انعقد المؤتمر الحواري الذي نظمه “ملتقى التأثير المدني” ومؤسسة "كونراد آديناور – لبنان" في فندق الموفمبيك في ييروت تحت عنوان: "تحدّيات لبنان: المواطنة والدّولة، السيادة والسياسة الخارجيّة" بمشاركة 50 خبيرة وخبيرا وحضور ديبلوماسي وإعلامي لافت.
افتتح المؤتمر عند التاسعة والنصف صباحا بالنشيدين الوطنيين اللبناني والالماني وبعد ذلك كانت دقيقة صمت حدادا على أرواح ضحايا جريمة تفجير مرفأ بيروت. وألقى رئيس ملتقى التأثير المدني فيصل الخليل كلمة إستهلها بالترحيب بالحاضرين منوها بالشراكة مع "مؤسّسة كونراد آديناور – لبنان" لمعالجة "مسائل إشكاليّة في السّياسات العامّة التي يفتقدها لبنان في مسارٍ مُحدّد المعالم نُعالِج فيه مع خبيرات وخبراء لهُم منّا كُلّ الشّكر والتّقدير".
وأضاف: "ليس سهلا في هذه المَرْحَلة الخطيرة والدّقيقة التي يواجِهُ فيها لبنان خطراً هائلاً على هويّتِه وكيانِه وسيادتِه وعدالتِه وثقافة الدّولة والدّستور، ليس سهلاً أن نستمرّ جميعاً مواطناتٍ ومواطنين لبنانيّين مُقيمين ومغتربين كُلٌّ من موقعِه في صناعة الأمل بالتّعاون مع أشقّاء لنا في العالم العربي والمجتمع الدّولي، فلُبنان عضوٌ مؤسّسٌ في جامعة الدّول العربيّة والأمم المتّحدة، وقد ساهم بالعُمْق في صياغة الشُّرعة العالميّة لحقوق الإنسان. صِناعة الأمل هي قرارُنا ولا تراجُع عَنْه في سبيل استرداد الدّولة، وتطبيق الدّستور، وتحقيق السّيادة، وصَوْن كرامة الإنسان، وتقوية العيشِ معًا في وطنِ الحريّة والأخوّة".
مايكل باور
وبعدها كانت كلمة مدير مؤسّسة كونراد آديناور في لبنان مايكل باور قال فيها: "لبنان هو أرض جمال فريد وأهله يتميَّزون بصمود عل مرِّ العصور بفِعل التحدِّيات التي واجهوها. وقد تكون إحدى أهمّ التحدّيات المواطنة والدَّولة بما هي تؤسِّس لمستقبل أي أُمَّة. المواطنة هي القلب النابض لأي مجتمع ديموقراطيّ".
وأضاف باور: "مع المواطنة هناك تحدّي احتكار استعمال القوِّة وسط سيادة الدَّولة على كامِل أراضيها والحدود، وهذا ما يواجه فيه لبنان تحديًا أساسيًّا، كما إنَّ السِّياسة الخارجية للبنان مُتأثِّرة بفعل انخِراط أفرقاء في صراعات خارج لبنان". وختم باور: "مع كُلّ هذه التحدِّيات تبقى إشكاليَّة الهُويَّة ودور لبنان في المستقبل وهذا أساسيّ".
الجلسة الاولى: المواطنة والذاكرة الجماعيَّة
بعد كلمتي الإفتتاح عقدت الجلسة الاولى تحت عنوان "لبنان ودولة المواطنة: مقاربة تحدّيات في الذاكرة الجماعيَّة والتّماسك الاجتماعيّ". وتحدث فيها كل من السيدة هدى الخطيب شلق والدكتور حسن منيمنة. وأدار الجلسة الكاتب السياسي سام منسى والمدير التنفيذي للملتقى زياد الصّائغ الذي قال: "لبنان دولة خارج الدّستور، أَخرجتها منظومة قاتِلة تحالف فيها فسادٌ غير مشروع مع سِلاحٍ ما فوق الشرعيّة، أَخرجتها من النّظام الطّبيعي والوضعيّ، وأدْخَلَت شعبها في خياراتٍ انتحاريّة إلتَبَست فيها المفاهيم، وشُيْطَنَت فيها المسارات، واغتيل فيها الأمَل. بُتْنا جميعًا أسرى دوَّامة عُنْفٍ غير مسبوق يُغلِّفه هدوءٌ هشّ. رغم كُلّ ما سَبَق يبقى التّوْق إلى دولة المواطنة السيّدة الحرّة العادِلة المستقلّة هو الأساس، ولا مُهادنة في هذا النّضال. من هُنا أهميّة مقاربة إشكاليّات دولة المواطنة ربطًا بتحدّيات بناءِ الذّاكرة الجماعيّة والتّماسك الاجتماعي، وهو عنوان الجلسة الأولى".
