أثار قرار امتناع الحكومة اللبنانية عبر وزارة الخارجية عن التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، على قرار تشكيل هيئة مستقلّة لجلاء مصير عشرات ألوف المفقودين في سوريا، ردود فعل ساخطة ومستهجنة خصوصاً أنّ لبنان هو أكثر الدول المعنية بهذا الملف الخطير المزمن.
ويبدو واضحاً أنّ الذرائع التي ساقها وزير الخارجية عبد الله بو حبيبب للامتناع عن التصويت لجهة أنّ دولاً عربية عديدة امتنعت بدورها عن التصويت، تبدو غير كافية وغير مقنعة للتغطية على التبعية الفاضحة التي اتّسم بها القرار الرسمي اللبناني ممالأة منه للنظام السوري من جهة، وإثباتاً جديداً للانحياز المطلق الذي يُميّز سياسات سلطة المحور الممانع كما الوزير "العوني" الهوى.
وتُنذر هذه القضية بأن تتسبّب بتفاعلات حادّة، لا سيما لدى الهيئات المعنية بملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية والهيئات المعنية بحقوق الإنسان، بما كان يوجب على لبنان الرسمي أن يكون من أكثر الدول المعنية والداعمة للقرار الأممي بتشكيل هيئة مستقلة للمفقودين في سوريا، ولكنّه بدل ذلك حجب صوته وانضمّ إلى دول لا تعتبر نفسها معنية بالقرار.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أنشأت الخميس "مؤسسة مستقلة" من أجل "جلاء" مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عاما، وهو طلب متكرر لأهاليهم وللمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتقدر منظمات غير حكومية عدد المفقودين بحوالي 100 ألف شخص منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011، هم ضحايا لقمع نظام الرئيس بشار الأسد أو للفصائل المعارضة له.
ويشير القرار الذي تبنته الجمعية العامة بأغلبية 83 صوتا مقابل 11 ضده وامتناع 62 عن التصويت، إلى أنه "بعد 12 عاما من النزاع والعنف" في سوريا "لم يحرز تقدم يذكر لتخفيف معاناة عائلات" المفقودين.
لذلك قررت الدول الأعضاء أن تنشئ "تحت رعاية الأمم المتحدة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين" في سوريا.
ويشير النص إلى أنه سيتعين عليها أن تضمن "المشاركة والتمثيل الكاملين للضحايا والناجين وأسر المفقودين"، وأن تسترشد بنهج يركز على الضحايا.
لكنه لا يحدد طرائق عمل هذه المؤسسة التي سيتعين على الأمين العام للأمم المتحدة تطوير "إطارها المرجعي" في غضون 80 يوما بالتعاون مع المفوض السامي لحقوق الإنسان.
وأشادت المفوضية السامية عبر حسابها في تويتر "بالمبادرة التي تشتد الحاجة إليها"، مضيفة: "للعائلات الحق في معرفة مصير ومكان وجود أقاربها للمساعدة في مداواة جراح المجتمع كله".
من جهته، قال المسؤول في منظمة "هيومن رايتس ووتش" لويس شاربونو: "يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ضمان حصول هذه المؤسسة الجديدة على الموظفين والموارد اللازمين"، مردفا: "الشعب السوري لا يستحق أقل من ذلك".
وأشارت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان إلى أنّها أوعزت لمندوبي لبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك بالامتناع عن التصويت على مشروع القرار حول المفقودين في سوريا الذي طرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة، تماشياً مع شبه الإجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبة منه بعدم تسييس هذا الملف الإنساني بامتياز، وانسجاماً مع سياسة عدم الانجرار وراء تصويت خلافي يزيد المشاكل ولا يحل قضية المفقودين اللبنانيين التي تشكل جرحاً نازفاً وألماً مستداماً لأهاليهم.
أضافت أنّ "لبنان يتمسك بحلّ هذه القضية وقضية النازحين السوريين، من خلال الحوار والتفاهم بين لبنان وسوريا، والأطراف العربية والدولية المعنية، علماً أنّ تصويت لبنان مع القرار، في حال كان قد حصل، سيُقَوض عمل اللجنة الوزارية العربية المشارك فيها لبنان والساعية لحل المشاكل مع سوريا".
وتابعت أنّ "لبنان يُجدد احترامه وتمسكه بتطبيق كافة القرارات الشرعية الدولية المُطبق منها والقرارات العديدة التي لم تُطبق أيضاً، لأنها جميعها تُشكل مظلة حماية للسلم والأمن الاقليميين والدوليين".