أحمد منتش
يعتبر النائب المنتخب عن أحد المقعدين السنيين في صيدا، الدكتور عبد الرحمن البزري، أحد أبناء البيوتات السياسية العريقة في الحياة البرلمانية والحكومية. لم يحالفه الحظ كما الكثيرين للدخول إلى الندوة البرلمانية أو إلى مجلس الوزراء في كل الفترة الممتدة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم. على عكس والده المرحوم نزيه البزري، الذي كان نائباً أو وزيراً في الحكومات المتعاقبة منذ الخمسينيات الى أوائل التسعينيات.
مسيرة عبد الرحمن البزري المتعثرة سياسياً ليس سببها عدم نضوج الرجل أو قلة في الكفاءة، فهو ماهر بالتعاطي بالشأن العام ومع الناس، وهو طبيب ناجح أيضاً، إنما السبب قد يكون التوقيت الذي اختاره والده العزوف عن الترشح لإفساح المجال أمام نجله لمتابعة مسيرته وحمل الأمانة نيابة عنه وخوض معركة الانتخابات النيابية بعد اتفاق الطائف في العام 1992.
هذه اللحظة المفصلية تزامنت كما هو معلوم بدخول رجل إعادة الاعمار وبناء ما دمرته الحرب الأهلية اللبنانية الرئيس الشهيد رفيق الحريري الساحة اللبنانية وتمكنه من الإمساك بمعظم المفاصل المالية والسياسية في البلد، مدعوماً بغطاء عربي وتحديداً سعودي ودولي. استدرك "الحكيم" نزيه البزري، قوة وعظمة الحريري، فطالب خلال انعقاد الطائف بضرورة انصاف مدينة صيدا بمقعد نيابي ثالث لكنه لم يوفق في طلبه.
وهذا ما انعكس لاحقاً خسارة لبيت البزري في المنافسة الانتخابية مع آل الحريري، وتحديداً مع النائبة بهية الحريري التي دخلت البرلمان منذ التسعينيات، وخرجت منه بعد عزوفها عن الترشح انسجاما مع قرار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، فيما كان صعبا على البزري أيضاً التغلب على منافسه الثاني النائب السابق مصطفى معروف سعد المدعوم من "حزب الله" بشكل دائم واحيانا من الرئيس نبيه بري في ظل قانون انتخابي فيه الجنوب دائرة انتخابية واحدة.
وفي انتخابات العام 1996 لم يوفق البزري أيضا بالفوز على الرغم من وجوده على لائحة واحدة مع النائبة بهية الحريري، نتيجة اعتماد الجنوب دائرة انتخابية واحدة حيث احتفظ الراحل مصطفى سعد بالمقعد السني الثاني. وبقي الوضع على حاله في انتخابات العام 2000 التي سجل فيها مصطفى سعد رقماً قياسياً من أصوات الناخبين في صيدا والجنوب حيث حاز على أصوات الناخبين المحسوبين على أمل وحزب الله وأضاف اليها أصوات الأحزاب الوطنية وخصوصا الحزب الشيوعي اللبناني.
تحالف البزري واسامة سعد في الانتخابات البلدية أسقط اللائحة المدعومة من الرئيس رفيق الحريري.
بعد وفاة مصطفى سعد، في العام 2002 قبل انتهاء ولايته النيابية فاز شقيقه أسامة سعد بالتزكية، لأن أحدا لم يترشح احتراما وتقديرا "لزعيم صيدا الوطني". وفي العام 2004 توافق أسامة سعد وعبد الرحمن البزري على تشكيل لائحة موحدة لخوض معركة الانتخابات البلدية في مواجهة اللائحة المدعومة من الرئيس رفيق الحريري، وكانت النتيجة مدوية جدا لدى الحريري وتياره في صيدا بفوز معظم أعضاء لائحة سعد البزري 22 عضوا من أصل ثلاثة وعشرين عضوا.
الحريري ردت الصفعة في الانتخابات النيابية في العام 2009 بايصال السنيورة واسقاط أسامة سعد
انتظرت النائبة بهية الحريري 5 سنوات لاعادة الاعتبار الى مناصريها في تيار المستقبل، وإظهار زعامتها على الساحة الصيداوية، بعد خسارتها في الانتخابات البلدية، وجاء استحقاق الانتخابات النيابية في العام 2009، على قاعدة اعتبار صيدا دائرة انتخابية واحدة ليشكل فرصة ذهبية للحريري، حيث رشحت الرئيس فؤاد السنيورة على لائحتها وحققت معه فوزا ساحقا على منافسها أسامة سعد وباقي المرشحين في صيدا، علما أن الحريري عبرت في مواقفها قبل اجراء الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في 15 أيار الفائت عن ندمها على ترشيح السنيورة على لائحتها في العام 2009 بسبب خروجه عن القرار الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري بالعزوف عن الترشح او المشاركة في العملية الانتخابية الأخيرة، واقدام السنيورة على ترشيح رئيس ماكينتها الانتخابية سابقا يوسف النقيب عن المقعد السني في صيدا من دون التشاور معها أو اخذ رأيها وموافقتها".
