عاد الحوار المباشر بين "التيّار الوطنيّ الحرّ" و"حزب الله" وعلى أعلى المستويات، بعد غياب دام لأشهر من دون أن ينقطع الاتّصال غير المباشر وعبر الوساطات. وكان جبران باسيل قد أعلن عودة التواصل بعيداً عن "الشروط المسبقة" و"الفرض"، فيما لم يصدر أيّ تعليق عن الحزب وأمينه العام حسن نصرالله في الأيام القليلة الماضية، علماً أنّ التوضيح كان منتظراً.
كثيرون توقّعوا عودة العلاقة بين الطرفين ولو بعد حين وبشكل مختلف عن السابق، وذلك لعوامل عديدة، أبرزها حاجة "الحزب" إلى حليف مسيحيّ "قويّ"، خصوصاً وأنّ سليمان فرنجية لا يحظى بشعبية "التيّار" وتمثيله النيابي والوزاري، ثم حاجة "التيّار" إلى "الحزب" القادر على دعمه، لأنّ المعارضة المتقاطع معها لن تدعم طموحاته السياسية والرئاسية.
مصادر مقرّبة من "التيّار" وباسيل تُشير عبر "النهار" إلى أنّ "الحزب" طلب الحوار بعد جلسة 14 حزيران التي انتجت ميزان قوى جديداً، والتواصل يقوم على الشرطين اللذين تمّ الاتّفاق عليهما، الحوار من دون شروط مسبقة، ومن دون مُحاولات فرض المرشّحين الرئاسيّين على الطرف الآخر.
رواية عودة اللقاءات: باسيل رفض ثمّ وافق
مصادر "حزب الله" تكشف تفاصيل التواصل الحاصل والملفّات التي تُبحث، وتقول إنّ "الحزب" يُحاول التواصل مع أطراف المعارضة داعياً إياهم للحوار، والحلفاء السابقون أولى بالتحاور معهم، أي "التيّار"، علماً أنّ الاتصالات لم تنقطع في الفترة الماضية رغم الخلافات.
وفي حديث لـ"النهار"، تُروي المصادر رواية رفض "التيّار" الحوار ومن ثمّ القبول به وأسباب تبدّل الرأي، وتُشير إلى أنّ "الحزب" دعا باسيل في المرحلة الأولى إلى طرح ما في جعبته من أسماء، ليردّ الأخير ويقول "لا أسماء في حوزتي"، ثمّ عاد واتّصل بـ"الحزب" مُعلناً وجود سلّة من الأسماء، فسأله "الحزب" عن فرنجية، ليردّ الأخير بأنّ رئيس "المردة" غير مطروح، فتمّ رفض الحوار من قبل حارة حريك بسبب غياب اسم فرنجية.
وفي هذا السياق، تقول المصادر إنّ باسيل عاد ووافق على إدراج اسم فرنجية على طاولة البحث مع "حزب الله" بعد جلسة 14 حزيران، إلى جانب سلّة من الأسماء التي يُريدها، وتشريح تفاصيل كلّ اسم والمقارنة بين الحيثيات خلال اللقاءات، وبالتالي عاد الحوار على الملفّ الرئاسي وبوجود اسم فرنجية والشخصيات التي تندرج على لوائح باسيل.
كما تُعلن المصادر عن لقاء يتيم حصل بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا وباسيل، لكن لا معلومات دقيقة عنه، ومن المؤكّد أنّ الوضع سيتطوّر ولقاءات إضافية ستحصل لاستكمال البحث، علماً أنّ الأولويّة لملفّ رئاسة الجمهوريّة، بالإضافة إلى ملفّ العلاقة الثنائيّة بين الطرفين، وفق المصادر نفسها.
وعن آفاق العلاقة ومصير اتّفاق مار مخايل، ترفض المصادر نعي التفاهم المنعقد بين الطرفين، وتقول إنّ فرص إحيائه قائمة لأنّ "الحزب" متمسّك به، ولم يطوِ صفحته، لكن المصادر تُفضّل عدم استباق الأمور وانتظار نتائج المشاورات وما ستفرزه على كافّة الصُعد.
عضو تكتّل "لبنان القويّ" النائب شربل مارون يُشير إلى اللقاء الذي حصل، ويلفت إلى أنّ عدداً من المواضيع طُرحت على طاولة البحث والجوّ المبدئيّ إيجابيّ، علماً أنّ الاتّصالات لم تنقطع في الفترة الأخيرة، لكنّ القنوات صارت "أوسع".
وفي حديث لـ"النهار"، يُشدّد مارون على أنّ "التيّار" لا يُريد انتهاج سياسة الفرض، بل هو ينقل وجهات النظر خلال حواره مع "الحزب"، انطلاقاً من أنّ ثمّة ملفّات ساخنة كثيرة مطروحة وستُطرح في الفترة المقبلة، ولا يُمكن حلّها إلّا من خلال الحوار والتواصل.
وعن مستقبل تفاهم مار مخايل، يتوقّع مارون تطوّر الحوار وعقد المزيد من اللقاءات، ويرى أنّ "تعديل التفاهم نحو الأفضل هو شيء جيّد".
يعرف "التيّار" وباسيل أنّ المستقبل السياسيّ لهما مرتبط بـ"حزب الله" إلى حدٍّ بعيد، نسبةً إلى قدرة الأخير على التأثير وحتى الحسم في عدد من الملفّات لصالح حلفائه، أكان لجهة الانتخابات الرئاسية، النيابية، الاستحقاقات الحكومية وغيرها، كما يعلم العونيّون أنّ التقاطع مع المعارضة لن يمنح "التيّار" مكاسب سياسيّة فعليّة، لأنّ الخطّ الاستراتيجيّ مختلف، ولا يجمعهما سوى تكتيك واحد ضدّ فرنجية.
انطلاقاً من هذا الواقع، يعود باسيل إلى الحوار مع "الحزب" بعدما استفاد في الفترة الأخيرة من الواقع السياسيّ والانقسام العموديّ، واصطفّ إلى جانب المعارضة، فمنحها أفضلية في ميزان القوى، وهو يعلم أنّ هذه الاستثمارات السياسيّة "ستقرّش" في المفاوضات مع "الحزب" بهدف تحصيل أكبر قدر من المكتسبات، والتقليل من نسب الخسائر.
سيكون الحوار بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك تحت مجهر المراقبين للوقوف على ما ينتج عنه، أكان لجهة الملفّ الرئاسيّ واحتمال دعم باسيل فرنجية من عدمه، أم لجهة العلاقة الثنائيّة وإمكانيّة إحياء تفاهم مار مخايل، أو التوجّه نحو إطار تفاهميّ آخر، يحمل خطوطاً عريضة مختلفة عن تلك التي تمّ الاتفاق عليها في العام 2006، والغد لناظره قريب.