قال مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشرق الأدنى، ديفيد شينكر، في مقابلة لـ"Ici Beyrouth"، إنّه "لا جدوى من انتخاب رئيس ضعيف لا يلتزم بإطلاق إصلاحات ولن يلتزم بذلك، وليس حاضراً للقيام بما يلزم لفرض المساءلة وحلّ الأزمة اللّبنانيّة".
في ما يلي نص الحديث:
"ما انطباع حضرتك بالنّسبة إلى اجتماع الدّوحة حول لبنان؟ وهل تصفه بالنّاجح أم بالفاشل؟
مرحباً، من المبكر التكلّم عن ذلك. إنّه لأمر جيّد أن يجتمع الفرقاء كافة في الدّوحة، (الولايات المتّحدة، والسّعوديّة، وقطر، وفرنسا)، وأن يتّفقوا على أهميّة التوصّل إلى اختيار مرشّح رئاسيّ. لكن يبدو أن ثمّة خلط في الأولويّات هنا، على ما أعتقد. هل من المهمّ وجود رئيس ضعيف، لا يلتزم بالإصلاحات، وليس حاضراً للقيام بما يلزم لفرض المساءلة وحلّ الأزمة اللّبنانيّة؟ قد تنتخبون رئيساً وحكومة جديديْن من دون التوصّل بالضّرورة إلى حلّ للأزمة. أعود وأكرّر، الكلام عن ذلك سابق لأوانه.
هل تقصد الإشارة إلى سليمان فرنجيّة؟
أجل، أو أي أشخاص آخرين لن يطبّقوا الإصلاحات، ويسعوْن إلى ضمان استمراريّة النّظام الحاليّ في لبنان. أكرّر، لا يتعلّق الأمر برئيس الجمهوريّة، بل بشخص يتمتّع بالصّبر والجلَد للمضيّ قدماً، والتوصّل إلى الإصلاحات اللاّزمة.
هل ترى أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون مرشّح جيّد؟
تكلّمت منذ بضعة أشهر عن وصول العماد جوزف عون، في النهاية، إلى سدّة الرّئاسة بسبب عدم قدرة الأطراف على التّوافق. أعتقد أنّ ثمّة توافق عليه من الفرقاء كافة. أكرّر، يبقى أن نتأكّد ما إذا كان سيستطيع تنفيذ هذه الإصلاحات، علمًا أنّه سيحتاج إلى دعمٍ كبير. مع ذلك، يلتزم حزب الله، العنصر الأساس في السّياسة اللّبنانيّة، وشركاؤه، بالفساد، وسوء الإدارة، وعدم المساءلة.
يبدو أنّ العقوبات الأميركيّة لم تثنِ جبران باسيل عن العمل ضدّ من يعرقلون الانتخابات الرّئاسيّة. فكيف يمكن ردعه/السّيطرة عليه اليوم؟
يتّسم بعض الأطراف اللّبنانيّين بالعقم. وليست العقوبات بالحلّ السحريّ، بل هي عبارة عن خيبة الولايات المتّحدة واستيائها. جلّ ما تهدف إليه هو تحقيق تغيير على صعيد السّلوك، لكنها لا تحقّق ذلك دائماً. يتعيّن فرض عقوبات متعدّدة الأطراف، وأن تكون فرنسا من ضمن المؤيّدين لها. ومن وجهة نظري، تُعتبر الأخيرة العامل الأهمّ في الوضع اللّبنانيّ.
ترغب دول غربيّة كثيرة في فرض عقوبات على من يعرقلون الانتخابات الرّئاسيّة. وقد رأينا ما حصل الأسبوع المنصرم عقب بيان صادر عن المجلس الأوروبيّ. أتعتقد أنّ الإجراءات هذه جدّية؟ وهل حقّاً يسعوْن إلى ذلك؟
حبّذا لو كان هذا صحيحاً. سمعنا عن رغبة الفرنسيّين بعد انفجار المرفأ بفرض عقوبات على أشخاص لبنانيّين، لكنّ أي من هذا لم يحصل. أعتقد أنّ فرنسا متردّدة لجهة الشّروع في ذلك، وهي لم تركّز فعلاً على قضايا المساءلة في لبنان.
لماذا؟
يميل الجانب السّاخر فيّ إلى الاعتقاد أنّ فرنسا تهتمّ بالتّعامل التجاريّ مع لبنان، وتعتقد أنّ فرض المساءلة قد يقوّض الاستقرار بطريقة ما. هذه النّظرية خاطئة، برأيي، لا بل هي ما أبقى لبنان على وضعه الحاليّ. ببساطة، جميع الجرائم بقيت من دون عقاب.
هل ترى أنّ النّهج الفرنسيّ ليس بالنّهج الصّحيح حاليّاً؟
أعتقد أن التّعاون الوثيق مع المجموعة الخماسيّة بشأن لبنان (الولايات المتّحدة، وفرنسا، وقطر، والسّعوديّة، ومصر) مؤشّر إيجابيّ، والتّعبير عن إرادة أكثر جدّية تهدف إلى المضي قدماً بالتّرغيب والتّرهيب، مفيد. غير أنّ هذا تغيير حديث.
هل ثمّة تناغم بين الولايات المتّحدة والنّهج الفرنسيّ؟
تشير التّقارير الواردة من الدّوحة إلى نوع من التّوافق. حتّى لو توصّلتم إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة، أيعني هذا أنّ لبنان سينجح في الخروج من أزمته؟ أعتقد أنّ النّقطتيْن مختلفتيْن. هل انتخاب رئيس هو ما يتعيّن التّركيز عليه، أم تطبيق سيادة القانون؟ هل ينبغي أن تضغط فرنسا، وألمانيا، واليابان، وبلدان أخرى، على لبنان لتسليم رياض سلامة؟ يواجه الأخير اتّهاماً بارتكابه بعض الجرائم الماليّة (ما يقارب ٣٠٠ مليون دولار، على ما أظنّ). وهو يستحقّ فعلاً المحاكمة في أوروبا، وفي بلدان أخرى. إنّما أعتقد أنّه من المهمّ السّماح له بالتّعبير عن رأيه، وشرح كيفيّة وصول لبنان إلى أزمته الحاليّة أمام المجتمع الدوليّ. من قد يكون مسؤولاً، بالإضافة إليه، عن بعض السّياسات، والفساد اللّذيْن أوصلا لبنان إلى ما هو عليه؟ أؤمن بفعاليّة المسارات هذه لدفع لبنان نحو الاتّجاه الصّحيح، بدلاً من اختيار شخص آخر لمدّة 6 سنوات قد لا يتمتّع بالقدرة على تحقيق أي تغيير جوهريّ.
ولكن، هل ترى أنّه يتعيّن على الرّئيس أن يكون سياديّاً؟
بالطّبع، أعتقد أنّ ذلك سيعود بالفائدة على لبنان. حتّى أنّني شخصيّاً لا أتقبّل الاضطّرار إلى اللّجوء المستمرّ إلى المجتمع الدوليّ. ولبنان يعتمد دائماً على إيران أو الدول الغربيّة لإخراجه من أزماته. الحريّ به أن يحلّها بنفسه، وأن يكون دولة سياديّة، لا تحتلّها دول أخرى. ينبغي كذلك أن يعتمد سياسات تضع استخدام القوّة بيد الدولة من دون غيرها. غير أنّه من الواضح أنّ الأمر بعيد كلّ البعد.
هل تعتبر أنّ مهمّة جان إيف لودريان غير مجدية؟
ليست من دون جدوى. أتمنّى أن يُولى لبنان ببعض الاهتمام. شهدنا تركيزاً مكثّفاً في واشنطن على اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل. غير أنّني لا أعتقد أنّ لبنان حظي بالأولويّة، في ظلّ كلّ ما يحدث في العالم. أعني بذلك الانقلاب في النّيجر، والحرب الأهليّة في السودان، وتداعياتها على دول الساحل، وجنوبه. يواجه نهر النّيل، والبحر الأحمر، وأوكرانيا، وروسيّا، والصّين خطراً محدقاً. ولكن بالتّأكيد، وكي يعمّ الاستقرار منطقة الشرق الأوسط، يتعيّن أن يُعطى لبنان الأولويّة. عادة ما لا تتمتّع الدول إلاّ بقدرات محدودة، لذلك ينبغي أن يولى لبنان أهميّة أكبر في الوقت الرّاهن. أتمنّى لو أدرك اللّبنانيّون الأولويّات لحلّ المشكلة بدلاً من الاعتماد الكامل على فرنسا والمجتمع الدوليّ.
هل تعتقد أنّ الاتّفاق البحريّ سيظلّ سارياً إذا اندلعت حرب ما؟
عبّرت عن رأيي عند توقيع الاتّفاق. أعتقد أنّ حزب الله، وفي حال اندلاع حرب، لن يشعر بأنّه ملتزم بعدم استهداف المنشآت الإسرائيليّة، مثل شركة شيفرون، وموقع قوريش، وغيرها. أظنّ أنّ هذه المنشآت قد تشكّل هدفاً للحزب، وقد لا تكون محصّنة ضدّ النّزاع. من جهة أخرى، وبالنسبة إلى إسرائيل، لا أتوقّع استهدافها منشأة توتال، لذلك فلبنان بمنأى.
من المؤسف أنّ حزب الله لا يزال سيّد المشهد السياسيّ. كيف يمكننا التحرّر من هذه الحلقة الهمجيّة الّتي خلقها؟
من الصّعب فعل ذلك مع وجود ميليشيا واحدة في لبنان تحتفظ بأسلحتها خلافاً لما نصّ عليه اتّفاق الطّائف، وها هي تسيطر الآن على البلاد، وتتخلّص من خصومها السّياسيّين من دون أي شعور بالذنب. من الواضح أنّ إيران وسوريا يدعمان الحزب، وسيكون من الصّعب تغيير ذلك مع وجود نظام كهذا في طهران، ملتزم بتقويض استقرار المنطقة، ودعم الميليشيات فيها. إذ ترتبط قوّة حزب الله في لبنان بعلاقته مع إيران، والأخيرة لم تبدِ أي إشارة متعلّقة بتغيير سلوكها، أو نهجها في لبنان. هذا هو طابع المشكلة المحزن. بالإضافة إلى ذلك، يستفيد حزب الله من الانهيار الماليّ في لبنان، ومن الدّولرة، ومن انخفاض قيمة العملة، ومن إنشاء نظامهم المصرفيّ الخاص "القرض الحسن". يناسبه الوضع الرّاهن، ولم يبدِ أي إرادة في اعتماد أي إصلاح. أعتقد أنّنا نشهد حاليّاً مرحلة انتظار وترقّب مع حزب الله في لبنان.
ألا تعتقد أنّ التّقارب بين إيران والسعودية سيساعد في تقليل تأثير حزب الله في لبنان بشكل عام؟
لا، لا أعتقد أنّ إيران بصدد التّخلي عن حزب الله، تمامًا كما أنّها لن تتخلى عن الحشد الشعبيّ، أو دعمها الكامل لنظام الأسد، أو حتى للحوثيّين. قال تيم لندركينج، المبعوث الأمريكيّ إلى اليمن، في حديثه الأخير، إنّ إيران تستمرّ في تزويد الحوثيّين بالأسلحة. ربّما قد يتّفقون في النهاية على هدنة (وقف إطلاق نار) مع السعوديّة، لكنّهم سيبقوْن ميليشيا مدعومة من إيران، كذلك حزب الله الّذي يهيمن على لبنان. إن قرّرت إيران تقييد حركة حزب الله لبعض الوقت، ربّما يحدث ذلك. لن أراهن على الأمر، غير أنّه ممكن. نلاحظ، وحتّى مع التّقارب هذا، قنابل زرعها حزب الله على جوانب الطّرقات، وخيم أقامها على الحدود، وهي تصرّفات استفزازيّة ضد إسرائيل. لم يردعه شيء. أعتقد أنّه وللأسف، ينظر إلى ما يحدث اليوم في إسرائيل على أنّه نقطة ضعف، ويستغلّه مستمرّاً في استفزازها، وهذا لأمر خطير.
أنت تكشف السّتار عن صورة حزينة جدًا. نصل الآن إلى سؤالي الأخير. لبنان في وضع جمهوريّة مؤقّتة، ونحن نفتقر إلى رئيس، وحكومتنا تُصرّف الأعمال. كما اقتربت ولاية حاكم مصرف لبنان من نهايتها، وولاية قائد الجيش، العماد جوزف عون تنتهي كذلك في آخر العام الحاليّ، هذا فضلاً عن ركود على صعيد التّعيينات. ومع ذلك، لا يبدو أنّ الطبقة السياسيّة قلقة بشأن أي من هذه الأحداث. كيف سيستطيع لبنان التغلّب على هذه الشواغر، والتحدّيات؟
ليست النّخبة اللبنانيّة مستعجلة لمعالجة الفراغ الحاصل في الحكومة، والمعاناة الّتي يعيشها الشّعب اللّبنانيّ، وانخفاض قيمة اللّيرة بنسبة 98-99%، ورزوح 75% من اللّبنانيّين تحت خطّ الفقر، ولا حتى مستعجلة لمحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ الّذي أودى بحياة مئات الأشخاص، وجرح آلاف الآخرين، ورمي 300000 شخص في الشّارع من دون أي ماوى.
لا تهتمّ النّخبة في لبنان برفاهية الشّعب اللّبنانيّ ولو قليلاً. أتمنّى أن تساعد الجهود الدبلوماسيّة الموحّدة في الدوحة، وفي أماكن أخرى، على دفع لبنان نحو الاتّجاه الصحيح. وآمل أن يكون ثمّة خطوة نحو التّوافق على الحاجة إلى اعتماد بعض الاصلاحات، لكنّ عقوبات المجتمع الدوليّ لن تقوم بذلك. ولن يرسل أحد القوّات العسكريّة. ففي نهاية المطاف، تحتكر النّخبة القرار، ويحاول الشّعب المضي قدماً. أثق أنّ لبنان قادر على ذلك، وأنّ الكثيرين فيه قد تعبوا من تصرّفات من يمثّلونهم/نوّابهم، وسئموا منها. لن يبقى الأمر على ما هو عليه بعد اليوم، لكنّني أجهل ما سيحرّك تلك المجموعة ويدفعها إلى الاهتمام بالشّعب اللّبنانيّ. أتمنّى أن يساعد التّوافق الدوليّ على التّشجيع على التحرّك، لكنّني لست متفائلاً. عاجلاً أم آجلاً، ستنتخبون رئيساً، على أمل أن يكون جيّداً، ويحدث بالفعل فرقاً. فالاتّجاه الّذي نسير فيه، والرّكود والتصلّب في نظامكم السّياسيّ، لا يوحي بأنّ لبنان سيعتمد الاصلاحات هذه، ويتمكّن من تطبيقها".