ربما هي ليست الصفعة الأولى التي يتلقاها "نواب التغيير"، لكنها أتت من عقر دارهم وعلى مستوى مختلف. لم يمر كلام النائبة سينتيا زرازير مرور الكرام. هو كلام مسرّب، ليس بحديث رسمي او علني، لكنه سُرّب... وهذه علامة الاستفهام الأولى.
كانت مفاجأة لهم، لئلا نستعمل كلمة " صاعقة" نزلت على رؤوس "نواب التغيير"، أو زملاء سينتيا، فبادر بعضهم الى رد مضاد منفرد، لاسيما مَن تناولتهم بكلامها، قبل ان يصدر بيان جماعي موحد وموقّع من النواب إياهم.
ربما لانهم ادركوا خطورة الكلام وتداعياته، فهي المرة الأولى التي توجه السهام الى نواب، من قلب البيت، في شأن مواضيع تلامس المال والشبهات وبعض الممارسات التي لا علاقة لها بموقف سياسي من خارج السرب، او بإعلان خطوة ما لم تلقَ اجماع الكل. هذه المرة، الكلام لم يتناول أداء سياسيا معينا بل لامس شؤونا اقرب الى الفساد وبعض الأداء العملاني والسلوكي...
كل هذا كان له حجمه وتداعياته على النواب - الزملاء. فكان البيان - الرد بمثابة إعادة الأمور الى نصابها، وعدم الانزلاق المباشر الى الاتهامات، انما من دون السكوت عنها بالمطلق، مع تشديدهم على ان "المعركة الحقيقية هي في مكان آخر".
غالبية "نواب التغيير" رفضوا التحدث، او إعادة التحدث عن الموضوع، مكتفين بالبيان الجامع الذي صدر. هم عبّروا لـ"النهار" عن انزعاجهم الكبير من الكلام، وتحديدا من محتواه الذي "لا يمتّ الى الحقيقة بصلة"، كما قالوا.
في البيان الجامع، اكدوا ضرورة "التزام الدفاع عن حقوق شعبنا والعمل لتحقيق الإصلاح والإنقاذ لخلاص وطننا رغم كل تحدٍ، ولو من عقر دارنا".
"محض افتراء" هي العبارة التي ترددت على لسان اكثر من نائب تغييري. لا يريدون "الانجرار" اكثر في المواقف او التصريح العلني، بل هم يطالبون زرازير أولا بالاعتذار، ويؤكدون ثانيا ان "كل الكلام مفبرك ومعروفة غاياته، وحتى مصدره ومن يعمل على "انتاج وإعداد" هكذا سيناريوات"، وان "زرازير انزلقت عن قصد او عن غير قصد الى هذا المستوى وصدّقت ما يشاع".
"لا يصدق!"
هو ليس الموقف الأول لزرازير الذي يشكل مفاجأة، ففي مرة سابقة قالت انها ستدخل مجلس النواب بمسدس. ومرة، كشفت ما تتعرض له من تنمّر وما شابه داخل البرلمان. لكنها المرة الأولى التي توجه سهامها الى زملاء لها من التوجه نفسه.
النائب ميشال الدويهي يعلّق لـ"النهار": "لن ارد. ولن اتحدث مجددا في الموضوع. انا منزعج . الشعب اللبناني في مكان آخر، وهمومه ومشاكله لا يمكن ان تقاس بهذا الدرك الذي وصل اليه البعض".
الدويهي كان رد منفردا على زرازير وطالبها باعتذار، خلال يومين، لانه اعتبر "اعتذارها الخجول" لا يوازي الإساءة الكبيرة التي تضمّنها كلامها. يقول: "انا اعرف ان كل من يتعاطى الشأن العام يمكن ان يتعرض لشائعات او افتراءات، لكني لا اصدق، ولم اصدق انه يمكن ان يصل الى هذه الدرجة".
ويتابع: "انا استاذ جامعي منذ زمن، ومعروف كيف اعمل وماذا اعمل. ولن انجرّ اكثر".
وكان الدويهي أعرب في رده عن "تخوفه من ان يكون بعض النواب بسلوكياتهم ومواقفهم غير المسؤولة يسدون اكبر خدمة للمنظومة عن قصد او غير قصد (...)"، وان موقفه معروف عن المصارف ومسؤولياتها منذ بداية الازمة.
خطوات جديدة؟
واذا كانت الأمانة العامة لمجلس النواب ردت بدورها على زرازير، ودافعت عن "أداء موظفيها الإداري والقانوني والأخلاقي والمسلكي"، فان النائبة المعنية لم تعتذر حتى الساعة، وثمة عدد من "نواب التغيير" لا يزالون ينتظرون ذلك.
لم يأتِ كلام زرازير الأخير يتيما او منفردا، بل كأن ثمة سياقا لفرط عقد "التغييريين"، منذ اللحظة الأولى لانخراطهم ضمن تكتل واحد. فهذا التكتل لم يصمد طويلا، وكانت التباينات من داخله سرعان ما تخرج الى العلن، بعد كل اجتماع او جلسة. انما لطالما كانت هذه التباينات محددة السقف او مضبوطة، تحت شعار "التنوع والديموقراطية وحق الاختلاف". وعند كل استحقاق، بانت الاختلافات، لاسيما بعد اطلاق المبادرة الرئاسية، وفشل النواب الأعضاء في الاتفاق على مرشح رئاسي واحد، فتنوعت أسماؤهم واختياراتهم في صندوق الاقتراع، خلال 11 جلسة انتخاب رئيس للجمهورية.
من هنا، قد لا تكون ثمة خطوة جديدة لـ"نواب التغيير" بعد ضربة زرازير، سوى اصرارهم جميعهم على ان تعتذر. ما عدا ذلك، فهم أصلا لا يجتمعون دوريا في قالب تكتل واحد، حتى ان بعضهم يتوزعون على اكثر من خط سياسي او جهة، وبعضهم الآخر يرفضون التحدث باسم "نواب التغيير"، ومنهم النائب وضاح الصادق الذي اكد لـ"النهار": "أتكلم باسمي الشخصي، وانا من بين نواب المعارضة".
ويُستشفّ من كل ذلك انه لن تكون هناك أي خطوة جديدة موحدة في هذا السياق. فالمشارب المختلفة التي أتى منها هؤلاء، جعلتهم حكماً لا ينخرطون ضمن "قالب كتلوي واحد موحد"، والامثلة عديدة.
في خطوة الطعن الذي قُدم أخيرا حول التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، ثمة طعنان يتضمّنان تواقيع "نواب التغيير".
وفي الموقف الموحد لبعض نواب المعارضة من المناورة الأخيرة لـ"حزب الله"، برزت أيضا تباينات في صفوف"نواب التغيير" حولها.
وفي خطوة الاعتصام الأخير للنائبين ملحم خلف ونجاة صليبا، لم يكن ثمة تنسيق ابدا بين النواب، حتى ان النائب مارك ضو لم يخفِ امتعاضه علنا من عدم التنسيق المسبق مع صليبا في هذه الخطوة، الا ان "الالتزام الأخلاقي تجاه خطوة مماثلة كخطوة الاعتصام، لم تظهّر التشرذم او الانقسام".
منذ زمن "انفخت دفّ نواب التغيير وتفرقوا"، انما ان يساهموا هم انفسهم في " نشر غسيلهم"، فذلك اكثر من معبّر. وما هو بالفعل مؤسف، ان معركة عدد من "نواب التغيير" هي بالفعل معركة جدية وصادقة ضد الفساد واللا- عدالة ومع العيش الكريم للمواطن، والدولة السيدة الحرة المستقلة، فلِمَ أُعطيت لذة الشماتة هدية للخصوم؟