النهار

معركة رئاسة معتصمة بالصمت
غسان تويني.
A+   A-
لماذا نستمر نرشح ريمون اده لرئاسة الجمهورية، على رغم كل شيء، بما في ذلك شروطه المستحيلة وتمنّعه؟ الجواب: لانه لا يخاف ان يتخذ موقفا من كل قضية... لا يهاب شيئا ولا احدا، ولا ينتظر وحياً ولا صاحب وحي يستسقيه "كلمة السر" كلما اراد ان يتلفظ بكلمة... وعلى يأسنا، او ما يقارب اليأس، من امكان انتخاب "العميد"، سنستمر نبقيه مثالا، علّ سائر من يرشحهم الهمس (واللمس؟) يتعظون به فيتكلموا. او يتَّعظون - وهذا اهون الشرين - بالرئيس الحالي (والمقبل كذلك؟ من يدري...) السيد الياس الهراوي الذي نعود نشيد بجرأته النادرة، مهما تقوَّل المشككون، في اتخاذ المواقف غير المنتظرة مبدئيا من القضايا والاشخاص، من غير ان يوفر في كلامه الضمني اولئك الذين يشكون من "الاحباط" همسا، ثم يتهافتون الى دمشق يستطرحونها كل قضية وكأنها (والوصف للرئيس) "الباب العالي" العثماني وقد تقمَّص حديثاً... ودمشق بكل ذلك - يقول الرئىيس - زاهدة ومنزعجة. لا نقول ذلك كله لكي نفتعل معركة رئاسة "مع" دمشق، بدل ان تكون المعركة بين المرشحين اللبنانيين (اللبنانيين؟...) انما حتى نسمع نحن، اي الشعب اللبناني (على قلة "رشده"!!!) والنواب اللبنانيين والهيئات و"المؤسسات" اللبنانية رأي السادة الافاضل الذين ترشحهم "حقوقهم الطبيعية" وهم لا يجرؤون حتى على اعلان ترشيح، او البوح بترشيح الا في هذا الخدر السياسي وذاك... وتجري المعركة و"يُنتخب" (بضم الياء لتجهيل الفاعل، ويكون المجهول معلوما سلفا!) الرئىس، ويمضي سائر المرشحين غير المنتخبين يسبّحون له ويحمدلون ويندبون "حظهم" (كأنما الرئاسة لعبة "لوتو" او يانصيب وطني ما...) واذا كابروا في بقية من كرامة، قالوا انهم لم يكونوا، في الاصل، مرشحين لهكذا رئاسة لانهم بالمجهول يعلمون... وكفى المؤمنين (بماذا يؤمنون وبمن؟...) شر القتال الاشرّ!!!...والآن - رُبَّ قارىء يستعجلنا القول - ماذا نطلب، ماذا ننتظر؟ جواب: ننتظر، نطلب، بل نريد مرشحا، ولو مرشحا واحدا (او مرشحين اثنين لا بأس...) تكون له الجرأة على ان يقول للشعب ولنوابه - على قلّة تمثيلهم للشعب - انه، نعم، مرشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وانه يعتبر ان الرئاسة تكليف وتشريف في آن واحد، بل يعتبر ان مجرد القدرة على الترشيح شرف وفخر ورفعة في المقام، ولمَ لا؟ ثم نريد من المرشح، بل المرشحين ونرجو ان يتكاثروا ففي ذلك دليل حيوية ديموقراطية... نريد منهم لا مباراة في الانشاء ("الخطي والشفهي" الذي ادّوه او أدته كثرتهم مرة، او مرتين امام لجنة فاحصة خارج الحدود...) بل كلام صريح عملي واضح موجّه الى اللبنانيين ومؤسساتهم الدستورية و"المدنية" يجيء نقيض "صف الكلام"، او "الكلام الفارغ" الذي حفلت وتحفل به البيانات الوزارية والخطب النيابية التقليدية والتصريحات الهمايونية والعنترية في المناسبات المألوفة، ولا حاجة الى تذكير... وحتى نسّهل المهمة امام المرشح او المرشحين الذين نرجو "اعترافهم" بشرف الترشيح، نسرد امامهم، امامهم هم، بعض القضايا الواقعية التي طرحت نفسها، ولا تزال كل يوم، منذ اتفاق الطائف. ولا عود الى ما قبل ذلك التاريخ حتى لا نتيه في "الادبيات" السياسية التي يملّها الشعب... هذه القضايا الواقعية هي: اولا: في تعديل الدستور هل يريد المرشح، نعم ام لا، تعديل الدستور المعمول به منذ الطائف، وهل ينوي، اذا انتخب، وبما له من صلاحيات، العمل لتعديل الدستور، واية تعديلات يقترح في الابواب الآتية: 1- صلاحيات رئيس الجمهورية ودوره الدستوري ولاسيما لجهة حل مجلس النواب، او اقتراح حله. 2- علاقة الرئيس ب"مؤسسة مجلس الوزراء"، وماذا تعني له كلمة "مؤسسة"، وكيف يريد توضيح ذلك حتى نبقي على المشاركة، من جهة، ولا نقع في الثنائية الدستورية من جهة اخرى. 3- "الترويكا" وابعادها... وهل يؤيد ابقاء انتخاب رئىس المجلس مدة اربع سنوات، مع امكان "نزع الثقة" (!!!) من الرئيس المنتخب رهينة ظروف موضوعية يتحكَّم هو بها.... والاستمرار في اشراك رئىس المجلس في القرارات التنفيذية، ولو عبر المشاورة (من التعيينات الى المفاوضات) على النحو الذي صار مألوفا... وما هي نظرته بالتحديد الى الانتقادات المتداولة في هذا الصدد، ولو موسميا ("الحكم المجلسي"، مثلا) والردود على الانتقادات واسناداتها في المعادلات الطائفية. 4- الغاء الطائفية، وما هي النظرة العملية اليها، واية خطوات يراها واجبة في سبيلها واية روزنامة ينوي اقتراحها - مجرد اقتراحها - واين هي حدود المحرَّمات، وما هي نظرة المرشح للرئاسة، كرئيس "عتيد"، الى اختبار الغاء الطائفية منذ الطائف، وبكلام لا لبس فيه ولا وجل ولا تودد... 5- ماذا تعني للمرشح "اللامركزية" التي يجري تداولها بابهام متزايد، واي "تنظيم اداري" بل اي اصلاح يريد، وما هي نظرته العملية الموضوعية الى الاصلاح وحدوده - بما في ذلك طريقة تطبيق قانون الاثراء غير المشروع و"التطهير" ونقيض التطهير، اي رفع مستوى الادارة و"تفعيلها"... 6- ما هو رأي المرشح في "مكافحة الفساد"، وانطلاقا من اية نظرة الى العلاقة بين الاخلاق والسياسة والادارة، وما هو مفهومه ل"الشفافية" في الحكم، وما هي الضمانات التي يقترح المطالبة بها للقضاء وما هي حدود استقلال القضاء كسلطة، وكيف ينوي حماية القضاء من الاعتداءات المعلومة على استقلاليته، كالتوقيفات الاعتباطية والسجون المرتجلة والتحقيقات غير المنظورة وغير المشروعة والمتنافية مع حقوق الانسان... هذا اذا اعتبر (نعم؟ ام لا؟...) انها موجودة، واية قوة "تشرّعها"، وكيف ينوي، وبصفته القاضي الاول، حماية المواطن منها... ثانيا: قوانين التمثيل الشعبي 1- هل ينوي المرشح للرئاسة، اذا انتخب، العمل لتعديل قانون الانتخاب ام التحصن بقلة صلاحياته لترك الامور على غاربها؟ اي نظام انتخابي؟ اية دوائر؟ اية "طائفية"؟ وما هي حدودها؟ واية احزاب، واي قانون لها؟ 2- هل يعتبر ان "المجلس الاقتصادي الاجتماعي" كما اقر، كاف لما يُنتظر منه؟ أم يريد العمل لتطوير المجلس الذي يتعثر انشاؤه، بحيث تصبح له فاعلية في "الحوار الاجتماعي"، بل في صناعة "تعاقد اجتماعي" جديد، نعم ام لا؟ وأي دور - بالتحديد - يجب ان يكون له في التشريع الاقتصادي؟ ثالثا: الملف الاقتصادي والاجتماعي ما هي، بكلام عملي واضح، نظرة الرئيس العتيد الى الازمة بل الازمات التي تمزق المجتمع اللبناني وتزيد في تخلّف لبنان؟ اية مواقف اقتصادية، بكلام لا يكون تردادا للعموميات... اية طموحات اجتماعية توقف حرب الطبقات التي تذر قرنها، بل قرونها، وكيف ننشىء مجتمع القرن الحادي والعشرين؟ رابعا: الملف التربوي والثقافي ...وما ادراك ما هو مقدار الكذب المتداول في اطاره، وكيف "يرقص" المسؤولون الحاليون عنه، وغير المسؤولين كذلك، بين الشعارات المتناقضة، وعلى الاخص بين التدابير المناقضة للشعارات، والتصرفات التي لا جذور لها في المبادىء المعلنة للاستهلاك في اسواق النخاسات السياسية المتضاربة المصالح... من احقر المصالح الى ارفعها انتسابا! خامسا: في السيادة والاستقلال أبعد من السباق الدائر في سبيل تسجيل المواقف والنقاط، ما هو الرأي الذي يلتزم به المرشح وفي ضوئه يوجه سياسة البلد "الوطنية" (وهي غير مجرد "سياسة السياسيات"؟...) حول الامور الآتية: 1- كيف نعمل على تنفيذ القرار 425، بغير الخطابة والمطالبة، وكأنه حكم محكمة يبحث عن "مُباشِر" يبلغه الى محكوم؟... 2- دور الجيش السوري وحدوده وجدولة "اعادة انتشاره" (أي انسحابه) وجغرافية ذلك وروزنامته المرتبطة طبعا بتطور مفاوضات السلام؟ 3- اية حدود لاستقلالنا في سياستنا الخارجية، وما هي النظرة الى حدود الاتفاق مع سوريا، وهل من تعديلات مقترحة، وفي اي اتجاه، وما هو موقفنا من مشاريع اعادة تكوين الجامعة العربية بعد قمة الاسكندرية؟ 4- نظرة الرئىس العتيد - مجرد "نظرة"، انما بتعابير القرن الحادي والعشرين وجيله الذي هو اكثرية الشعب اللبناني (نعم الاكثرية، عدديا وواقعيا وبالتربية ولو لم يرها الحكم...) الى الوضع الدولي، والصراعات الاقليمية، ومستقبل السلام، ودور لبنان فيه، واخطار الحرب والسلم على الكيان اللبناني، دولة ومجتمعا، واية اقتراحات لدرء هذه الاخطار في جعبة الرئيس العتيد؟    هذه بعض القضايا، بل الملفات... نوردها، والباقي ربما كان اعظم، ونرجو ان يفتح المرشحون حوارا وطنياً في شأنها، وقد باشر الرئيس الهراوي بما تيسر، وكان تجاه بعضها، بل معظمها - ولو لم يفصح القول تماما - صريحا، بما يصح وصفه ب"الصراحة السلبية"... وثمة اكثر من لبيب من الاشارة يفهم!!! نريد من المرشحين برنامجاً؟ ليست لديهم افكار، فكيف بالبرامج؟ ولن تكون لهم صلاحيات، فكيف نطالبهم بالمقترحات؟ في فرنسا، وضع المرشح للرئاسة جاك شيراك كتابا في نظرته الى فرنسا والفرنسيين... طبعا، سيقولون، لبنان ليس فرنسا! والانتخابات الفرنسية، شعبية، وليست "مجلسية". صحّ... ولكن، من قال ان اللبنانيين يريدون من الانتخابات الرئاسية ان تكون "استعراض ملكات جمال" وصامتة... امام "متكلّم" اكبر، يهبط منه الوحي بكلمة سر لا يفقهها سوى الراسخين في علم المجهول؟ لا، كلا... استقلالنا، بل بقاؤنا، يبدأ من هنا. نتكلم، او... لا نكون! وعلى الرئىس ان يتكلم مرشحاً. او يكون كما يعيّروننا "حاكما محكوما"؟


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium