يتطوّر الدور السياسي للمرأة في لبنان ولو بشكل بطيء رغم عوائق التقاليد والحواجز الدينية، فنراها منخرطة في العمل التشريعي والوزاري من جهة، والقيادي والتنظيمي للأحزاب من جهة أخرى.
لكن، يبقى حضورها في هذا المضمار أقل من المرجو، وهذا لا تبدّله قوانين ولا كوتا بل ذهنية مجتمع يطوّر فكره وعقله وكيفية نظرته للمرأة ولأهمية دورها ووجودها في العائلة الصغيرة وفي العائلة الكبيرة، أي الوطن.
تعمل بعض الأحزاب على تشجيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية بترشيحها للانتخابات النيابية، أو لمقاعد وزارية، بالإضافة إلى إشراكها في المجالس القيادية، ويُمكن الإشارة إلى بعض الأحزاب المتقدمة في هذا المجال، منها تراتبياً "القوات اللبنانية"، و"التيار الوطني الحرّ"، الكتائب، حركة "أمل"، تيار "المستقبل"، مؤخراً "الحزب التقدمي الاشتراكي"، هذا إضافة إلى تكتل نواب التغييريين، رغم أنه لا يتبع لتراتبية قيادية ومنظمة شبيهة بتلك الموجودة في الأحزاب، بل لإرادة ذاتية، فردية، فرضت نفسها نتيجة التطورات السياسية في السنوات الأخيرة.
نظراً لهذا الواقع داخل التركيبتين السياسية والحزبية، وورش العمل حول المرأة، بات جليّاً العمل الذي يبذله بعض الأحزاب لصياغة دور المرأة وتقديمها في بعض الصفوف الأمامية، ما يحاكي مطالبات دولية وأممية وأجندة توسيع المشاركة في صنع القرار السياسي، إضافةً الى أفكار وبرامج مرتبطة بالنساء قد لا يلحظها الشباب المشاركون في مواقع نيابية، وزارية أو قيادية.
انطلاقاً مما ذُكر، استطلعت "النهار" آراء بعض الأحزاب في موضوع مشاركة المرأة ودورها، وفي كيفيّة عمل هذه الأحزاب على تعزيز المشاركة النسائية قيادياً وتنظيمياً، وفي عملية صنع القرار داخلياً؟
القوات اللبنانية
لطالما أظهر حزب "القوات اللبنانية" دعماً لوجود المرأة في مراكز القرار، أكان داخل الحزب أو خارجه. فناهيك عن النائبات اللواتي مثلنه ويمثلنه في البرلمان والوزارات، من يدخل كواليس الحزب بدءاً من القيادة في معراب وصولاً إلى الأجهزة التي تدير الإطار التنظيمي للحزب على الأرض، يرى الحجم الكبير المعطى للمرأة ومن أعمار متفاوتة.
وتؤكّد رئيسة جهاز تفعيل دور المرأة في "القوات اللبنانية" سينتيا أسمر أنّ لـ"القوات" عدداً كبيراً من النساء المنتخبات والموجودات في مواقع القرار والمواقع القيادية في المجلس المركزي، وهن رئيسات مصالح وأجهزة ومكاتب، فضلاً عن نائبتين في مجلس النّواب الحالي.
وتضيف: "لدينا أكثر من 33 في المئة من النساء في الحزب من عدد المنتسبات أو المكاتب والمصالح وغيرها. وعلى صعيد المراكز السياسية الحزبية، ترى "القوات اللبنانية" المرأة دائماً في الصدارة، وكانت ولا تزال دائماً في الصفوف الأمامية، فالنساء لديهنّ آراء حكيمة يؤخذ بها".
الحزب التقدميّ الاشتراكيّ
من جهته، عزّز "الحزب التقدمي الاشتراكي" وجود المرأة في مراكز القرار والسياسة، فكان إقرار الكوتا النسائية على مستوى الحزب بنسبة 30 في المئة، وتشمل جميع المسؤوليّات والقطاعات، وإشراك الاتّحاد النسائي التقدميّ في المؤتمر العام للحزب على مستوى القيادات المركزية والوسطيّة، وإعطاء النساء الحقّ بالترشّح والانتخاب في خطوة أبرزت تعديلاً في النّظام الداخلي، الذي كان ينصّ سابقاً على أنّ من يحقّ لهم الترشّح هم جمعية المرشدين، وهم نحو 200 شخص، وفق ما أوضح أمين السرّ العام لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" ظافر ناصر.
ولفت إلى أنّ هذه الخطوة لا تعني أنّ دور المرأة كان مهمّشاً سابقاً، بل كان حضورها ومشاركتها قاعدة ثابتة، إلّا أنّ الفارق اليوم هو إقرار الكوتا في النظام الداخليّ.
وأضاف: "أعطينا الحقّ لقطاع المرأة بالترشّح والانتخاب على مستوى قيادات المكاتب والمناطق وصولاً إلى القيادات المركزية. وفي انتخابات مجلس القيادة حصدنا مناصفة بين الرجال والنساء ما يفوق الـ30 في المئة".
وأشار إلى أنّ نواب الرئيس اثنان أحدهما امرأة، ممّا يمثّل "تعزيزاً لدور المرأة في المواقع القياديّة في الحزب". ولفت إلى أنّ "مجلس قيادة الحزب إطارٌ سياسيّ لاتّخاذ القرار، والمرأة موجودة في مجلس القيادة بشكل رئيسيّ، وبشكل متساو مع الرّجل، ورأيها مهم واقتراحاتها يؤخذ بها".
حركة أمل
من جهة أخرى، تخصّص "حركة أمل" قطاعاً خاصّاً للمرأة، يتضمّن مسؤوليات مركزيّة في الأقاليم والمناطق والشّعب.
ويقول مصدر في "الحركة" لـ"النهار" إلى أن "النائبة عناية عز الدين مثال واضح لمشاركة المرأة في الحياة السياسية وعلى صعيد الشأن العام. فهي نصف المجتمع، والرّئيس برّي يقول إنّنا لا نستطيع أن نقف على قدم واحدة، فدورها لا يختلف عن دور المسؤول الإعلاميّ والتربويّ وغيرهما".
وأعرب المصدر الحركيّ عن ثقته بأنّ "المرأة، وفي الكثير من الأحيان "بيخبط ميزانها"، وتتّخذ هي القرار، خاصّة في ما يتعلّق بالقرارات التنظيميّة والاجتماعيّة، بعد مناقشات عدّة بين زملاء في الهيئة السياسية وتصويت الجميع".
الكتائب اللبنانية
في سياق مماثل، لدى "حزب الكتائب اللبنانية" أيضاً كوتا نسائية بلغت نحو 20 في المئة في عام 2015، وارتفعت إلى 25 في المئة اليوم، أي ما يُعادل خمس نساء من أصل 22 عضواً في المكتب السياسي. إلا أن اللافت أن هذه المشاركة تقتصر فقط على قاعات الحزب الداخلية من دون ترجمة فعلية في قاعات البرلمان.
وعلى صعيد المراكز أو الوحدات الجغرافية تُشير عضو المكتب السياسي الكتائبي جويل عبود إلى أنّ المرأة في "الكتائب تسلّمت أقاليم، كإقليم الشوف - عاليه، وبعلبك - البقاع الغربي وغيرهما. وعُيّنت في جميع الندوات المتخصّصة كالمحاماة، الهندسة، الطب وغيرها.
وفي ما يخصّ دورها في صنع واتّخاذ القرار في اجتماعات المكتب السياسي، تؤكّد عبود أنّ رأي المرأة غاية في الأهميّة، ويؤخذ به بالتساوي مع أيّ زميل آخر.
"التيار الوطني الحرّ"
يعمل "التيار الوطني الحر" على محاولة إظهار دور المرأة في المراكز القيادية من خلال وجود نائبتين للرئيس، الأولى نائبة الرئيس للشؤون السياسة مي خريش والثانية نائبة الرئيس للشؤون الإدارية مارتين كتيلي، بالإضافة إلى تمركز نساء في المجالس التنفيذية والأقضية والمنسقيات وفق ما أكّدت منسقة لجنة المرأة المركزية المحامية جومانا سليلاتي.
وتضيف سليلاتي أنّ "التيار الوطني الحرّ" أطلق مؤخراً مشروع "20 ست و20" وهو تحضير ٢٦ امرأة لانتخابات الـ2026. وقد استقطبنا عدداً من النساء وفق معايير معينة مع شهادة جامعية - منتسبات للتيار لسنوات عدة، وتم تدريبهن لمدة ٦ أشهر على مرحلتين (نظري + عملي) على برنامج تولّته مدرّبات من التيار ومن جمعيات ومؤسسات دولية مثل "UN Women".
وتابعت: "حملت هذه النسوة ملفات سياسية وفق مشروع أو طموح كل امرأة منهنّ في خطوة لإخراج المرأة من الصورة النمطية التي تحبسها في دائرة النشاطات الاجتماعية كالمباركات وتقديم التعازي والتعاطي معها كواجهة للحزب في المجتمع. وتخرّجت أوّل دفعة منهن الأسبوع الماضي وسميّت بـ"دفعة الرئيس المؤسس العماد ميشال عون".
وهذا المشروع سيكون على مراحل خلال السنوات المقبلة، تُنفّذ منه دورتان في السنة ليخرّج التيار الوطني ٢٦ امرأة من ذوات النخبة، مدربات على العمل السياسي للترشح إلى انتخابات ٢٠٢٦.
بالأرقام وفق سليلاتي الأدوار التي تشغلها النساء في "التيار"، هي:
7 من أصل 20 تشغلن المجلس التنفيذي في التيار.
4 أقضية من أصل 23 تتولاها نساء.
قسم الحياة المحلية 113 امرأة.
ويبلغ العدد الإجمالي للتمثيل الأنثوي داخل التيار 39 في المئة، 17 في المئة منهنّ في موقع القرار.
"حزب الله"
أمّا "حزب الله" فيرى أنّ "تقييم النواب يجري في لبنان انطلاقاً من مشاركتهم في المناسبات على تعدّدها، التعازي والأفراح والخدمات، ونحن ليس لدينا نساء لهذه الوظيفة".
وكان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله أكّد في حديث لقناة "الميادين" عام 2018 أنّ "من يريد الكوتا النسائية في لبنان عليه أن يغير النظرة إلى النائب في لبنان، إذ يجري تقييم النواب بالتعازي والأفراح والخدمات"، مضيفاً: "نحن في حزب الله ليس لدينا نساء لهذه الوظيفة ولا مانع لدينا في مشاركة المرأة بالوزارات".
رأي جندري
"المساواة أو إثبات دور المرأة في الأحزاب لا يكون بالتباهي بأعدادهن داخل التيارات والأحزاب فقط لارضاء توجه بات عالميا"، وفق ما تقول الخبيرة في قضايا الجندر عبير شبارو.
وفي رأيها، أنه على الأحزاب إعطاء النساء أدواراً قيادية فاعلة وتمكينهن من تنفيذ أجندة نسوية، وهذا الأهم، بحيث لا يكون وجودهن عددياً فقط بل فاعلاً ومؤثراً، يدعم تغيير وجهات النظر ويشجع الناخبين/الناخبات على الدفع باتجاه انتخاب أعداد أكبر من النساء وبذلك إحداث موجة من التغيير في الهياكل الموجودة حالياً بما في ذلك من آثار إيجابية مثبتة على التنمية المستدامة والاقتصاد والمجتمع وعلى تقدم الحزب وتنوع افكاره.
كما أن "النساء اللبنانيات هن من حملة الشهادات العليا في كافة المجالات فلا يجوز حصرهن في مجالات العناية بالشؤون الاجتماعية والتربية فقط، ويجب الاستفادة من طاقاتهن المتنوعة المهدورة للنهوض بالبلد".
وتضيف شبارو: "لتصل المرأة الى المناصب القيادية والمنتخبة منها بشكل خاص، عليها أن تتمتع برأس المال السياسي، الثقافي، والإجتماعي الكافي. لذلك على الأحزاب أن تنقل من قوتها من خلال شبكاتها الاجتماعية والاقتصادية للنساء الحزبيات ودعمهن لتمكينهن من تبوء مراكز ريادية".
وفي السياق، تلفت شبارو إلى النساء اللواتي نجحن في عملهن الحزبي وأثبتن فعالية وتأثيراً في العمل السياسي أو أي مجالات أخرى، وذلك بفعل دعم الحزب الذي ينتمين إليه لهن، ومنحهن الثقة على حمل توجهاته وفكره ومناقشتها على المنابر وفي المؤتمرات. من هنا، تشدّد على أن الكوتا مهمة ولكن لا يمكن قياس وجود المرأة ونجاحها بالعدد فقط.
تمثيل المرأة في العمل الحزبي لا بدّ له من أن يترافق مع خطوات حقيقية في مراكز القرار الرسميّة، وتحديداً في مجلسَي الوزراء والنواب، حتى الرئاسة، وسقوط أيّ محرّمات او حواجز؛ والأهم، سقوط ما يسمّى بالكوتا، ما سيبرهن عن فكر متقدّم ورقيّ واحترام أكبر لدور المرأة في الشأن العام في لبنان.
*ضمن برنامج مشترك مع "وان ايفرا"