يتوقع اللبنانيون احتداماً كبيراً ينتظر الاستحقاق الحكومي. فريق السلطة يريد العودة إلى ما قبل 17 تشرين 2019 وتشكيل حكومة سياسية، فيما تنادي "القوات اللبنانية" بحكومة أكثرية تحكم وأقلية تعارض استنادا إلى منطق الدستور وروحه، وسط كلام عن مرشح محدد لدى القوى التغييرية. وفيما هناك تخوّف من الدخول في نفق تصريف الأعمال إلى موعد الانتخابات الرئاسية أو أكثر، تنتظر القوى السياسية بـ"فيء" المجلس ريثما تنتهي انتخاباته.
بداية، لا يقيّد رئيس الجمهورية قانون للدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة للاتفاق على شخصية رئيس حكومة، إنّما الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي المتأزم، وعدم الاستقرار الاجتماعي، يحتّم على رئيس البلاد، أن يستعجل الاستشارات للوصول إلى حكومة في أسرع وقت كما يرى الخبير القانوني الدكتور أنطوان سعد لـ"النهار".
رئيس منظمة جوستيسيا للإنماء وحقوق الإنسان بول مرقص، يشرح لـ"النهار" أنه ليس هناك مهلة في النص للدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة، ولم ينص الدستور على ذلك، إنما هنالك مهلة تسمى "المهلة المعقولة"، وهي متعارف عليها في الفقه والاجتهاد الإداري والدستوري، وتعني في ما تعنيه تطبيقاً على الوضع القائم، عدم الإطالة في الدعوة إلى بناء السلطة والإسراع في إجراء هذه الاستشارات بسبب الضرورة الملحة المتمثلة بالوضع الاقتصادي والمالي والنقدي المتراجع بحدّة، مما يضيّق هذه المهلة إلى أقصى الحدود لتقاس بالأيام والساعات.
أجواء الرئيس نجيب ميقاتي تعتبر أن الأمور مرهونة بوقتها. فيجب أولاً انتظار ما ستؤول إليه انتخابات رئاسة المجلس ونائب الرئيس ومكتب المجلس، لننطلق بعدها إلى الدخول في تفاصيل الحكومة المقبلة. وتعتبر أن الرئيس ميقاتي يتابع القضايا بالحدود التي يفرضها تصريف الأعمال، في ظل الأزمة الموجودة في لبنان.
الجو السنّي عموماً ليس بعيداً عن جو الرئيس ميقاتي، فالجميع بانتظار الانتهاء من انتخابات رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس، في وقت، لا أسماء جديدة مطروحة سنيا في الوقت الحالي لرئاسة الحكومة، كما علمت "النهار"، ورؤساء الحكومات أيضاً بانتظار أن تتبلور الصورة بشكل أوضح في الأيام المقبلة.
وقد يكون عدم طرح أي أسماء منذ الآن، ليس استباقاً للاستحقاق بقدر ما هو موافقة ضمنية على استمرار الرئيس نجيب ميقاتي في مهامه، لأن أي تسمية لرئيس حكومة للمرحلة الحالية سيكون امام استقالة لحكومته بعد أشهر قليلة مع خروج الرئيس عون من قصر بعبدا وانتهاء ولايته.
من هنا، تنبّه مراجع سنيّة من خطر الإبقاء على تصريف الأعمال، لأن ثمة مسائل وقرارات على الحكومة اللبنانية ان تحدد مواقفها وقرارتها بشأنها وتتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية المتفاقمة.
كما دعت إلى استخلاص الدروس التي أدت إليها الممارسات السياسية خلال العقد الماضي والتي أدت إلى تفكك وتشرذم قوى 14 آذار، وان يصار إلى إدراك وتفهم خطورة هذه المرحلة.
وفيما تدعو بعض الأطراف إلى إعادة تسمية الرئيس ميقاتي للمرحلة المقبلة، كونه سيكون الحل الوسط بين الخصوم، يشدد "حزب "القوات" على أن المبدأ العام الدستوري والسياسي والوطني والاقتصادي لا يحتمل الفراغ. المرحلة أحوج ما نكون فيها إلى حكومة تستطيع ان تواجه حالة الانهيار، ولا نملك ترف الوقت للإبقاء على تصريف الأعمال حتى 31 تشرين الأول، تاريخ انتهاء مدة ولاية رئيس الجمهورية، خصوصاً أن هناك قضايا تحمل صفة العجلة، ويجب البت بها، كالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإقرار خطة التعافي الاقتصادية، ووضع سبل مواجهة المرحلة المقبلة وتحدياتها.
وفي ظل غياب أكثرية منسجمة مع بعضها، وتناثر هذه الأكثرية بين قوى مختلفة، يستغل "حزب الله" وحلفاؤه تماسكهم، لفرض توازن في التحاصص الحكومي بالحد الأدنى، ولفرض شكل الحكومة بالحد الأقصى. وحمل كلام النائب محمد رعد أكثر من رسالة بهذا الاتجاه، عندما توجه لـ"من يدّعون أنهم يملكون الأكثرية"، بالقول: "إذا كنتم تدّعون أنكم تملكون الأكثرية النيابية نحن سننتظر ولن نستعجل والقصة بضعة أيام وسنرى ما هي أولوياتكم وكيف ستصرفون هذه الأكثرية في السلطة وعندها سنبني على الشيء مقتضاه". والسؤال الذي يُطرح، على ماذا يراهن "حزب الله" في الـ"بضعة أيام"؟
على خط مواز، عادت علامات الاستفهام لتُطرح من جديد بشأن مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا ليل 31 تشرين الأول من عدمه، بعد حديث النائب جبران باسيل عن ربط الاستحقاق الحكومي بالرئاسي، أو النائب جميل السيّد الذي أسدى نصيحة على شكل فتوى لبقاء عون في قصر بعبدا وعدم تسليم صلاحياته الى حكومة تصريف أعمال، على رغم أن دوائر القصر أكدت أكثر من مرة ان عون سيغادر تاريخ انتهاء ولايته.
وفيما يتبرّع باسيل والسيّد بإفتاء استمرار رئيس الجمهورية في القصر، يؤكد مرقص في هذا الإطار لـ"النهار"، أنه ليس ثمة أي مسؤول أو مؤسسة يمكنها أن تمدد ولايتها ما عدا مجلس النواب ولمدة محددة وعلى نحو معلّل.