أما في انتخابات العام 2018 والتي كانت فيها صيدا وجزين دائرة انتخابية واحدة (دائرة الجنوب الأولى) لم يتمكن البزري من الفوز بعد تحالفه مع ممثل الجماعة الإسلامية في صيدا بسام حمود على لائحة مدعومة من "التيار الوطني الحر". فشل البزري وحمود في صيدا وساهمت اصواتهما بفوز مرشحين للتيار زياد الأسود عن المقعد الماروني وسليم خوري عن المقعد الكاثوليكي في جزين، وسقط فيها المرشح الثاني على اللائحة عن المقعد الماروني أمل أبو زيد الذي فاز به إبراهيم عازار المدعوم من الرئيس نبيه بري.
أسباب وظروف تصدر البزري للمشهد الانتخابي في صيدا وتفوقه على المرشحين في كل اللوائح
من اهم وأبرز الأسباب كان قرار غياب النائبة بهية الحريري عن الاستحقاق للمرة الأولى منذ العام 1992 نتيجة عزوفها عن الترشح وعدم المشاركة تماشيا مع قرار الرئيس سعد الحريري، وما نجم عنه في أوساط كتلتها الانتخابية و جمهور تيار المستقبل في صيدا من ارباك وضياع. وتبين من خلال عمليات الاقتراع وفرز الأصوات ان كتلة وازنة من الناخبين تضامنت مع الحريري ولم تتوجه الى مراكز الاقتراع وقسما آخر اقترع لمصلحة المرشح يوسف النقيب المدعوم من الرئيس فؤاد السنيورة، وقسما وازناً يُعرف بـ"العائلات الصيداوية" اقترع لصالح البزري، على اعتبار انه كان سابقا يؤيد ويدعم النائب السابق المرحوم نزيه البزري. وتردد ان قسما عاد قبل ساعات من انتهاء العملية وتوجه الى مراكز الاقتراع وادلى بصوته لصالح المرشح أسامة سعد.
ومن أسباب نجاح البزري، القرار الصح الذي اتخذه برفضه أي تحالف مع أحزاب السلطة على رغم المحاولات المتكررة التي أجراها معه ممثلون عن حركة أمل وحزب الله، واقناعه بالترشح اقله مع المرشح إبراهيم عازار المدعوم من الرئيس بري. واختار البزري في النهاية التحالف مع المرشح أسامة سعد الذي خاض معه معركة ناجحة في الانتخابات البلدية في صيدا سابقا ومع مستقلين في جزين، كما انه سمع صوت الناس ومزاجهم المندفع نحو التغيير ورفضه لمرشحي رموز السلطة منذ انتفاضة 17 تشرين.
كما اسهم الدور الكبير والمميز الذي لعبه البزري طبياً واجتماعياً في مواجهة وباء كورونا، إلى قربه من الناس، وإبقاء أبواب عيادته وبيته مفتوحة أمام كل مريض وزائر.
كما لعبت الماكينة الانتخابية للبزري والتي أشرف عليها افراد من عائلته والمقربون منه دورا مميزا قبل بدء العملية وطوال يوم الاقتراع. وظهر على الأرض في كل مراكز الاقتراع البالغة 16 مركزا العدد الكبير للمندوبين الذين بلغ عددهم أكثر من ألف و500 شاب وصبية.
بعد تبلغه فوزه وحصوله على أكبر عدد من الأصوات التفضيلية في دائرة صيدا – جزين خرج البزري من منزله المكتظ بالمهنئين وزار ضريح والديه المرحومين نزيه والحجة ثريا وتلا الفاتحة على ارواحهما.
البزري
عبد الرحمن البزري مواليد صيدا عام 1955 متزوج من السيدة زينة حمود ولهما ثلاثة أولاد نزيه، كريم وجلال.
طبيب واستاذ جامعي وباحث علمي في الامراض الداخلية والمعدية
مساعد رئيس قسم الامراض الداخلية -الجامعة الأميركية في بيروت (المركز الطبي)
رئيس اللجنة الوطنية وعضو اللجنة الإقليمية لمكافحة كورونا ( كوفيد 19)
رئيس بلدية صيدا واتحاد بلديات صيدا – الزهراني من العام 2004 الى العام 2010
محاضر في العديد من الجمعيات والمنظمات الطبية العلمية العربية والدولية
باحث وناشر للعديد من الأبحاث والمقالات الطبية
مشارك في حلقات عمل علمية وصحية على مختلف المستويات الدولية مع منظمة الصحة العالمي واليونسف والبنك الدولي ووكالة التنمية الدولية وجامعات محلية وإقليمية وعالمية.