النهار

"لقاء خلدة"... رسائل السياسة والمكان فوق الأحكام
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
"لقاء خلدة"... رسائل السياسة والمكان فوق الأحكام
النائب ميشال معوض في خلدة.
A+   A-
اختلف المشهد الأخير في خيمة العشائر العربية في خلدة عمّا كان عليه سابقاً، أي منذ توالي الأحداث التي بدأت في عام 2020، لحظة مقتل الفتى حسن غصن، وما تبعه من أخذ بالثأر وقتل القيادي في "حزب الله" علي شبلي واشتباكات وقطع طرق، فالوجوه والشخصيات التي كانت حاضرة عكست اختلافاً في المشهد وتساؤلات.
 
يتفق الجميع على أن قضية أحداث خلدة باعتباراتها أبعد من أن تكون قضائيّة محضة، وحلّها يقتضي معالجة مسبّباتها كافة عبر رزمة واحدة، وإلّا ستبقى جرحاً نازفاً يتجدّد كلّ فترة، وسيفتح إشكاليات جديدة تعقّد المسألة أكثر وتشعّبها. وعلى هذا الأساس، عقدت حوارات سياسية طويلة وطرحت تسويات، عبر أكثر من وسيط سياسيّ وحزبيّ، من دون أن تصل إلى نتيجة مرضية للعشائر، فصدرت أحكام المحكمة العسكرية، "الجائرة" بحسب تصنيف العشائر، لأنّها استهدفت الطرف المعتدى عليه وغضّ النّظر عن الطرف المعتدي.
 
هذه الأحكام أعادت توتير الأمور أمنياً عبر عودة إقفال الطريق، وسياسياً عبر عودة الهجوم على "حزب الله" من بوابة العشائر لتشكّل مشهديّة الاثنين دليلاً مهمّاً على توسّع المعركة السياسيّة عبر هذه البوابة.
 
وإذا كان حضور النائب أشرف ريفي أو الجماعة الإسلامية أو نواب اللقاء الديموقراطي طبيعيّاً باعتبار أنهم تعاطوا بالملف، ورافقوا تطوّراته منذ سنتين،  إلاّ أن حضور "القوات اللبنانية" والكتائب والنائب ميشال معوض والنواب التغييريين كان لافتاً، بما نقل الأمر من لقاء تضامني إلى لقاء سياسي بامتياز، وحوّل الاحتفال من لقاء تضامن إلى منبر لإطلاق المواقف السياسية الحادّة باتجاه "حزب الله"، في لحظة سياسية معقّدة نجحت فيها العشائر العربية في جمع أطياف المعارضة المختلفة تحت خيمة واحدة.
 
اللافت في اللقاء هو الغياب التام لـ"تيار المستقبل" بعد أن كان "الأب الروحيّ" لعشائر خلدة بالذات، وهو من تولى المفاوضات السياسية التي سبقت الأحكام، بالإضافة إلى انتماء أغلبية العشائر إلى التيار الأزرق.
وفي هذا السياق، قال مصدر اعلامي في "المستقبل" لـ"النهار" إن التيار أصدر منذ يومين بياناً دَعَم فيه العشائر، واعتبر أن الأحكام مسيّسة وجائرة وظالمة".
 
وأضاف: "عدم مشاركة "تيار المستقبل" في اللقاء الأخير كان بسبب تحوّله إلى لقاء سياسي واضح، ولم يعد يتعلّق بقضية الإشكال والأحكام الصادرة عن المحكمة.  وبما أن "التيار" علّق عمله السياسيّ فقد فضّل عدم المشاركة".
 
وانتقد المصدر الخطابات والمواقف السياسية التي صدرت في الاحتفال معتبراً أنها "لزوم ما لا يلزم" في هذا الوقت، وكان الموقف سيكون أقوى وفعّالاً أكثر لو اقتصر على كلمتي العشائر ودار الفتوى. أمّا خطابات ما بعدهما فهي خطابات سياسية ضيّعت الموضوع، وأدخلته في دهاليز سياسية لا تفيده.
 
وكشف المصدر عن أن تحوّل اللقاء إلى مهرجان سياسي موجّه خلق انقساماً بين العشائر نفسها، التي لا تنتمي جميعها إلى هذا الخط السياسيّ عينه؛ فمعروف على سبيل المثال أن هناك جزءاً من العشائر في خلدة، والتي لها موقوفون أيضاً توالي النائب السابق طلال أرسلان، وهي من بدأت بالتحضير لهذا اللقاء قبل أن تنسحب منه وتسجّل رفضها لما دار فيه.
 
ودعا المصدر العشائر إلى عدم الانجرار خلف أيّ ردود فعل، و"الإبقاء على التنسيق الدائم مع القوى العسكرية والأمنية والمرجعيات التي تتابع القضية"، ختم بالقول: "في النهاية لن يصح إلا الصحيح".
 
وبالعودة إلى اللقاء، وبحسب مصدر معارض، هو يكتسب أهمية على عدّة مستويات، أولاً، الصورة الجامعة للمعارضة التي فرّقتها الانتخابات الرئاسية، وأظهرت أن معارضة أو مواجهة "حزب الله" لا تزال على أجندة القوى كافة في لحظة الاتفاقات الإقليمية والتسويات في المنطقة التي يجهد "حزب الله" إلى تجييرها لمصلحته.
 
أما الأهمية الثانية فهي في المكان، وما تمثله خلدة استراتيجياً، لكونها عقدة طريق الجنوب، وسياسياً وعاطفياً وتاريخياً، وفيها أوقف المقاومون التقدّم الإسرائيلي نحو بيروت.
 
ثالثاً، ارتباط العشائر تاريخياً بالمملكة العربية السعودية، واللقاء حصل على وقع تصعيد سياسي واضح من قبل حلفاء المملكة العربية السعودية ضد المساعي الفرنسية ومحاولات فرض انتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ومن الواضح أن اللقاء لم يكن ليُعقد من دون رضى السعودية، ولم يكن للمشاركة أن تتوسّع بهذا الشكل.
 
رابعاً وأخيراً، بغياب تيار المستقبل عن الساحة السياسية، أضحى من الضروري جمع أغلبية أطياف الطائفة السنية في الجهة المعارضة لحزب الله، والعشائر العربية مكوّن أساسيّ من هذه الطائفة.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium