النهار

الأخضر الإبرهيمي لـ"النهار": الطائف ليس حلّاً كاملاً نهائيّاً بل خطوة لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة اللبنانية
رندة تقي الدين
المصدر: "النهار"
الأخضر الإبرهيمي لـ"النهار": الطائف ليس حلّاً كاملاً نهائيّاً بل خطوة لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة اللبنانية
الأخضر الإبرهيمي.
A+   A-
في وقت يدور الجدل حول اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية في لبنان وإحياء السفير السعودي في بيروت وليد بخاري ذكراه في مهرجان كبير في 5 تشرين الثاني في قصر الاونيسكو، التقت "النهار" في مقابلة خاصة الديبلوماسي الجزائري وزير الخارجية سابقا الأخضر الابرهيمي الذي عمل الى جانب وزير الخارجية السعودي الراحل الامير سعود الفيصل ورئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري المبعوث الخاص للجنة الثلاثية برئاسة الملك فهد بن عبد العزيز وملك المغرب الحسن الثاني والرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد.

وقد أصر الابرهيمي على عدم الخوض في الوضع الراهن في لبنان، كما انه رفض التعليق على النقص في تطبيق الطائف على الساحة اللبنانية وفي الوضع الحالي، لكنه أعاد الى الذاكرة محطات من مهمته مع حرصه على التذكير بانه يتكلم عن التاريخ فقط . هذا الديبلوماسي العريق الذي عمل مع ملوك ورؤساء كانت تربطه صداقة متينة بالاستاذ الكبير غسان تويني، وقد خصّ "النهار" بمقابلة حول "تاريخ اتفاق الطائف".

عن رأيه في كيفية تعامل الرئيس ميشال عون خلال عهده مع اتفاق الطائف الذي رفضه، قال الابرهيمي: "في الظروف الحالية في لبنان لا أتكلم عن الوضع الراهن فيه. أتكلم فقط عن التاريخ. اللجنة الثلاثية السعودية - الجزائرية - المغربية كان هدفها مساعدة لبنان على الخروج من الحلقة القاتلة التي كان يدور فيها، وقد نسي الناس ان تلك المرحلة جاءت بعد فشل اللبنانيين لأول مرة في ان ينتخبوا رئيسا. فلمدة 15 سنة من الحرب الاهلية بقي فقط ولو بالاسم رئيس لبناني للجميع والليرة اللبنانية، أي ان احدا لم يقترح آنذاك إنشاء عملة خاصة لشرق بيروت أو غربها، والصحافة هنا تستحق التهنئة لان القيّمين عليها كانوا مصرّين على ان الصحيفة التي تطبع في الشرقية يجب ان تذهب الى الغربية والعكس. وعندما فشل اللبنانيون في انتخاب رئيس رأى العرب انه ينبغي التحرك وعمل شيء من اجل انتخاب رئيس في 1988 عندما انتهى عهد الرئيس امين الجميل ولم يتم انتخاب رئيس جديد. ثم في المرحلة الأولى كانت لجنة سباعية برئاسة وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الاحمد الصباح. وقرار الجامعة العربية آنذاك بتعييني مبعوثا لم يكن من اجل إيجاد حل بل جاء بعد ارسال قوة عربية الى لبنان. فقد ذهبت مع ضابط كويتي لنحضّر لوصول قوة عربية الى لبنان. لكن ما ان وصلنا حتى رأينا انها فكرة سيئة ان تأتي القوة ولا تفعل شيئا بل بالعكس ستخلق مشاكل من خطف ضباط الى اعتداء البعض على بنات. فرأينا انه قرار سيىء لا يؤدي الى نتيجة. حاولنا مع الشيخ صباح ولم نتقدم. فرأى الشيخ صباح ان لجنة من وزراء خارجية غير فاعلة وانه ينبغي رفع مستوى اللجنة الى القيادات. تم تشكيل اللجنة العربية الثلاثية العليا من رحمهم الله الملك فهد بن عبد العزيز وملك المغرب الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. واحتفظوا بي كمبعوث لهم. وبعدما تخلوا عن القرار الأول بارسال قوة عربية بدأنا نبحث عن حل". وأضاف الابرهيمي ان "الميليشيات اللبنانية كانت تتابع عمل اللجنة العربية وادركت ان لا احد منها يمكنه الحصول على أهدافه، وبالتالي وافقوا على البحث عن حل. اما النظام السوري وقتئذ فكان يشعر بخيبة امل كبيرة لانه لأول مرة شُكلت لجنة عن لبنان سوريا ليست عضوا فيها. ولكن طبعا كان القادة العرب الثلاثة وانا ايضا مدركين انه لا يمكن ان يُعمل شيء من دون سوريا. فكنا على صلة وثيقة بالرئيس حافظ الأسد طوال الوقت. هذه الخلفية لا بد ان تذكر وتحضر في الذهن. ثم هناك كلام الكثير من الناس وجدل حول ما فعله اتفاق الطائف او ما لم يفعله. اتفاق الطائف هو بالفعل ليس بداية تكلم اللبنانيين عن انهاء الحرب الاهلية. كانت هناك محاولات عديدة: مؤتمرات جنيف ولوزان والكويت واتفاقات في بيروت. ولكن في الطائف وُضعت وثيقة يستعملها اللبنانيون أساسا لاعادة بناء بلدهم. الهدف الرئيسي كان ان تنتهي الحرب ثم ان يُنتخب رئيس".

وعن سبب رفض العماد ميشال عون للاتفاق في حينه قال: "هذا السؤال يوجه اليه. انا التزمت بانني لن أتكلم عن التطورات الحالية. ولكن بالنسبة للوقائع لقد ذهبت الى بيروت بعدما تم الاتفاق مع النواب للقول لرئيس الحكومة سليم الحص والعماد عون ان الملك فهد يقيم احتفالا في جدة، وتمنيت على كلاهما ان يحضرا الاحتفال، احدهما يجلس الى يمين الملك فهد والآخر الى يساره. الحص اعرب طبعا عن استعداده، والعماد عون قال لي خلّيني فكّر، وكنت التقيته ليلا. فقلت له ان موعد الاحتفال قريب. كلَّمني صباحا وقال انا لن احضر. فطلبت من الحص الا يحضر لانه لا يصح ان يكون رئيس الوزراء ممثلا والجانب الآخر غير ممثل. ولم يذهب الحص. بعد ذلك بسنوات كان للإعلامية جيزيل خوري برنامج استضافتني فيه واستضافت العماد عون باتصال هاتفي من باريس. وكان العماد عون يقول ان اتفاق الطائف كان سيئا، فذكّرته بما قلت له عندما ذهبت اليه حول حضوره مع سليم الحص احتفال الملك فهد، وقلت له افرض لو كنت ذهبت مع الحص ومعي ثم عدنا من جدة لننظم انتخاب الرئيس رينه معوض في بيروت ثم انت تصطحب الرئيس الى بعبدا. لم يرد وانتهى البرنامج عند هذا السؤال".

وتابع الابرهيمي: "على أي حال بدأت الانتخابات الرئاسية في الطائف من الأيام الأولى، وقلت للجميع ان الطائف لا يطمح الى ان يكون حلا كاملا نهائيا ابديا بل يمثل خطوة مهمة جدا لانهاء الحرب وإعادة بناء الدولة اللبنانية. فالقرارات التي تم تبنيها لا يمكن معارضتها. مَن يختلف على موضوع نزع أسلحة الميليشيات اذا اردنا ان نتكلم عن انهاء الحرب فهذا طبيعي. ثانيا بعض الناس يتكلمون الآن كأن اتفاق الطائف اخترع الطائفية في لبنان في حين انه العكس تماما. فالطائفية كانت موجودة في لبنان على الأقل منذ 1943 والطائف يدعو الى التخلص من الطائفية تدريجيا".

وقال الابرهيمي ان "الابطال الحقيقيين في العمل في الطائف كانوا رحمهم الله الأمير سعود الفيصل والرئيس رفيق الحريري. ذهب الأمير سعود الى دمشق ثلاث مرات عندما تعقدت الأمور وكان يأخذ منهم استفسارات وردودا. والنظام السوري كان يقول انه في اتفاق الطائف لم يكن هناك حديث عن انسحاب من لبنان، في حين انه موجود في الاتفاق ان السوريين يبدأون بالانسحاب الى خط ضهر البيدر خارج بيروت. فالطائف وُضع لانهاء الحرب، وللبنانيين ان يبنوا بلدهم . والامر الآخر ان رأي القيادات في اللجنة الثلاثية ان يواصلوا اهتمامهم ومساعدتهم لمواكبة تنفيذ الطائف. ورغم ان اللجنة الثلاثية كانت عربية محضة فاننا منذ اليوم الأول رأينا انه لا بد من ان يكون المجتمع الدولي على صلة باللجنة، وبالتالي اتصلنا بالأمم المتحدة وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وبالصين والفاتيكان، والتقيت قداسة البابا مرتين ومع الكاردينال تورانو الذي كان مسؤولا عن المنطقة". ‏

وعن هوية كاتب نص الوثيقة قال: "كان هناك مشروع لدى اللجنة الثلاثية، ثم الحريري كان له دور، والنواب عملوا عليه أيضا واتفقوا على انتخاب معوض في الطائف".

وتابع الابرهيمي: "بعد اغتيال الرئيس معوض تم انتخاب الرئيس الياس الهراوي، والاخوة في سوريا دعوه الى دمشق وعقدوا معه سلسلة اتفاقات لم تكن متماشية مئة في المئة مع اتفاق الطائف". وانتهى قائلا للتاريخ: "مع الأسف الشديد كان هناك مؤتمر للدول الإسلامية في آخر تموز في القاهرة بحضور رئيس الحكومة سليم الحص والأمير سعود الفيصل وكان وزير خارجية الجزائر سيد احمد غزالي وممثل عن المغرب في غياب الفيلالي وانا، وعقدنا اجتماعا مع الرئيس الحص ووزير خارجية لبنان، واعلنا انه سيعقد مؤتمر لجمع أموال لاعادة اعمار لبنان في شهر أيلول، وذهبت الى الامير سعود لأعدّ معه لهذا المؤتمر ورأيته منهمكا بالاتصالات الهاتفية والاتصالات المكثفة، فنظر اليّ وقال: يبدو انك لم تعلم ان العراق احتل الكويت. طبعا هذا الحدث أعاد صدارة لبنان بالنسبة للعالم العربي الى الوراء".



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium