النهار

فرضية تسليم "حزب الله" سلاحه وانخراط عناصره بالجيش... تحديات سياسية وإيديولوجية تهدّد المؤسسة الشرعية
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
فرضية تسليم "حزب الله" سلاحه وانخراط عناصره بالجيش... تحديات سياسية وإيديولوجية تهدّد المؤسسة الشرعية
صورة نصرالله.
A+   A-
يندرج تسليم "حزب الله" سلاحه للجيش اللبناني ضمن القضايا المؤجّلة إلى أمدٍ غير مسمّى، ويرتبط بتغيّرات إقليمية ودولية ضخمة سيكون لها وقعها "الزلزاليّ" على المنطقة، وقد تكون على شكل علاقة بين الولايات المتحدة وإيران، أو سلام بين إيران وإسرائيل، أو تطبيع بين بيروت وتل أبيب، وغيرها من الملفات الإقليميّة.

ومن المعروف أن سلاح "حزب الله" مرتبط مباشرةً بمحور الممانعة وإيران بشكل خاص، ويُشكّل حجر زاوية في مشروع هذا المحور؛ وبالتالي فإن قرار تسليمه يعود إلى المحور، الذي لن يستغني عن ترسانته العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط من دون مكاسب "ضخمة".

قد يعتقد البعض أن تسليم "الحزب" سلاحه للجيش سيكون حلّاً فعليّاً لأزمة وجود سلاحين في لبنان وقرارين عسكريين مرتبطين بالسلام والحرب، أي الحكومة و"حزب الله"، مع غلبة سياسية وعسكرية للأخير، بالرغم من أن الواقع مغاير، بل إن هذه القضية تحمل الكثير من الإشكاليات الواجب معالجتها.

الحديث عن تسليم "الحزب" سلاحه للجيش ينسحب أيضاً على انضمام العناصر أيضاً، والبالغ عددهم قرابة 100 ألف مقاتل، وفق إعلان الأمين العام للحزب حسن نصرالله. وانطلاقاً من هذه النُقطة، فإن ثمّة إشكاليّتين مطروحتين، الأولى مرتبطة بقرار هؤلاء العناصر وإمرتهم، والثانية ترتبط بولائهم الفكري والعقائدي.

بالنسبة إلى الإشكالية الأولى، فإنّها جوهرية. لا تكمن مشكلة لبنان في وجود سلاحين فحسب، بل بقرار السلم والحرب المُصادر من قبل "حزب الله"، ومن خلفه إيران. والسؤال الذي يطرح نفسه، في حال قرّر "الحزب" تسليم سلاحه للجيش هو إن كان سيُسلّم "كبسة زر" الحرب إليه أيضاً، أم سيتسلّل من خلال التعيينات للسيطرة على المؤسسة العسكرية؟ وهل ستشكّل الألوية التي عمادها من عناصر الحزب شوكة في خاصرة المؤسسة العسكرية الشرعية؟

الإشكالية الثانية أيضاً أساسية. إن عناصر "حزب الله" يتمتعون بفكر إيديولوجي عميق مبنيّ على معتقدات دينية، وولاؤهم الأول والأخير للوليّ الفقيه وإيران، وهدفهم وفق حزبهم الدولة الإسلامية الشيعية في المنطقة، وبالتالي يُطرح سؤال مهم هو هل إن كان انتماؤهم شيعيّاً إيرانياً أم شيعياً لبنانيّاً؟ وحول أيّ مرتكزات ستتمحور قضيتهم؟ وألن يخلق ذلك تحديات أمام الجيش، ويجعله عرضة لانقلابات خطيرة؟

كيف يُمكن للحزب أن يسلّم سلاحه للجيش؟
العميد الركن والنائب السابق وهبي قاطيشا يوضّح الفرق بين تسليم "حزب الله" سلاحه للجيش اللبناني وإقرار استراتيجية دفاعية، ويقول إن "الطرح الأول يعني أن يسلّم "الحزب" السلاح للجيش اللبناني، فتختفي المربّعات الأمنية، وتتوقّف المناورات، وتُصبح أجهزة الأمن وحدها مخوّلة القيام بالمهمّات العسكرية. لكن هذا الموضوع مستحيل في المدى القريب".

أما بالنسبة إلى الطرح الثاني، فيعود قاطيشا في حديثه لـ"النهار" إلى الاستراتيجية الدفاعية، ويلفت إلى أنّه "وفق الاتفاق، يكون قرار السّلم والحرب بيد الحكومة، ويخضع عناصر وسلاح "حزب الله" لها، ويُصبحون بأمرة الجيش لفترة معيّنة إلى أن يستعيد الأخير سيادته على كافة الأراضي اللبنانيّة".

ويخوض قاطيشا في التفاصيل ليقول إن "استمرار التنظيم العسكري للحزب سيكون موقتاً، وسينضوي عناصره ضمن هيكليّة معيّنة في الجيش، وتحت أمرة ضبّاط، ويُعاقبون متى خالفوا القانون العسكري، ويتقاعد عناصر هذه الكتيبة عند سنٍّ معيّنة من دون تطويع عناصر جديدة إلى أن ينتهي عدد العناصر، فينتهي التنظيم".

أما عن احتمال مُطالبة "حزب الله" بقيادة الجيش مُقابل الاتفاق على استراتيجيّة دفاعية، أو بمعنى آخر اشتراط "الحزب" تعيين قائد للجيش يكون شيعيّاً ومقرّباً منه، وذلك "لضمان ظهره"، فيعتبر قاطيشا أن "هذا يكون بمثابة ابتزاز من قبل "حزب الله" للدولة اللبنانية، بل تكريس لسلطة الحزب على الجيش والسلاح، وعندها يتضاعف حجم المشكلة".

وعن لحظة تسليم "حزب الله" سلاحه إلى الحكومة أو قبوله باستراتيجية دفاعية، يستبعد قاطيشا هذا الأمر، ويرى أن "الحزب لن يتخلّى عن سلاحه حتى لو اتفق الإيرانيّون مع الأميركيين، فطهران ستقول إن "حزب الله" طرف داخليّ، والأخير سيرفض"، ثمّ يعتبر أن "مشكلة سلاح الحزب لا تُقارن بمشكلة سلاح "منظمة التحرير" أو الجيش السوري، لأن عناصر الحزب لبنانيّون بينما أولئك كانوا غرباء".

ويُتابع في السياق نفسه: "إن معضلات من هذا النوع عادةً لا تنتهي إلّا بالتقسيم للأسف، وهذا ما يؤكّده التاريخ؛ فتشيكوسلوفاكيا اتّجهت إلى التقسيم، ويوغوسلافيا اختبرت الحرب، واتّجهت إلى التقسيم أيضاً، والأمر نفسه ينسحب على باكستان".

كيف يُمكن إقرار استراتيجية دفاعية؟
مستشار الرئيس ميشال سليمان، بشارة خيرالله، يُشدّد على أن "الاستراتيجية الدفاعية لا يُمكن أن تُقرّ من دون حوار برئاسة رئيس الجمهورية، لكونه رأس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلّحة ورئيس المجلس الأعلى للدفاع، ولا يُمكن البحث بشأن أمني كهذا من دون وجود رأس للدولة قادر على لعب دور الفصل والحكم".

وفي حديث لـ"النهار"، يعود إلى فكرة الحوار، ليؤكّد أن "هيئة الحوار الوطني يجب أن تبدأ من حيث انتهى الحوار الأخير في قصر بعبدا، الذي انطلق عام 2006 برئاسة رئيس مجلس النواب، واستُتبع في عام 2008 برئاسة رئيس الجمهورية، واستمرّ حتى نهاية الولاية الرئاسيّة. لكنّ الأهم أنّه في عام 2012، تمّ الاتفاق على "إعلان بعبدا"، الذي أيّدته الأمم المتحدة، وأصبح وثيقة أمميّة ودوليّة، وفيه بنود مهمّة جدًّا، منها على سبيل المثال البند 12 الذي تحدّث عن "تحييد لبنان عن صراعات المحاور الإقليميّة والدوليّة"، لكن فريق الممانعة انقلب على كلّ ما تمّ الاتّفاق عليه".
 
ويتطرّق خيرالله إلى الاستراتيجية الدفاعيّة، ليقول إنّ "قرار السّلم والحرب يعود من خلالها إلى مجلس الوزراء والجيش، اللذين يقرّران متى وكيف يتمّ استخدام القوّة العسكرية والتفاوض بالحديد أو النار".
ويشدّد خيرالله على ضرورة بقاء المعارضة السياديّة على أهبة الاستعداد لإسماع العالم أجمع ان لبنان مختطفٌ قراره، وأن الرغبة الشعبية العارمة لا تؤيّد السياسات المعتمدة حاليًا، والتي تُبقي لبنان في مستنقع الانهيارات.
 
"من الصعب استيعاب سلاح الحزب"
الباحث في الشؤون العسكرية العميد المتقاعد ناجي ملاعب يُشير إلى صعوبة استيعاب الحكومة اللبنانية سلاح "حزب الله"، لكنّه يُشدّد على أن ثمّة حلاً وحيداً، وهو يكمن في الحوار بين "الحزب" والأطراف اللبنانية كافة لفهم الهواجس، ثمّ صياغة استراتيجية وطنية عسكريّة موحّدة تصدر عن الحكومة".

وفي حديث لـ"النهار"، يتطرّق إلى قرار سلاح "حزب الله" في حال انضوى تحت جناح الحكومة، ويقول إن "بإمكان الحكومة أو المجلس الأعلى للدفاع صياغة خطة وطنية دفاعية يُسلّم فيها قرار السلم والحرب إلى الدولة، من دون أن ينضم عناصر الحزب إلى الجيش، أو يتم تجيير قيادة الأخير إلى الثنائي الشيعي"، وذلك لتفادي أيّ خلل في المؤسّسة العسكريّة.

لكن تجارب الحوار مع "حزب الله" غير مشجّعة، ويعترف ملاعب بهذا الواقع، مذكّراً بطاولة الحوار التي عُقدت في بعبدا عام 2012 وصدرت عنها قرارات، بينها النأي بالنفس عن صراع المحاور وترسيم الحدود مع سوريا، وهي بنود لم يلتزم بها "حزب الله"، لا بل خرقها وشارك في الحرب السورية".

في المحصّلة، فإن سلاح "حزب الله" إقليميّ دوليّ، وقراره مرتبط بإيران وسوريا وغيرهما من الدول، ومحور الممانعة الذي قدّم للحزب دعماً بشرياً ومادياً كبيراً جداً، لن يُضحّي بمكاسبه ويتبرّع بها لدولة لبنانية لا يعترف بوجودها، ولا يحترم سيادتها؛ وبالتالي فإن تسليم "حزب الله" لسلاحه سيكون مرتبطاً بأرباح يفوق حجمها حجم لبنان، ربما أقلّها تغيير شكل الجمهورية والنظام. 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium