تفاعلت قضيّة سحب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريركاً على الكنيسة الكلدانية في العراق، ما أدّى الى رحيله عن البطريركية ولجوئه الى أربيل.
القضيّة التي حازت اهتماماً لبنانياً في الأيام الأخيرة، تجاوزت مسألة المسيحيين والحضور التاريخي للكلدان في العراق والظلم والتهجير اللذين تعرضوا لهما، الى المحاولات التي جرت لوضعها ضمن سياق الخلاف المسيحي-المسيحي بعيداً عن السياسة.
والمعروف أن السبب الرئيسي لمرسوم الرئيس هو الضغط الذي مارسه رئيس ميليشيا بابليون "المسيحية" المنضوية ضمن فصائل الحشد الشعبي برئاسة المعاقب أميركياً بتهمة الإرهاب ريان الكلداني.
والمعروف أيضاً أن الكلداني يترأس فصيلاً مسلحاً بقيادة مسيحية لكن أغلب أعضائه من "المسلمين الشيعة" بحسب تقرير لمعهد واشنطن، وتسيطر على قضاء تلكيف ذي الأغلبية المسيحية.
ويقول التقرير إن غضب السكّان المحليين تجاه "بابليون" ارتفع بشكل ملحوظ بسبب "الفساد الذي أظهرته عبر تورّطها بعمليات ابتزاز السكان المدنيين عند نقاط التفتيش، ومحاولاتها استبدال المسؤولين الحكوميين بالموالين لـ"بابليون"، والتحرّش بالنساء". وشكّلت هذه الجرائم الأساس الذي استندت إليه الولايات المتحدة لتصنيف مؤسس الميليشيا ريان الكلداني على قائمة منتهكي حقوق الإنسان في 18 تموز 2019.
وبفضل الدعم المادي والعسكري استطاع "بابليون" الحصول على 4 مقاعد مسيحية من أصل 5 في مجلس النواب العراقي.
هذا الأمر المستجد في العراق، هناك من ربطه بما يجري في لبنان خصوصاً مع وجود فصائل مسلحة تابعة لـ"حزب الله" كسرايا المقاومة التي يقودها أفراد من خارج إطار المسلمين الشيعة وتحتوي على عدد كبير من المسيحيين، الذين يمارسون سياسة تشبه سياسة الكلداني، وبناء تحالفات سياسية تؤيّد "حزب الله" وتهاجم كل من يخاصمه، بالإضافة الى التركيز على مجموعات مسيحية فقط كمجموعة "قاوم" التي وُجد رئيسها منتحراً في إحدى الكنائس في كسروان قبل أشهر، وتهاجم رجال الدين والبطريركية إذا تعارض موقفها مع "حزب الله".
وفي هذا الإطار، يقول النائب نديم الجميّل لـ"النهار" إن الخطورة الكبرى للذي جرى في العراق تكمن في التشبيه المباشر بين العراق ولبنان، لافتًا إلى أن ما يحصل في العراق مع الحشد الشعبي والبابليين شبيه جداً بما يحصل في لبنان بوجود سلاح "حزب الله" غير الشرعي وكل الفريق التابع له من سرايا المقاومة وغيرها وهذا أمر مرفوض كلياً، معتبراً أن ضرب مصداقية الكنيسة الكلدانية في العراق وحضورها هو ضرب لكل الكنائس في لبنان.
وأعرب الجميّل عن أسفه إذ كأن هناك مخططاً واضحاً للنيل من الفكر والضمير الحرّ في كل العالم العربي وهذا مرفوض، معتبرًا أنه "إذا ضُربت الكنيسة الكلدانية في العراق فهذا يعني ضرب كل المسيحيين في الشرق".
ويشدد الجميّل على "أننا لن نقبل باستمرار ما يحصل في العراق أو بامتداده الى سائر الكنائس"، لافتاً الى "ضرورة وضع الأمر في الإطار الصحيح وليس تصويره على أنه خلاف مسيحي بل خلاف سياسي يحاول عبره الحشد الشعبي وأنصاره من المسيحيين السيطرة على الكنيسة".
وفي السياق، لم تلاقِ الكنيسة الكلدانية الفاتيكان والتيارات السياسية اللبنانية الرافضة والمتخوفة من الذي جرى، وقد عزت مصادر مقرّبة منها أن الوضع في لبنان حسّاس، وليس أقلّ صعوبة عن العراق، كما أنها تستقبل وترعى عدداً كبيراً من أبناء العراق في لبنان ويمكن لأي خطوة أن تؤثر على علاقة الطائفة الكلدانية مع باقي الطوائف، وهي علاقة جيدة رغم كارثية ما جرى في العراق، مستبعدة أن يحدث أمر مماثل في لبنان.
يذكر أن رئيس حركة "بابليون" قد زار لبنان في عام 2021 واستقبله الرئيس ميشال عون والوزير السابق جبران باسيل، كما زار بكركي بمعيّة التيار الوطني تحت ستار توحيد المسيحيين المشرقيين قبل أن تعلو الاعتراضات عليه وكشف هويّته، وتتم لملمة الموضوع سريعاً.