كلمة الخطيب
استهلت الخطيب كلمتها بمراجعة المادة الأولى من الدستور اللبناني ومعنى "أن يكون الفرد مواطنا في لبنان" وكيفية "تعامل اللبناني\ة مع تراكمات الماضي من الطائفية وانعدام الثقة ومن الحروب والدمار وعدم الاستقرار المستدام وصولا إلى "ما في ذاكرة اللبنانيين مما خلفته هذه الحروب. وما يغذي واقع الدولة المتردي اليوم على جميع الصعد هشاشة الذاكرة الجماعية". ورأت انه "متى تجلت المواطنة لدى اللبنانيات واللبنانيين والتحديات التي نواجهها في ظل فقدان الثوابت التي تجمع اللبنانيين". فلبنان "أكثر من وطن، هو رسالة". ولفتت الى كيفية ترجمة اللبنانيين "ما أوصى به السينودس من أجل لبنان اللبنانيين".
وبعدما سألت الخطيب إن "استفاد اللبنانيون من دروس الماضي" وأجرت مقارنة بين "المشهد الحالي للبنان من دولة المواطنة والمشهد المرتجى". اشارت الى مجموعة من "الآليات المطروحة في لبنان لتحقيق مواطنية أبنائه ورسالته التاريخية المميزة لجهة تطبيق الطائف كمرحلة انتقالية ضرورية، قانون انتخاب عادل، قضاء نزيه، تربية على المواطنة والتعليم، إيجاد أسواق عمل، الاستثمار في الإنسان اللبناني وفي الأدمغة المهاجرة، تفعيل دور المرأة، التوعية والتدريب على المواطنة والديمقراطية للشباب خاصة، الضمانات الاجتماعية، الأمن الإنساني".
\كلمة منيمنة
أمَّا منيمنة فتحدَّث عن "الذاكرة بين الوحدة والتعدد، بين الأمس والغد". وتوقف امام موضوع "الذاكرة لبنانياً ليس الأمس بقدر ما هو الغد، في سياق الأزمة الوجودية العميقة التي يعيشها لبنان". وقال إنَّ "الأمر الواقع، وإن دون الإقرار العام به، هو أن الذاكرة اللبنانية ليست واحدة، ومن ثم الرؤية للغد اللبناني كذلك ليست واحدة. كيف يمكن للبنان الاستفادة من تجارب الآخرين للسير في الطريق الوعر للتعاطي مع الذاكرة بإشكالياتها، لا نحو توحيدها إذا كان الأمر مستعصياً، إنما لتحقيق التعايش بين مظاهرها المتعددة. المسألة الجوهرية هي هل بوسع الذاكرة أن تصبح جزءاً من الحل في اعتبارات الغد اللبناني، أم هل هو محكوم عليها أن تبقى وجهاً من المشكلة."
الجلسة الثانية: السياسة الخارجيَّة والدِّفاعيَّة
وبعد مناقشة عامة لنصف ساعة انعقدت الجلسة الثانية تحت عنوان "لبنان بين الاستراتيجيّة الدّفاعيّة والسّياسة الخارجيّة: السيناريوهات والتّداعيات" تحدثت فيها الدّكتورة ريان عسّاف والعميد المتقاعد خليل الحلو. وأدار الجلسة منسى والصّائغ الذي قدم لها بقوله: "إخراجُ لبنان من الدّستور فَرَض في تداعياتِه تكريس انتِهاك السّيادة وشرعنة العُنْف والخيارات الاستراتيجيّة من خارج الدّولة، ما أسّس لاندِفاعة بحثٍ ملتبِس عن استراتيجيّة دفاعيّة من ناحِيَة، كما فَرَض وَضْع لُبْنان في سياسة خارجيّة غبر متّزنة وغير متوازِنة أولِجَ فيها عُنْوَة سياسة محاور أو مِحْوَر ما جعل من سياسة الخارجيّة انقِلابيّة على خياراتِه التّاريخيّة من ناحِيَةٍ أُخرى. من هُنا أهميّة مُقاربة الاستراتيجيّة الدّفاعيّة والسّياسة الخارجيّة في سيناريوهاتِها وتداعياتِها".
