عبّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن "خيبة أمل لبنان" للقرار الأخير الذي أصدره برلمان الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياه بأنه "انتهاك لسيادة لبنان ولا يأخذ في الاعتبار مخاوف اللبنانيين وتطلعاتهم".
وناشد المجتمع الدولي "اعتماد لبنان نموذجا في حل هذه الأزمة، على ان يكون نموذجا للدول الأخرى التي تصارع تحديات مماثلة".
ألقى ميقاتي كلمة لبنان في "مؤتمر روما لمناقشة الهجرة عبر المتوسط" أمس، وجاء فيها: "(...) رغم عدم توقيع لبنان اتفاقي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951، يجب الاعتراف بالمرونة والرحمة اللتين أظهرهما في توفير المأوى والمساعدة للسوريين في خلال الحرب السورية، بموارد محدودة للغاية، ونقص شديد في فرص العمل الجذابة في البلاد، غير أن اللبنانيين رحبوا باللاجئين بأذرع مفتوحة، وتقاسموا معهم كل ما يملكون لدعمهم في هذه الأوقات الصعبة. 75 عاما من التحديات المؤرقة والصراعات والحروب الدورية وخيبات الأمل العابرة للأجيال والفرص الضائعة واستراتيجيات التنمية غير الملائمة تفوق قدرة بلد واحد على التحمل!".
ولفت الى "أن موقف الحكومة اللبنانية من هذا الموضوع هو التالي: بما ان الصراع في سوريا انتهى، نحتاج إلى وضع خطة للعودة الآمنة والمضمونة لجميع اللاجئين إلى وطنهم. وعلى المنظمات الدولية والجهات المانحة، عوض تمويل إقامتهم في لبنان، إعادة توجيه هذه الأموال لدفعها بشروط للأفراد والأسر التي تقرر العودة إلى وطنها".
واشار الى "أن الوضع في لبنان يعتبر حاليا حرجا بشكل خاص، بعد استضافته احد أكبر أعداد اللاجئين بالنسبة الى عدد السكان في العالم! وهذا الوضع الحالي يصبح غير مستدام بشكل متزايد يوميا. فلبنان، البلد الصغير نسبيا والبالغ عدد سكانه 5 ملايين، يتحمل الآن مسؤولية استيعاب حوالى مليوني لاجئ سوري. ولتوضيح هذا الموضوع، سيكون الأمر كما لو أن إيطاليا تستقبل 20 مليون لاجئ وتستضيفهم!".
وأضاف: "ياللأسف، يبدو أن القرار الأخير للاتحاد الأوروبي يتغاضى عن التعقيدات والتحديات المتعددة الوجه التي تواجه لبنان. فبدلا من الاعتراف بمرونة بلادي وتحفيزها- وبيقظة القوات المسلحة اللبنانية- في مواجهة أزمة اللاجئين، نجد أنفسنا موضع لوم، أو بالأحرى معاقبين على حسن ضيافتنا وجهودنا! بالتالي، أود أن أكرر خيبة أمل لبنان (جراء) القرار الأخير الذي أصدره برلمان الاتحاد الأوروبي. هذا القرار هو انتهاك واضح للسيادة اللبنانية ولا يأخذ في الاعتبار مخاوف اللبنانيين وتطلعاتهم. إن الضغط الذي تفرضه هذه الأزمة علينا والتداعيات الشديدة للوجود الطويل الاجل للنازحين السوريين في لبنان، يزعزع استقرار النسيج الاجتماعي في البلاد ويشكل تهديدا مباشرا على وجوده كنموذج للتنوع.
ان لبنان يتحمل هذا العبء الكبير باستضافة اللاجئين السوريين منذ 12 عاما. في حين تشهد بلادي أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها. مواردنا محدودة للغاية، إن وجدت، لاحتواء تأثير أزمة اللاجئين هذه على نسيج المجتمع اللبناني والبنية التحتية بشكل عام. لبنان على أهبة الاستعداد للدخول في حوار بناء وتعاون مع جميع الشركاء الدوليين لوضع خريطة طريق مشتركة لمعالجة هذه الأزمة، ونحن حرصاء على تعزيز تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي في هذا المسعى".
وتوجه الى المؤتمرين قائلاً: "عليكم الاخذ في الاعتبار ما يأتي: إذا كنتم تعتقدون ان تكلفة معالجة أزمة اللاجئين باهظة للغاية بالفعل، فاستعدوا لظهور "جيل ضائع" يتألف من عدد لا يحصى من الشباب والشابات الذين يتحملون الآثار المدمرة للحروب الدورية والصراعات، واستراتيجيات التنمية غير الملائمة وانعدام التعليم السوي والبطالة المتفشية. لا يستطيع لبنان، ولا يجب أن يتحمل عبء أزمة اللاجئين وحده! أناشد المجتمع الدولي اعتماد بلدي نموذجا في حل هذه الأزمة، على ان يكون نموذجا للدول الأخرى التي تصارع تحديات مماثلة. في هذا السياق، من المهم التأكيد على أهمية تقاسم المسؤولية والأعباء بين الدول".
وشدد على "الحاجة الملحة والضرورية لتعزيز دعم المجتمع الدولي للمساعي اللبنانية. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدان، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية وتخصيص موارد كافية لتحصين تدابير مراقبة الحدود. كما يتطلب تأمين مساعدة مالية عالمية فورية للبنان، وتعزيز أمن الحدود، ومكافحة الشبكات الإجرامية العاملة في الاتجار بالبشر، والاستثمار في مبادرات بناء القدرات، وتبادل أفضل الممارسات لإدارة اللاجئين".