يسود الترقب المشدود الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية في انتظار الأسبوع المقبل الذي يفترض أن تتبلور خلاله طبيعة المخارج المحتملة لأزمة جديدة تبدو من أكثر الأزمات إثارة للمحاذير والمخاوف وهي أزمة حاكمية مصرف لبنان بعدما هدد نواب الحاكم الأربعة بالاستقالة في حال لم يعين حاكم جديد لمصرف لبنان قبل نهاية ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة في آخر تموز الحالي. وإذ ضجت الأجواء بمزيج من المعطيات الإعلامية التي ضاع معها عامل الجدية من عوامل الضغوط، بدا بحكم المؤكد أن ثمة غرفة عمليات تعمل على ضخ أجواء التهويل برسم القوى المعارضة لتعيين حاكم جديد على يد حكومة تصريف الأعمال وضمن ما يعتقد أنه سيشكل صفقة سياسية تنذر في حال الإقدام عليها على تفجير نزاع سياسي – طائفي خطير.
ولكن أوساط معنية بهذا الملف بدت واثقة أمس من استحالة تمرير أي سيناريو مماثل لصفقات من هذا النوع لأن الذين تراءى لهم إمكان المضي في التمهيد لصفقة مماثلة لا بد أن تكون تجمعت لديهم معطيات ومعلومات من شأنها حملهم على التراجع بسرعة عن أي مغامرة تضع البلاد أمام كباش طائفي خطير وتهدد بتفاقم أزمة حاكمية مصرف لبنان بأكثر مما هي مهددة به بعد تهديد نواب الحاكم بالفراغ الشامل في الحاكمية. ذلك أن ما تردد عن الرهان على استمالة بكركي والقوات اللبنانية للموافقة على تعيين حاكم جديد أثار السخرية لدى المعنيين لأنه من غير الوارد أن توافق أي قوة أو مرجعية مسيحية على السيناريو المطروح لاستغلال أزمة الفراغ الرئاسي والذهاب بعيداً في التصرف بمعزل عن عدم وجود رئيس للجمهورية كأنه صار متاحاً أن تدار البلاد بدون رأس للهرمية السلطوية وترك الإدارة الرسمية العملية بايدي رئيسي المجلس والحكومة وهو أمر لن يكون ممكناً إطلاقاً.
وتبعاً لذلك تشير الأوساط المعنية إلى أن الأيام الطالعة ستبلور على الأرجح موقفاً مسيحياً عريضاً وعلنياً تتلاقى فيه القوى الحزبية والسياسية والكتل النيابية الأساسية على رفض أسلوب التهديد الذي اتبعه نواب الحاكم الأربعة ومن يقف وراءهم من جهات ومراجع معروفة والتمسك بما ينص عليه قانون النقد والتسليف لجهة خلافة الحاكم بعد نهاية ولايته وتحميل النواب الأربعة ومن يدعم تعيين حاكم جديد تبعات الانزلاق بالبلاد نحو متاهة أزمة خطيرة. وهذا الواقع تزامن مع معطيات عن لقاء وشيك بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي لدرس المخرج المتاح للاأزمة بعدما بات مثبتاً عدم الرهان على غطاء مسيحي لتعيين حاكم جديد أو التمديد للحاكم الحالي.
أما في ما يتصل بملف الأزمة الرئاسية فلم تبرز أي معطيات فرنسية رسمية تؤكد أو تنفي ما يدأب بعض الجهات السياسية والإعلامية في لبنان على ترويجه لجهة أجندة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان وموعد زيارته الثانية لبيروت أو مضمون ما يمكن أن يحمله من أفكار وطروحات جديدة. ويبدو واضحاً أن هذه الجهات تسقط اتجاهاتها المعروفة على ما تريد للموفد الفرنسي أن يحمله، في حال صحت المواعيد التي تسرب "محلياً" لعودته أكثر مما هي معطيات مثبتة فرنسياً. وبرز هذا التفاوت في اليومين الأخيرين عبر معلومات تؤكد أن لودريان سيزور الرياض في موعد قريب ولكنه لن يحضر الى بيروت فوراً بعد هذه الزيارة.
في سياق آخر برز تطور جديد في ملف أحداث القرنة السوداء تمثل في إنجاز التحقيقات التي أجرتها مديرية المخابرات في الجيش وإصدار قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه على الأثر البيان الآتي: "على أثر الحادثة الأليمة التي وقعت بتاريخ 1 / 7 / 2023 في منطقة القرنة السوداء بين مواطنين من بلدتي بشري وبقاعصفرين ونتج عنها وفاة الشاب هيثم طوق، تدخلت وحدات من الجيش لتنفيذ تدابير أمنية وما لبثت أن تعرضت لإطلاق نار، فردّت بالمثل وأوقفت عددًا من الأشخاص. وقد تبين حينها إصابة المواطن مالك رومانوس الذي توفي لاحقًا متأثرًا بجراحه. نتيجة لذلك، وبناء على إشارة النيابة العامة التمييزية، باشرت مديرية المخابرات بإجراء تحقيق فوري وأوقفت عددًا من المتورطين الأساسيين. وعليه، بعد إنجاز التحقيقات، وبناء على إشارة النيابة العامة التمييزية، أطلِق سراح عدد من الموقوفين رهن التحقيق وأحيل 11 موقوفًا على القضاء المختص".