خلال حفل بمناسبة فعاليات "بيروت عاصمة الإعلام العربي 2023"، أُطلِقت اليوم "وثيقة بيروت"، برعاية وزارة الإعلام.
وخلال الحفل، أكد وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري أنّه "نريد للاحتفال أن يكون طاقة فرج وأمل وباباً لعودة المياه اللبنانية العربية إلى مجاريها الطبيعية"، لافتاً إلى أنّ "بيروت عاصمة الإعلام العربي مناسبة لتظهير عروبتنا وتطهيرها من شوائبها، ولذلك أُطلِق نداء الى كل أشقائنا العرب لتكون هذه السنة سنة الانفتاح العربي بين عواصمنا العربية ولنجعل شعارها ثقافة تجمعنا لا جهلا يفرقنا".
وأضاف: "نريد إعلاماً هادفاً يُناصر القضايا العربية وينتصر لها، إعلاماً يسلّط الضوء على السلام لا على الحروب، إعلاماً ينتصر للانسان وللنساء وللأطفال والشباب، ونريد إعلاماً ينشد ثقافة الانفتاح ويغلق الباب على الانعزال".
وتهدف "وثيقة بيروت" إلى تحديد الرؤية اللبنانية لوظيفة الإعلام ودوره وأغراضه، والتذكير بمسلّمات مهنية انطلاقاً من فعالية "بيروت عاصمة للاعلام العربي 2023"، وتأسيساً على مبدأ الإيمان بالحريات العامة.
ويُؤمل أن تكون هذه الوثيقة خريطة طريق محلية سقفها مبادئ وأخلاقيات العمل الصحافي والاعلامي التي منها ينبري كل قلم، ويصدح كل صوت، وتسطع كل صورة، ومنها نُذكّر بحقوق وواجبات الإعلام في وطن الاشعاع.
وتوخيّاً للمواءمة بين النظرية والتطبيق، ارتأى واضعو الوثيقة تسطير مبادئ عريضة كتوصية يمكن الاسترشاد بها في فضاء الإعلام الوطني، مرتكزين على شرعة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنها تتفرع الحقوق كلها، سواء المتصلة بالأفراد أو بالمهن، واستتباعاً بالمقاربة الإعلامية المتوخّاة.
لا يفوّت المجتمعون أن القضايا الجوهرية، مهما بلغت أهميتها، تبقى قاصرة عن إدراك هدفها ما لم يرفع الإعلام لواءها وينطق بأحقيتها ويسارع الى تبنيها واستنقاذها من اليُتم.
وتعتبر الوثيقة الحاضرة أقرب إلى حجر الزاوية لإعادة تشكيل الإعلام وفق التطوّرات المجتمعية والثورة الرقميّة، دون المساس بالثوابت المرتكزة على المهنية وصوت الضمير ولغة العقل وانعكاس الواقع، وحرية الرأي قولاً وكتابة كما نص عليه الدستور اللبناني.
أبرز مبادئ "وثيفة بيروت":
أولاً- حرية التعبير:
هي حريّة صانها الدستور اللبناني، وعزّزتها مناخات الحريّة والديموقراطية والانفتاح في لبنان منذ فجر استقلاله، نريدها دائمًا حريّة مسؤولة لا متفلّتة، جامعة لا مُفرّقة، حامية للمجتمع لا فتنوية، مساندة للفكر لا قامعة، ناصرة للحق لا صارخة بالباطل، موحّدة باسم الضمير والمهنية، لا شاهرة سيفاً ضد الآخر.
من هذه المنطلقات، نأمل مشاركة الأشقاء العرب من خلال "وثيقة بيروت"، هذه القيم لإنعاش عمقنا العربي، وتعزيز دور الاعلام المسؤول، لحفظ مجتمعاتنا وأمننا القومي، ونبذ كلّ خطاب فتنوي، عنصري، أو محرّض على العنف.
ثانياً- التطوّر الرقمي:
في عصر الإعلام التقليدي، تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، ومع الثورة الرقمية والتطور الرقمي والذكاء الاصطناعي، تحوّل العالم إلى بيتٍ صغير، فما عاد شيء يُخفى، ولا أمر يُحجب، ولا خبر يغيب. ما كان خيالاً قبل عقود صار واقعًا، ما يُحتّم رفع منسوب المسؤولية للحاق بسرعة معلوماتية تفوق سرعة الصوت بأضعاف.
نُريد لـ"وثيقة بيروت" أن تؤسّس لمشروعٍ مهنيّ احترافيّ أخلاقي، يواكب هذه الثورة التي تخطّت كلّ الحواجز، وكسرت كلّ المحرّمات، فنفيدُ من الجسور التي شُيّدت في العالم الافتراضي، لنحمي عالمنا الواقعي، ونعزّز الحريّة والمسؤولية معًا. فنشجّع لغة التسامح والحوار، ونعزل لغة القدح والتهشيم ونبذ الرأي المُختلف.
ثالثاً– حقوق الإعلاميين:
حين نُطالب الإعلامي باحترام واجباته المهنية والأخلاقية، علينا أن نوفّر له حقوقَه في الحريّة والوصول الى المعلومات وحريّة التنقل ونقل المعلومة دون خوف، والضمان الصحي والراتب التقاعدي والأجر اللائق، والحماية الشخصية والقانونية، وحريّة التنقّل ونقل المعلومة دون خوف. كيف لصحافي أن يكرّس حياته باحثا عن الحق، وهو محروم من حقوقه؟ كيف له أن يناضل لنصرة الناس، وهو قد يعاني أكثر مما يعانيه مَن يوصل أصواتهم؟
المسؤولية في هذا المقام مثلثة الأضلع: نقابات تُحصّن وتدافع، تشريعات تحمي وتحاسب، ومؤسسات تعدل وتعطي الصحافي حقّه.
رابعاً- مراعاة الخصوصيات:
تحصيناً للعلاقات العربية الاعلامية، واحتراماً لخصوصيات الدول العربية الشقيقة والصديقة، وحرصاً على التمايزات والتنوع، نسعى للمساهمة في تقوية الجسور القائمة بين دولنا، وتشجيع لغة الحوار والتلاقي والتكامل، ونبذ لغة التحريض والكراهية والعنف.
خامساً- تعزيز كليات الإعلام:
تبدأ المهنية وشرعة الاعلام والحقوق والواجبات في جامعات وكليّات الاعلام، فهي التي تُؤسّس للفكر النظيف، والمهنيّة الحقيقية، والكلمة الصادقة، والمعالجة الأخلاقية. هذا يتطلّب تطوير هذه المؤسسات التعليميّة وتجهيزها وتعزيز قدراتها البشرية والتقنيّة، لتخريج إعلاميين يرفعون راية المهنة عالياً ،ويدافعون عن الحق ويواكبون العصر لغةً وتكنولوجيا ومضموناً جاذباً ومفيداً.
سادساً- رفض التمييز ومكافحة الأخبار الكاذبة:
صوناً لمبادئ المساواة وضنّا بكرامة الإنسان، يجد الإعلام نفسه في حرب دائمة على كل أشكال التمييز العنصري والتعصّب، وفي دفاع مستميت عن حق الشعب في تقرير مصيره، وحماية حرية الأفراد وكرامتهم، وذلك من خلال إتاحة فرصة التعبير وحق النشر للجميع، من دون قيود مجتمعية أو عرقية أو طائفية، طبقاً لما تمليه الموضوعية الإعلامية.
سابعاً- الإعلام ونُصرة القضايا العربية:
لأسباب كثيرة، تراجعت صورة العرب في الغرب والشرق، وبات بعضُ العرب يخجلون حتّى بلغتهم. هذه مسؤوليتنا جميعًا حتّى ولو كانت خلف عمليات التشوية مؤامرات كثيرة حُبكت في الغرف السوداء، ولا شكّ في انّ الاعلام يُشكل الوسيلة الفُضلى في عصرنا، لتحسين الصورة، وإظهار الحقيقة، وردّ الباطل، وحماية لغتنا الأم، وإعادة الاعتبار لتاريخنا وحاضرنا، ومواكبة العصر، وهذا يتطلب نشاطات عربية جامعة، تهدف الى تعزيز التعارف بين الإعلاميين العرب، وإقامة ورشات عمل مشتركة، وتبادل الخبرات، وتكامل المعارف، وتخصيص جوائز للمبدعين في الدفاع عن حقوقنا، والدفاع عن القضايا المُحقّة، وفي مقدمها القضية الفلسطينية وحق اللاجئين والنازحين بالعودة إلى أرضهم في فلسطين وسوريا.
ثامناً- الإعلام والثقافة:
لا شيء يُدمّر المجتمعات أكثر من انعدام الثقافة والأخلاق، ولا شيء يساهم في بنائها ورفعتها أكثر من الثقافة والأخلاق. فالثقافة توأم الحضارة ومرآة الشعوب. من هنا ضرورة إيلاء الإعلام التثقيفي ركناً خاصّاً وبارزاً في كل وسائل إعلامنا، عبر سياسة إعلامية تعلي شأن المحمول الثقافي لدى المتلقي وتطوّر التفاعل بين الأفراد والجماعات.
ويحسُن أن يولي إعلامنا قضايانا البيئية والصحية والعلمية والتكنولوجية والثقافية والسياحية والتربوية اهتماما دائما، فيضيء على كل ما يوسّع مدارك المواطن ويبسّط له ما قد يبدو معقّدا من مصطلحات ومفاهيم في مجالات شتى وملفات مختلفة.
تاسعاً- الأرشيف والتشريعات:
يُمثّل الأرشيف ذاكرة الشعوب وإرثها ووجدانها، لذا وجب الاهتمام بتاريخ الصحف القديمة و المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية القائمة على كنوز من الوثائقيات والبرامج والصور والأعمال الفنية القيّمة. وكذلك تطوير التشريعات الراعية لقانونية المؤسسات والصحف والمواقع الإلكترونية وحقوق الملكيّة.
عاشراً- تعزيز الصحافة الاستقصائية:
في عصر كثُرت فيه الجرائم البشرية والالكترونية، وتشعبت فيه الملفات وتداخلت القضايا، لا بد من تعزيز علم الصحافة الاستقصائية ورفده بكل ما يمكّنه من الإحاطة الوافية بالقضايا ذات الصلة.
الحادي عشر: الملكية الفكرية للإعلاميين:
الاعلام صاحب فكر ثاقب، وفكر لا يستولده إلّا كل حصيف عليم بعواقب الأمور. تأسيساً على هذا، من الواجب حماية حق الملكية الفكرية لكل إعلامي، وسنّ التشريعات الضامنة لعدم التهاون في أي سرقة أدبية قد يتعرض لها أي إعلامي في ما ينشر.