قرار جريء قام به المحقّق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار. هذا وصفٌ يُجمع عليه الخبراء والمراجع القانونيّون. لكنّ السؤال الأهم، هل يمكن لهذا القرار أن يسلك طريقه إلى التطبيق؟ على ضوء الانقسام الكبير الذي أحدثه في الجسم القضائي، وعلى ضوء البيان الذي أصدره الرئيس غسان عويدات، والذي ذكّر فيه بطلبات الردّ الموجودة ضد البيطار، قائلاً: "حضرة المحقق العدلي المكفوفة يده... يدكم مكفوفة بحكم القانون، ولم يصدر لغايته أيّ قرار بقبول أو برفض ردّكم أو نقل أو عدم نقل الدّعوى من أمامكم". مع الإشارة إلى معلومات وردت عن أن عويدات أبلغ الأجهزة الأمنية المختصّة بعدم تنفيذ أيّ استنابة أو إشارة قضائيّة إلا تلك التي تأتي من خلال النيابة العامة فقط.
نجار
وزير العدل الأسبق إبراهيم نجار يستبعد تطبيق قرار البيطار، معتبراً أننا أصبحنا اليوم في حالة جنون قانونيّ وجنون قضائيّ، مع العلم أنّه يرى أن البيطار اتّخذ قراراً جريئاً بالقانون، وقراره كان معلّلاً، وكَسَر الطوق الذي وُضع فيه منذ أكثر من سنة، وأَطلق نظريات قانونية تستوقف رجال القانون، إنّما كان يُفضّل عدم الدخول في مسألة الادّعاءات، لا بل الذهاب بشكل مباشر إلى تنفيذ إخلاءات السبيل التي يريدها وإصدار القرار الظنيّ فوراً، من دون توسيع "البيكار"، الذي أدّى اليوم إلى تأزيم ملف المرفأ، وعند مَن يعترض على هذا القرار أن يطعن به أمام المحكمة العليا، في المجلس العدلي، فإمّا أن تصدّق قرار المحقق العدلي أو تبطله؛ وإلا فلن ننتهي إلى شيء.
وفي مداخلة عبر "النهار"، يعتبر البروفيسور نجار أنّ "موقف القاضي طارق البيطار حرّك الملف، ولكن كشف عن مدى الانقسام الموجود في مجلس القضاء الأعلى. فما نشهده اليوم انقسام خطير وغير مسبوق في تاريخ لبنان"، معتبراً أنّ "الحل الوحيد هو من خلال تعيين رؤساء غرف محكمة التمييز، إمّا بالوكالة أو بالإنابة أو بالتكليف للنظر في قضيّة ردّ القاضي البيطار".
ويرى أنه من المبالغة القول إنّه لا يمكن ردّ القاضي فيما نحن أمام محكمة استثنائية؛ وبالتالي، هذه المحاكم لا وجود فيها لأيّ طريق من طرق المراجعة. فهل بات المحقق العدلي "الله" لكي لا نستطيع ردّه؟
ويأسف نجار لأنّ الطريق مسدود، ونحن على عتبة عدم إحقاق الحق، وهذا يفتح المجال أمام المحاكم الخارجية، والتدخّل القضائيّ الدوليّ. لذا، إذا حصل والتأم مجلس القضاء الأعلى بـ"عجيبة ما"، على الرغم من كلّ الانقسامات، أدعوه إلى تأليف هيئة كاملة الأوصاف للهيئة العامة لمحكمة التمييز، للنظر في موضوع الردّ".
صادر
القاضي شكري صادر بدوره يرى أنّ الحلّ حالياً، بعد بيان الرئيس عويدات، أن يعمد القاضي طارق البيطار إلى إصدار قراره الظنيّ، وللباقين حريّة الطعن بالقرار.
ويوضح لـ"النهار" بأن قرارات قاضي التحقيق العدلي الذي قرّر إعادة وضع يده على الملف غير قابلة للطعن ولأيّ طريق من طرق المراجعة. بغضّ النظر عن قانونية عودته أم لا، وبالتالي فإنّ قرارات الاستدعاء لا يُمكن الطعن فيها. والجهة الوحيدة المخولة قانوناً النظر بها هو المجلس العدلي.
التوقيت؟
فيما كان بإمكان القاضي بيطار أن يقوم بالمبادرة التي قام بها منذ 3 أشهر، فإن عدّة أسئلة تُطرح، هل عطّل الرئيس عويدات انتفاضة البيطار وهدأت الجبهات القضائية والسياسية؟
وإذا لم يكن ممكناً إحقاق الحق من وراء خطوة البيطار، فلماذا خطا خطوته من دون حساب؟ ولماذا لم يتفادَ مسألة الادّعاءات، فيما لو اكتفى بإخلاءات السبيل وإصدار قراره الظني لما حصل هذا الانقسام الحادّ اليوم، ولما بدأ الحديث عن انعكاس سلبيّ ينعكس على الاستقرار الأمني والسياسي.
وزير العدل
لكن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري وجّه كتاباً إلى مجلس القضاء الأعلى بشأن التطورات الأخيرة على صعيد قرار المحقق العدلي معاودة عمله، وبشأن القرارات التي أصدرها، مستبقاً اجتماع مجلس القضاء الذي سيناقش ذلك في الاجتماع المقرّر غداً مضمون هذا الكتاب.