أثّرت الأزمة الاقتصادية الكبيرة، التي يعاني منها لبنان، في الأشخاص ذوي الإعاقة بالدرجة الأولى، فبقيَ وضعهم لسنوات "تعيساً" جداً، بسبب غياب أي موازنة خاصّة بهم، يُمكنها أن تُجبر الوزارات المعنيّة على وضعهم ضمن سلّم أولويات مشاريعها؛ لذلك بات هؤلاء أكثر الفئات الاجتماعيّة تهميشاً واستبعاداً، وواجهوا تحدّياتٍ كبيرة للحصول على أدنى حقوقهم.
"بصيص" أمل صغير أطلقته وزارة الشؤون الاجتماعية منذ فترة قصيرة بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي واليونيسف ومنظمة العمل الدولية يُدعى "برنامج البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة"، ويسعى إلى
إفادة نحو 20 ألف شخص من عائداته، وهدفه تقديم دخل مباشر قيمته 40 دولاراً أميركيّاً عبر OMT لفترة 12 شهراً على الأقلّ. سيستهدف هذا البرنامج في مرحلته الأولى الشباب والشابات ذوي الإعاقة، الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ18 عاماً والـ28 عاماً (مواليد 1995- 2005)، لدعمهم على الانتقال إلى التعليم العالي أو الانضمام إلى سوق العمل.
لكن العبرة التي ينظر إليها الجميع من المعنيين بهذا المشروع هي "استدامته"، وتوسيعه، ليمتدّ نطاقه فيشمل عدداً أكبر من المستفيدين.
فالمبلغ الذي تمّ تحديده بناءً على المؤشّرات الاقتصادية اللبنانية والدعم الأوروبي يبلغ 20 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، فيما تقوم اليونيسف ومنظمة العمل الدولية بالتوجيه التقني والعملي.
وبحسب الاختصاصيّة في السياسة الاجتماعية لليونيسف ياسمين إبراهيم، سيتمّ تقييم حُسن سير هذا البرنامج على مدى سنة كاملة، مع تحديد أثره الإيجابي على الأشخاص ذوي الإعاقة. ثم يجري تحديد كيفيّة إطالة أمد هذا البرنامج ليُصبح مستداماً، مع فتح الباب أمام فئات عمريّة جديدة للاستفادة منه، في الوقت الذي يتمّ العمل من جهة أخرى مع وزارة الشؤون لإيجاد تمويل لهذا البرنامج من ميزانية الدولة، عبر درس صرف الموازنة بطريقة فعّالة. وفي مرحلة لاحقة سيسير هذا البرنامج على طريق "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً"، و"برنامج أمان"، ليصبح جزءاً من نظام المساعدة الاجتماعيّة الوطنيّ.
"اليونيسف": الأشخاص ذوو الإعاقة هدف للتهميش
تلفت إبراهيم في حديث لـ"النهار" إلى أن البرنامج الذي أطلق في نيسان الماضي حقق إفادة ملحوظة لنحو 14 ألف شخص فيما لا يزال التسجيل جارياً؛ وكلّ فرد لديه بطاقة "معوّق" صالحة من الوزارة يستطيع أن يستفيد منه. لكنّ الشخص الذي لا يجد بطاقة لاستعمالها عليه الاتصال بالوزارة لتوجيهه نحو تجديدها بالطريقة المناسبة.
وعن نظرة "اليونيسف" إلى وضع الشخص ذي الإعاقة في لبنان، تابعت إبراهيم القول إن هذه الشريحة تتعرّض كثيراً للتمييز والتهميش وسوء المعاملة بسبب النظام القائم، خصوصاً بالنسبة إلى النساء والفتيات.
وتشير التقديرات إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة يتكبّدون تكاليف إضافيّة تزيد بنسبة تتراوح ما بين 35 إلى 40 في المئة مقارنةً بالأشخاص الغير معوّقين، وهم أكثر عرضة لخطر الفقر والضعف الشديد، وهذه الحقيقة عزّزتها الأزمة الحالية في لبنان وجعلتها تتفاقم بشكلٍ واضح.
ولفتت إبراهيم إلى أن هذا البرنامج ليس سوى خطوة أولى على طريق العمل من أجل إعطاء هذه الشريحة ذات الاحتياجات الخاصة حقوقها، وصولاً إلى دمجهم في المجتمع والمدارس، ضمن بيئة حاضنة من جهة، وتمكين الوزارة وبناء قدراتها "المُمكننة" لاستكمال البرنامج من جهة أخرى.
هل يتعارض هذا البرنامج مع البرامج "الاجتماعية" الأخرى؟
تعاني وزارة الشؤون من وضع حَرج بفعل الأزمات المتتالية في البلد، لا سيّما بسبب عدم تخصيص موازنة وسيولة لها، وبسبب انهيار الليرة، حتى وصل الأمر إلى غياب المستلزمات الأساسية واللوجستية، ممّا أجبرها على توقيف خدماتها منذ عام 2021، بحسب مديرة "برنامج تأمين حقوق المعوقين" هيام فاخوري، التي ذكرت أن هذا البرنامج وصل جاهزاً إلى الوزارة بشروطه كافة مع المبلغ المحدّد، ممّا اضطرّ الوزارة بدورها إلى تحديد الفئة العمرية.
ولاحظت أن هذا البرنامج لا يتعارض مع البرامج الأخرى، بل هو مستقلّ تماماً، ولا عوائق أمام تنفيذه لكون "اليونيسف" أزالت 95 في المئة من المشكلات التقنيّة واللوجستيّة وغيرها.
فالمشكلة ليست في تطبيقه بل في استدامته - تتابع فاخوري -، ويجب أن تصدر سلسلة تشريعات لتأمين رعاية خاصّة لهذه الشريحة من المجتمع، وأن يصبح هذا البرنامج "وطنياً" ضمن معايير مختلفة؛ فالـ40 دولاراً لا تُلبّي أدنى حاجاتهم، ولكنّها بداية طريق نحو حلول أكثر فاعلية واستدامة.
في مطلق الأحوال، لا يمكن أن يكون هذا المشروع سوى واحد في المئة من المشاريع التي على الدولة أن تبادر وتتّخذ قرارات مناسبة بشأنها، لإعطاء الأشخاص ذوي الإعاقة الحق الكامل في حياة كريمة.
فمفهوم الدعم النقدي لا يلغي الدعم الأساسي لهذه الشريحة، كتعويض البطالة، الضمان الاجتماعي، الشيخوخة، بدل النقل، وغيرها من البنود التي تحتاج إلى المعالجة.
وتؤكد رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيّاً سيلفانا اللقيس أن هذا لا يعدّ حلّاً بالطبع إلا أنه مهمّ بعد أن كان الدعم الماديّ غائباً عن الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى كون هذا الدعم موجّهاً مباشرة إلى الفرد المعوّق وليس إلى المؤسسات أو العائلات.
ووصفت عبر "النهار" وضع هذه الشريحة بالكارثي في لبنان، مؤكّدة أنها على هامش "أجندات" الدولة، فبدل أن تكون الوزارات كلّها معنيّة بهذا الملف، نجد إهمالاً لم يعد باستطاعة أحد تحمّله.
ضحايا انفجار مرفأ بيروت دفعوا الثمن
تؤكّد اللقيس أن وزارة الصحة مثلاً لا توفّر التغطية الصحيّة للأشخاص ذوي الإعاقة في ظلّ هذا الغلاء، وعدم توافر الأدوية، حتى أن المصابين في انفجار مرفأ بيروت، والذين تعوّقوا بسببه لم يتلقوا العلاج الكامل بعد، فيما البعض توفّوا بسبب حرمانهم من الخضوع للعلاج المطلوب، ودفعوا وعائلاتهم ثمناً باهظاً.
وحذّرت اللقيس من انتفاء موضوع "الإعاقة" من جدول الوزارات وأولوياتها، مشدّدة على أنّها حتّى السّاعة لم تُعطَ سوى التمنّيات فيما تبقى الإنجازات محصورة بنماذج صغيرة جدّاً.
"وهناك فرصة مهمّة اليوم، تكمن في تفعيل الاتفاقيّة الدوليّة الخاصّة بالأشخاص ذوي الإعاقة التي صدّق عليها لبنان منذ نحو 4 أشهر، والتي تهدف إلى إلزام الدولة بجعل كلّ المرافق دامجة بمعايير دقيقة، إلا أنّها موضوعة اليوم في الجوارير بسبب المشكلات السياسية وغياب رئيس للجمهورية"، تقول اللقيس.
رقم المركز الخاص ببرنامج "البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة": 727470 4 00961