشروع قانون يهدف إلى إنشاء هيئة لإدارة الكوارث، فيما بقي اقتراح الجميل قائماً، وهو يتعلّق بما يُسمّى "الجهاز الترقّبي للحوادث".
الاقتراحان متشابهان من حيث النتيجة، والهدف، وبعض الأسباب الموجبة التي تركّز على "تغيّر التطوّر العمراني وازدهار الصناعات وتبدّل أسلوب التنظيم الحديث للحياة الاجتماعية، ممّا بات يهدّد بانفجار وحدوث كارثة، خصوصاً في المدن المكتظة، الأمر الذي يستوجب وجود مثل هذه الهيئة". وبالتالي، كان توحيد الاقتراحين أمراً سهلاً، واتُّفق على تسمية الهيئة "هيئة إدارة أخطار الكوارث"، وحدّدت مهماتها كالآتي: "تطوير الخطط والنشاطات المستندة إلى الإجراءات الوقائية في المناطق المعرّضة لخطر وقوع كارثة، تحضير الخطط والإجراءات بهدف تنبيه السكّان إلى خطر احتمال وقوع كارثة، الاستجابة السريعة عند حصول الكارثة لإنقاذ الضحايا وإعادة الإعمار".
وصل الاقتراح إلى اللجان المشتركة. كان ذلك في مطلع عام 2015. ومذذاك، لم يتم بتّ الاقتراح، إذ علِق بين تباينات وخلافات.
وعلى الرغم ممّا مرّ على لبنان من كوارث وآخرها الحرائق الهائلة والأمراض وانفجار مرفأ بيروت إلى الزلازل الطبيعية التي تهدّد الإنسان في لبنان، لم نشهد أيّ تقدّم بشأن البتّ بالاقتراح، إذ يتمّ الاكتفاء بخلايا أزمة كما حصل في مواجهة أزمة كورونا، وأزمة انفجار مرفأ بيروت، التي شابتها آلاف الأخطاء والتضارب بالصلاحيات.
ومع الهزات الأخيرة أُعيد تفعيل لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية فوزّعت المهام على الوزارات المعنيّة بمواجهة التداعيات الناتجة والمحتملة للزلزال الذي ضرب المنطقة، والتي تركّزت على مسح المباني المٌتصدّعة، وتفعيل غرف الطوارئ في المناطق، واستنفار القطاع الصحي والفرق الميدانية.
وأعلنت خطط تنفيذية عبر تكليف البلديات بصورة فوريّة إجراء المسوحات للمباني ضمن نطاقها البلدي (مسح أوّلي ميدانيّ، يليه مسح تقني)، وإفادة وزارة الداخلية ضمن مهلة 72 ساعة عن عدم أهليّة أيّ مبنى للسكن ليُبنى على الشيء مقتضاه، وذلك بالتعاون مع مهندسين من نقابتي المهندسين وشركات القطاع الخاص المعنيّة.
وتمّ تفعيل عمل غرف عمليات الطوارئ في المحافظات (محافظون، قائم مقام، رؤساء بلدية) والبقاء على جاهزية تامّة لتنسيق عمليات الاستجابة عند حدوث أيّ طارئ.
كذلك، تمّ تشكيل لجنة برئاسة وزارة الأشغال العامة والنقل تضمّ مهندسين من نقابتَيّ المهندسين في طرابلس وبيروت، ومن القطاع العام والخاصّ، لإجراء المسوحات الجيوفزيائية للمباني المتصدّعة، وفقاً للأولويّات الآتية (مدارس، جامعات، مستشفيات، سدود، جسور، أماكن سكنية).
وتمّ استنفار جميع فرق العمل في مواجهة العاصفة، وفتح الطرقات، وتقديم المساعدات للمواطنين، والبقاء على استعداد للاستجابة في حال حصول أضرار جانبية نتيجة ارتدادات زلزاليّة محتملة.
وتمّ تكليف وزارة الصحة العامة، الأشغال العامة والنقل، الدفاع المدني، أفواج الإطفاء و"الصليب الأحمر اللبناني" باستنفار ورفع جاهزية الطواقم المتخصصة لديها للاستجابة الفورية لأيّ طارئ.
وعمّمت الإرشادات اللازمة على المواطنين، والإجراءات الواجب اتّباعها في حال حصول زلزال، بالإضافة إلى تنفيذ حملة وطنية شاملة تستهدف المؤسسات والإدارات من أجل وضع خطط لتخفيف المخاطر والاستجابة خلال الهزات الأرضية والزلازل، على أن تشمل تلك الإرشادات النقاط الأساسية، من ابتعاد عن المباني الآيلة للسقوط، الشواطئ، الأسلاك الكهربائية، الجسور والسدود.
وطلبت إلى المجلس الوطني للبحوث العلمية الوقوف على الواقع الجيوفزيائي العلميّ، من خلال تحديد احتمال حصول هزات أرضية مماثلة، درءاً للإشاعات والأخبار المغلوطة، وتزويد "الوكالة الوطنية للإعلام" و"وحدة إدارة مخاطر الكوارث" بتلك المعطيات ليُصار إلى تعميمها من قبلهم بصورة موضوعيّة للجمهور.
لكنّه بعد مرور عدد من الأيام تبيّن أن الإجراءات بقيت ضمن إطار النظريات، فلا مسح شاملاً للأبنية جرى، وهو يحتاج إلى وقت طويل، بل من المفترض أن يكون قد أُنجز منذ زمن، وأن يُعاد كلّ مدّة، بالإضافة إلى أن إمكانيّات المحافظات والبلديّات اصبحت معدومة، نظراً إلى الأزمة الاقتصادية والشحّ الماليّ؛ وهذا ما أبلغه المحافظون لرئاسة الحكومة بعجز البلديات عن القيام بأيّ دور جدّيّ، ويقتصر عملها على أدوار ثانوية.
حتى في عملية تحديد المباني المتصدعة أو التي تُصنّف خطرة، فهناك اختلاف في التقارير الموجودة لدى المحافظات أو في نقابة المهندسين؛ فهناك تقارير - مثلاً - عن 16000 مبنى متصدّع في بيروت؛ وهناك أكثر من عشرة آلاف وخمسمئة بناء تضرّروا بعد انفجار المرفأ، ليتبيّن أن أغلبيّتها قد تمّ تدعيمها، وأصبحت آمنة، وأن هناك نحو 1500 مبنى يجري العمل عليه؛ الأمر الذي يطرح علامة استفهام بشأن الصدقيّة والجدّيّة في في التقارير الموجودة، إن في بيروت أو في القرى النائية.
إلى ذلك، تبقى خطط غرف العمليات نظرية، إذ إنّ البلديات واتحادات البلديات لا تمتلك الآليات اللازمة للمعالجات، بالإضافة إلى الشحّ في الميزانيات، ممّا يجعل أغلبيّتها متوقّفة عن العمل بسبب غلاء المحروقات.
أمّا على صعيد الاستشفاء، فتؤكد النقابة أن المستشفيات تمرّ بمرحلة صعبة، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية، وهي تعاني كجميع القطاعات في البلاد بسبب غلاء المحروقات، والشحّ في المعدات الطبيّة، خصوصاً بعد انفجار المرفأ، وعلاقات المدّ والجزر بين نقابة مستوردي المعدات الطبيّة ومصرف لبنان، بالإضافة إلى هجرة الأطباء، ممّا يجعل الوضع صعباً جداً. هذا عدا عن أنّ عدداً من المستشفيات الكبيرة قد دمّرت بالكامل في انفجار مرفأ بيروت، وهي لم تستعد كامل نشاطها ممّا يزيد الأمر تعقيداً.
والصعوبات التي تواجه المستشفيات والسلطات المحليّة تواجه القوى الأمنية أيضاً التي تعاني من نقص في المعدّات، وأزمة محروقات.... يُضاف إلى ذلك أن مركز رصد الهزات والزلازل الذي زاره الرئيس نجيب ميقاتي يعمل بـ"اللحم الحيّ" وبمعدّات قديمة، لا تشمل أجهزة استشعار متطوّرة وحديثة.