النهار

المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء... لزوم ما لا يلزم
المصدر: "النهار"
المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء... لزوم ما لا يلزم
مجلس النواب.
A+   A-
تم اليوم في الجلسة التشريعية انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بالتزكية، وهم النواب: جميل السيد، عبد الكريم كبارة، فيصل الصايغ (وقد تقدّم باستقالته في مستهلّ المجلسة المسائيّة)، هاغوب بقرادونيان، جورج عطاالله، عماد الحوت وطوني فرنجية.
 
عملاً بأحكام المادة 80 من الدستور، يتألّف المجلس من سبعة نواب ينتخبهم المجلس النيابي في بدء كل ولاية وفي أول جلسة يعقدها كأعضاء أصيلين، وينتخب ثلاثة نواب آخرين إحتياطيين (المادة الأولى من ق.أ.م. المجلس الأعلى)، وذلك لمدة ولاية مجلس النواب، ومن ثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة بحسب درجات التسلسل القضائي أو بالنظر إلى الأقدمية إذا تساوت درجاتهم، ويجتمعون تحت رئاسة أعلى هؤلاء القضاة رتبة (م 80 من الدستور).
وتسمّي محكمة التمييز، بجميع غرفها، هؤلاء القضاة العدليين الثمانية بمن فيهم الرئيس.
 
هذه الخطوة، استفزت اللبنانيين، خصوصاً أهالي شهداء تفجير مرفأ بيروت الذين اعتصموا بالتزامن مع الجلسة التشريعية، للمطالبة بالسماح للقضاء العدلي البت في محاكمة المتهمين من الوزراء والنواب.
 
الخبير الدستوري الأستاذ سعيد مالك، يطرح وجهة النظر القانونية والواقعية لهذا الانتخاب اليوم، فيقول لـ"النهار": "إن انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ليس هدفه إلا إتمام موجب دستوري، لأن الدستور نص على وجود هذا المجلس وصلاحيته، وهذا ما يحتّم إتمام انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في أول جلسة يعقدها المجلس النيابي فور تجديد انتخابه، وبالتالي، لا أبعاد سياسية لهذه الخطوة. أما تحريف موضوع تشكيل هذا المجلس وجعله مطيّة من أجل الكلام حول مقايضة بقضية المرفأ أمر لا يجوز، لأن هذا المجلس غير مختص أساساً بقضية المرفأ، واستطراداً في حال كان هناك جزء معين من هذه القضية يمكن ان تكون من صلاحية هذا المجلس، إلا أنه لا يشكل على الاطلاق المحكمة الوحيدة لقضية المرفأ حصراً. وبالتالي، ما أقدم عليه مجلس النواب هو موجب دستوري يقع ضمن إطار تشكيل هيئة دستورية منصوص عليها في المادة 80 من الدستور".
 
وفي حين، لا خلاف على ضرورة محاكمة كل الوزراء المقترفين لجرم معين امام القضاء العدلي، خصوصاً أن الجرائم المنسوبة لهؤلاء لا تقتصر على الإخلال بالواجبات الوظيفية إنما تتعدّى ذلك إلى حدّ اقتراف جرائم جزائية وجرائم منصوص عنها في قانون العقوبات اللبناني، فإنّ هذا لا يمنع من تشكيل مجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي يمكن ان تقع من ضمن مهامه قضايا أخرى لا تتعلّق بقضية المرفأ. وفي الإطار، يعتبر مالك أنّ "حصر مسألة تشكيل هذا المجلس بقضية تفجير المرفأ حصراً خطأ".
 
عدم فعالية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يعود بالدرجة الأولى إلى الحماية السياسية، لكن في الوقت ذاته، للإجراءات التي يتطلبها لإحالة أي مرتكب أمامه دور في إعاقة فعاليته وسلطته. إذ أنه، وكما هو معلوم، حتى تاريخ اليوم لم تُحل أي قضية أمامه أو أي نشاط جدي، بسبب آليته القانونية المعقدة.
 
وفي السياق، يقول مالك: "رفع طلب اتهام يتطلّب توقيع خمس أعضاء مجلس النواب، لينتقل بعدها إلى التحقيق، ثم إلى المجلس النيابي بهيئته العامة، ليصدر قرار الاتهام بأكثرية الثلثين من أجل ارساله إلى المجلس الأعلى، وهذه كلها قواعد وأصول ليست فقط صعبة التحقيق إنما مستحيلة التحقيق سيما مع الموزاييك الموجود ضمن تشكيل هذا المجلس".
 
من هنا، يمكن التأكيد أن هذا المجلس واقعاً هو مجلس معطل ولا فعالية له وغير مفعّل مطلقا وهو لزوم ما لا يلزم، ولو أنه دستورياً يتوجب تشكيله ضمن إطار انتظام عمل المؤسسات الدستورية ووجوب اكتمالها".
 
إشارة إلى أنه بعد فوز أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بالتزكية، توجّه رئيس "الكتائب" النائب سامي الجميّل خلال الجلسة التشريعية، أنّ فتوجّه إلى الرئيس نبيه برّي قائلاً: "هذا المجلس، أي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء، عقيم ومقبرة للمحاسبة، ولا حاجة له"، مطالباً بإحالة القضايا إلى القضاء العادي، فردّ برّي: "يمكنك تغيير الدستور، فأجاب الجميّل: هذا ما سنفعله".
وأعلن الجميّل امتناع الكتائب عن التصويت والمشاركة، كذلك فعلت كتلة المعارضة والقوات.
 
إشارة إلى ان وثيقة الوفاق الوطني نصّت على تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وعلى سنّ قانون خاص بأصول المحاكمات لدى هذا المجلس تحقيقًا لما نصّت عليه المادة 80 من الدستور.
 
ويرعى إنشاء هذا المجلس القانون الرقم 13 الصادر في 18-8-1990، الذي نظّم أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى المنصوص عنه في المادة 80 من الدستور. وهذا القانون مأخوذ، في معظم أحكامه، من القرار التشريعي الرقم 59-1 تاريخ 2-1-1959 المنظّم لمحكمة العدل العليا في فرنسا.
وهو، بحسب خبراء قانونيين، جاء ليشكّل رادعاً لممارسات المسؤولين السياسيين مهما علا شأنهم، بحيث يفسح في المجال أمام تثبيت مسؤولية كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء بصورة فاعلة.

اقرأ في النهار Premium