ليست المرة الأولى التي لا يتوافق فيها النواب التغييريون، سبق لهم أن شهدوا تغريداً خارج السرب عند تسمية رئيس حكومة في قصر بعبدا. جاءت دعوة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان لتكشف التمايز بينهم مجدداً. هذه المرة يتعلق الانقسام بمقاربة تدخل السلطة الدينية في السياسة وكيفية تطابق البرامج الانتخابية مع تصرفات النائب حين بات تحت قبة البرلمان. لم تجمعهم هذه الدعوة في دار الإفتاء ولكنها لم تقسّمهم.
أول من اعتذر عن تلبية الدعوة كانت النائب حليمة القعقور، منطلقة من أزمة النظام اللبناني التي، حسب رأيها، يجب أن تحل من نواحٍ أخرى تختلف عن تلك المتبعة والتي لطالما كانت قائمة على جمع شمل أبناء المذاهب والطوائف. كما أن المؤسسات الدينية لا شأن لها بالسياسة، مع "الاحترام لكافة المؤسسات والمرجعيات وما تقوم به".
ورأت في حديثها لـ"النهار" أن هذه اللقاءات لا يمكن أن تصل إلى نتائج، ولا حتى يمكنها استرجاع حقوق الناس، بل على العكس، تزيد الاصطفافات والانقسامات بين اللبنانيين.
تؤكد القعقور أن موقفها نابع أيضاً من بنود برنامجها الانتخابي الذي صارحت به الناس قبل الانتخابات، وأولها المطالبة بإسقاط النظام الطائفي وفصل الدين عن الدولة، بالتالي هذا يترجم بتعديل قوانين والنهج السياسي الذي عليه أن يلتزم المشروع.
كل الناس يدّعون أنهم ضد النظام الطائفي ومن بينهم الأحزاب الطائفية التي تعمّق هذا النهج وتحرص على استمراره، وهذا ما لا يمكن أن نقوم به، ولا سوف تسقط عني صفة التغيير.
موقف القعقور على تنسيق مع النائب إبراهيم منيمنة الذي اتخذ الموقف نفسه، وهما بدورهما قد نسّقا مع الجميع، وأكدت أن الحوار البناء والنقاش مفتوح بين النواب التغييريين وهو جارِ بشكل يومي. واعتبرت أن ما جرى هو احترام للاختلاف داخل التكتل، مستبعدة أن ينضم إليهما أيٌّ من النواب التغييريين. وأضافت: "نحن مشروع وطني، ولن نسلك أي سلوك طائفي نغش من خلاله الذين انتخبونا على أساس وطني لا مذهبي".
لا تتطابق نظرة حليمة القعقور مع نظرة زميلها وضاح الصادق الذي سيحضر الاجتماع وذلك لكون الدعوة جاءت وفق إطار وطني يشدّد على تطبيق اتفاق الطائف ويحرص على سيادة الدولة والقانون.
وفي رأي الصادق، "تلبية الدعوة ليست اعترافاً بالسلطة الدينية على الواقع السياسي، موقفي واضح جداً لهذه الناحية وهذا الموقف سأصرح به خلال اللقاء، وسأطلب منهم عدم التدخل بالسياسة بشكل نهائي، وسيكون هذا الاجتماع هو آخر اجتماع له طابع ديني". وشدّد على حمله مشروع الدولة المدنية.
وأكدّ أن "المعركة اليوم ليست مع مفتي الجمهورية بل هناك احترام لمقامه ولدار الفتوى ولدورهم الوطني طالما لم يتدخلوا بالسياسة ولم ينحازوا إلى طرف دون آخر".
أما النائب إبراهيم منيمنة فأكد على احترام موقع دار الفتوى كمرجعية دينية أساسية. إلا أنه تواصل معها ليعتذر عن تلبية الدعوة إلى لقاء يجمع النواب السنة تحت عنوان "تعزيز الوحدة السنية الإسلامية والوطنية". ويرى أن أن عنوان وشكل هذا اللقاء يتعارضان سياسياً مع المبادئ التي ننطلق منها في عملنا لجهة رفض الاصطفافات الطائفية، خصوصاً أنها تأتي في سياق جمع أقطاب حزبية غير متجانسة تحت مظلة طائفية ودون عنوان سياسي واضح."
وجاء في موقفه الذي نشره عبر صفحته على منصات التواصل الاجتماعي: "إن ثوابتنا السياسية تنطلق من اللحظة الوطنية الجامعة في ١٧ تشرين والتي رفعت شعار المواطنة ورفض النظام الطائفي الحالي والتأسيس لدولة تسودها المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، إضافة إلى فصل الدين عن السياسة، وهي أسس الإصلاح السياسي التي نطمح إلى أن يتم تكريسها في إعادة انتظام العمل السياسي والشأن العام".
وهذا يعني أن منيمنة والقعقور هما فقط من لن يحضرا اجتماع دار الفتوى المزمع انعقاده غداً، فيما باقي النواب التغييريين السنة سيحضرون، خصوصاً أن من بينهم نواباً كان الخطاب الديني ظاهراً في أولى إطلالاتهم التي تلت الانتخابات، ويبدو أن لديهم حسابات مبنية على عدد الأصوات "السنية" التي نالوها وهو ما يبرر حضورهم أو عدم معارضتهم لدعوة المفتي، وفق مقارباتهم.