كلمة عسّاف
وقالت الدكتورة عسّاف في مداخلتها "إن إحدى وسائل إدارة التعدّديّة قد تستوجب الحياد، ومن هذا المنطلق أعلن لبنان على مرّ تاريخه واتخذ إجراءات تعبّر عن اتجاهه لاعتماد الحياد". ولفتت إلى أنَّ "استعمال عبارات الحياد والتحييد والنأي بالنفس في النقاشات العامّة في لبنان دون تمييز بينها وذلك للتعبير عن اتجاه، في خضمّ كلّ صراعات المنطقة، لإبعاد لبنان عن هذه النزاعات."
ولفتت الى أنّ "هناك اختلافاً بين هذه المفاهيم. بشكل عام. فمفهوما الحياد والتحييد يعبّران عن سياسة عامّة (Policy) تنتهجها الدولة اللبنانيّة لإبعاد لبنان عن النزاعات". أمّا "النأي بالنفس فهو قرار بإبعاد لبنان عن نزاع محدّد لا يرتبط مباشرةّ بلبنان. فالحياد والتحييد يفترضان أن يبعد لبنان نفسه عن النزاعات، وأن تلتزم الدول المعنيّة بالنزاعات بإبعاده عن نزاعاتها، أمّا النأي بالنفس فهو قرار آحادي الجانب يتخذه لبنان دون أي التزام من جانب الدول الأخرى".
وتحدثت عساف عن "صعوبة الانتقال في الوقت الحالي الى وضعيّة الحياد الدائم الخاضع لنظام قانوني مُحكَم نتيجة عدّة اعتبارات داخليّة وخارجيّة، لا سيّما منها على الصعيد الداخلي التزام لبنان القضيّة الفلسطينيّة ولأنّه ما زال للبنان أراضي محتلّة في كفرشوبا وشبعا والجزء الشرقي من بلدة الغجر."
وانتهت عساف إلى دعوة الدولة اللبنانيّة إلى الالتزام بتحييد لبنان كما ورد في إعلان بعبدا وهو في الوثيقة الصادرة عن الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
كلمة العميد الحلو
أمَّا العميد خليل الحلو فقال إنَّه و"بسبب عدم الإستقرار الدائم في الشرق الأوسط منذ قرون وانعكاس ذلك سلباً على لبنان، وبسبب موقعه الجغرافي وتعددية شعبه، يجب تأمين الإستقرار عبر جيش مركزي قوي ومتطور، وهذا ممكن بدعم من الدول الصديقة التي تجد أن مصالحها في إستقرار لبنان، وفي منع تحويل لبنان إلى منصـّة انطلاق أعمال تخريبية ضدها".
ولهذه الغاية إعتبر الحلو "يجب وضع سياسة دفاعية في مجلسي الوزراء والنواب من مكوناتها الطبيعية الوزارات كافة ومنها الخارجية والدفاع ووزارات الخدمات. وتنبثق عنها استراتيجية دفاعية ثم استراتيجية عسكرية مبنيتان على عقيدة قائمة على ثلاثة عناصر وهي: أولها منع اي طرف لبناني وغير لبناني من الإعتداء على دول المنطقة العربية وغير العربية دون استثناء. وثانيها منع التدخل في شؤونها الداخلية، وتطبيق اتفاقية الهدنة مع إسرائيل (1949) وقرار مجلس الأمن 1701. وثالثها التصدي لأي إعتداء عبر الحدود كافة، بإعتماد القتال التأخيري لأي غزو واقترانه بخطة دبلوماسية مسبقة، واعتماد القوات المسلحة اللبنانية مبدأ الحرب غير المتكافئة".
الجلسة الثالثة: خلاصات وآفاق
انعقدت الجلسة الثالثة والأخيرة وخصصت للبحث في الخلاصات وآفاق المؤتمر وما انتهت إليها جلساته فقدمها كل من باور ومنسى والصّائغ وكان التركيز على ثلاثة محاور.
أولّها ما هي واقعيّة طرح القضايا الشائكة التي تمت مناقشتها في ظلّ أنّ لبنان رهينة وهو دولة خارج النظام والدّستور؟ وثانيها ما هو دور القوى المجتمعيّة الحيّة (جامعات، هيئات مجتمع مدني، إعلام، إغتراب ...) والقوى السياسيّة السياديّة الإصلاحيّة الممثّلة بالبرلمان ببلورة خارطة طريق بالقضايا الثلاثة الأساسيّة: بناء دولة المواطنة، السياسة الدّفاعيّة، والسياسة الخارجيّة؟ ثالثها هل من دور للعالم العربي والمجتمع الدولي في دعم خيارات الشعب اللّبناني بالقضايا التي ذكرنا سابقًا وكيف؟
وكان نقاشُ في آليَّات المتابعة.