النهار

عن الأثمان التي سيدفعها أو يقبضها "التيار الوطني الحر" من الاتفاق مع المعارضة
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
عن الأثمان التي سيدفعها أو يقبضها "التيار الوطني الحر" من الاتفاق مع المعارضة
تجمّع لمناصري "التيار" في بعبدا (أرشيفية - نبيل اسماعيل).
A+   A-
يتجه "التيار الوطني الحر" إلى الاتفاق مع المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور إلى رئاسة الجمهورية، عبر إعلان رسمي وبشكل واضح، يجلي الالتباسات التي تركها بيان اجتماع تكتل لبنان القوي الأخير الذي جاء مبهماً لجهة تبني الترشيح والاتفاق وترك الباب مفتوحاً للاجتهادات.
 
هذا الإعلان يفتح مرحلة جديدة في تاريخ "التيار"، إذ يكرّس الخلاف مع "حزب الله" بعد تحالف طويل معه منذ عام 2006، فهي المرة الأولى التي يجري فيها الافتراق استراتيجياً بين الفريقين، في حين كان الاختلاف في السنوات الماضية تحت السقف أو في رؤى اقتصادية وملفات داخلية لا تفسد في الود قضية.
 
بالطبع، يرتب القرار بالانفصال عدداً من التبعات منها الإيجابية ومنها السلبية، وستؤثر على "التيار" في حال بقي الخلاف إلى زمن ليس بقليل. ومن هنا يأتي السؤال: ماذا يجني "التيار الوطني الحر" أو رئيسه من هكذا خطوة؟
 
يقرأ مؤيدو هذه الخطوة عدداً من الإيجابيات المهمة التي سيحصل عليها "التيار" ورئيسه جرّاء هذه الخطوة، أولاها إعادة تعويم نفسه على المستوى المسيحي، هذه البيئة التي ضعف فيها إلى حد كبير بعد أن كان من المهيمنين عليها، وهو عاد وتصدّر معاركها منذ مدة من الزمن، بدءاً بموضوع "الساعة" إلى ملف الأملاك البحرية حين رفض خطة الحكومة، إلى ملف الوكالات الحصرية الذي خاض نواب التيار معارك عنيفة للتخفيف من تبعاته. فعلاقاته مع مجموعات الضغط المسيحية والمؤثرة كثيراً تدهورت بشكل كبير وخصوصاً أن هذه الفئات تحمّل "حزب الله" مسؤولية الانهيار نتيجة الحصار الدولي، والحديث عن جماعات الضغط يتخطى رجال الأعمال إلى الكنيسة والمؤسسات التربوية والصحية والجامعات والمصارف وأصحاب المؤسسات وغيرها. وهذه الجماعات لها حضورها وتأثيرها الكبير جداً على البيئة المسيحية، بالإضافة إلى ظهوره حريصاً على وحدة طائفته وحمايتها، ومقدم التضحيات في سبيل هذه الوحدة
 
الأمر الثاني، إعادة تظهير صورة "التيار" الأساسية المناضلة المتمردة السيادية، التي ترفض الخضوع، وإعادة المشهد إلى الزمن الجميل، أيام كانت تمتلئ السجون بمناصري "التيار" رفضاً للمسّ بالسيادة. وكانت هذه الصورة قد اهتزّت بشكل كبير بعد التحالف الطويل مع "حزب الله"، وأصبح الناس ينظرون إليه كأحد توابع الحزب، وهذه الصورة تدغدغ عدداً كبيراً من الحردانين والمبتعدين عن "التيار"
 
وعلى الرغم من الهجوم السابق على حكومة فؤاد السنيورة ووزير ماليتها جهاد أزعور والاتهامات التي وجهت إليه عبر "الإبراء المستحيل"، إلاّ أن باسيل لا يجد حرجاً في شخص جهاد أزعور الذي يعتبره أنه كان عادلاً وحافظ على علاقات مع "التيار" طيلة الفترة السابقة، وبقي يزور العماد عون على الرغم من الهجمات عليه وعلاقته مع أعضاء التيار ممتازة.
 
الأمر الثالث، يرمم رئيس "التيار" صورته أمام الشباب اللبناني الذي انتفض في السنوات السابقة، وكان هدفه الأساسي جبران باسيل، ليعود بصورة المتقارب معهم والمتنازل، ويؤدي خطوة نحو إعادة قبوله كشريك في القرار المصيري بعدما كان مجرد الحديث معه مرفوضاً.
 
والأمر الرابع والأهم هو رسائله نحو الخارج والعرب، وتقديم نفسه على أنه ليس أداة لـ"حزب الله" بما يفتح المجال لإعادة علاقاته العربية والغربية وربما إسقاط العقوبات عنه، وإراحة مناصريه في الخارج الذين يتعرضون لضغوطات وتضييقات. في النهاية، ما زال جبران باسيل شاباً والمستقبل أمامه ولا يستطيع ضمان استمراريته كشخصية معاقبة دولياً لا تتمكن من التحرك ومحصورة في دول معاقبة دولياً
 
هذا على مستوى الإيجابيات، أما السلبيات فيختصرها المعارضون بعبارة واحدة هي خسارة "حزب الله". ويعقبّون أنها تبدو للوهلة الأولى خسارة، لكن الدخول في تفاصيلها سيظهر "كارثة". فالحزب الذي خاض جميع معارك "التيار" من إيقاف حكومات كرمى لعيني جبران باسيل، إلى عرقلة رؤساء الحكومة بأثلاث وأكثريات وحكم وتعيينات ومراكز إدارية، لن يجد من يخوضها هذه المرة عنه، وطبعاً لا القوات ولا غيرها سيخوضونها عنه، ولن يجد من يوقف الرئاسة سنتين ونصف السنة للإتيان به رئيساً كما فعل الحزب مع ميشال عون. كما لن يجد من يعزز حضوره السياسي بمقاعد نيابية تعطى كهدايا كما في السابق.
 
ويشيرون إلى أن باسيل يدرك جيداً أنه في زمن التغيرات والتقاربات والتسويات ذهب إلى مكان آخر ومعاكس، أي في زمن القوة ذهب باسيل للوقوف مع الخاسر وهذا غير مفهوم حتى اللحظة.
 
ويؤكدون أن باسيل لم يسبق أن خاض السياسة العميقة بمعزل عن دعم الحزب، وكان يخوض معاركه مستنداً إلى قوة كبيرة لا تجادله ولا تناقشه بل فقط تدعمه، أما في زمن الافتراق، فالأمور مختلفة ولن يخوض أحد معارك أحد.
 
وعن حاجة الحزب إلى شريك مسيحي بشكل عام، تشير مصادر مقربة من الحزب إلى أنه ما قبل الـ2006 كان "جميع المسيحيين ضدنا، ومن دون التقليل من أهمية الحاضنة المسيحية، وحاجة الحزب لها في فترة من الفترات وهي ساعدته في كثير من الخطوات، إلّا أن ما كان يصح في الـ2006 لا يصح اليوم لناحية الحزب وحضوره الإقليمي أو على الصعيد الداخلي، بحيث لا خلاف مع السنة أو الدروز، بل إن العلاقات في أفضل أحوالها ولا نشعر بأي حصار في الداخل".

اقرأ في النهار Premium