لليوم الرابع على التوالي، تتواصل الاشتباكات المسلّحة داخل مخيم عين الحلوة بين مسلحي حركة "فتح" ومسلحي العناصر الإسلامية المتشددة (جند الشام والشباب المسلم ومجموعة بلال بدر).
هذه الاشتباكات التي بدأت إثر حادثة اغتيال العميد محمد العرموشي مع مرافقيه الأربعة ظهر يوم الأحد الفائت، لم تحصد حتى الآن سوى المزيد من الدمار والخراب وسقوط القتلى والجرحى وحركة نزوح المدنيين، وخصوصاً النساء والأطفال.
وتزامناً مع وصول تعزيزات كبيرة للجيش إلى مدينة صيدا منذ بعض الوقت، تراجعت حدّة الاشتباكات مع دخول وفد من "هيئة العمل الفلسطيني" إلى المخيم، يرافقه ممثّل عن حركة "أمل" وآخر عن "التنظيم الشعبي الناصري"، ولقائه مع ممثلي "عصبة الأنصار الاسلامية" للبحث في تنفيذ قرار وقف إطلاق النار وسحب المسلّحين من الشوارع وتسليم مرتكبي جريمة اغتيال العرموشي.
تعليق للخارجية الأميركية
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنّها تواصل متابعة التقارير المقلقة عن أعمال عنف في مخيم عين الحلوة، وفق ما أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميللر في إفادة صحافية اليوم.
ودعت الخارجية الأميركية جميع الأطراف في المخيم لاحترام سلامة المدنيين وعدم استهداف المنشآت المدنية.
مشهد من المخيم (أحمد منتش).
ولم تنجح حتى الآن كل المساعي والجهود الفلسطينية واللبنانية الداعية لوقف إطلاق النار وسحب المسلحين من الشوارع، في لجم الوضع ولا في تقيّد المسلحين بقرار وقف النار الذي لم يتوقّف إلا لفترات محدودة جداً، استفاد منها بعض العائلات التي كانت محاصرة داخل أحياء الطوارئ وأطراف المخيم الشمالية، الذين استطاعوا الهرب في ساعات الصباح الأولى باتجاه صيدا ومسجد الموصللي.
وابتداء من ساعات قبل ظهر اليوم، عاد طرفا الاقتتال لتبادل إطلاق النار والقذائف الصاروخية، وتركزت المعارك في حي الطوارئ او ما يعرف بمخيم الطوارئ والذي يتحصن فيه معظم العناصر الإسلامية على اختلافها وبين حي البركسات والشارع التحتاني حيث مقار ومكاتب حركة "فتح"، واستمرت هذه الاشتباكات بشكل عنيف ومتقطع حتى ساعات بعد الظهر حيث علم أن مقاتلي الطرفين تبادلوا شن هجمات على بعضهم البعض تخللتها عمليات كر وفر.
وأكدت مصادر لـ"النهار" أن حركة "فتح" عازمة أكثر من أي وقت مضى على استئصال المجموعات المتشددة من داخل مخيم الطوارئ، وأن "فتح" تدرك جيداً أن أي طرف في المخيم لا يستطيع توقيف أي متهم بجريمة اغتيال العرموشي ومرافقيه، وأن ثمن دمائه الغالية لن تمر دون السيطرة على هذا المخيم حتى لو تطلب الأمر تدميره، وأن هذا المخيم كان ولا يزال يشكل خطراً على سكان عين الحلوة وعلى الجوار اللبناني وأيضاً على الجيش اللبناني، وتوسعت رقعة الاشتباكات وتبادل إطلاق النار لتشمل معظم أحياء المخيم في الشارعين الفوقاني والتحتاني.
وكالعادة تخطى رصاص القنص وأحياناً سقوط بعض القذائف حدود المخيم، وسقطت القذائف في صيدا وضواحيها كما شظايا قذيفة ب 7 بالقرب من تواجد عدد من المصورين والإعلاميين في بلدة سيروب المطلة على عين الحلوة من دون تسجيل أي إصابة.
وظلت أبواب سرايا صيدا الحكومية كما العديد من المحال والمؤسسات في صيدا مقفلة.
وعقد اجتماع في دار افتاء صيدا بدعوة من مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان.
إلى ذلك، عُقد اجتماع للمرجعيات السياسية في صيدا والجوار والمتمثلة بالدكتور أسامة سعد والدكتور عبد الرحمن البزري والسيدة بهية الحريري والحاج بسام حمود ممثلا الجماعة الإسلامية، وكذلك المرجعيات الروحية المتمثلة بالمطران الياس كفوري والمطران ايلي حداد والمفتي الشيخ محمد عسيران والمفتي الشيخ سليم سوسان، واعتذر المطران مارون العمار الذي اضطر إلى أن يكون الى جانب البطريرك الراعي في الديمان.
تجمع الأهالي النازحين في مسجد الموصللي في صيدا. (أحمد منتش)
وتداول المجتمعون في الأوضاع الراهنة في ظل هذه الظروف الصعبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والسياسي في لبنان وما حدث في مخيم عين الحلوة.
واعتبروا أن "هذا المخيم الذي ما شعر الصيداويون في يوم من الأيام إلا أنه جزء من مدينة صيدا، ما يصيبهم يصيبنا وما يصيبنا يصيبهم".
وشدّدوا على أن "صيدا التي قدمت شهداء من أجل فلسطين ومن أجل تلال فلسطين وزيتون فلسطين... صيدا التي ما تخلت يوماً عن الشعب الفلسطيني، يعزّ عليها في هذه الأيام أن يحصل ما يحصل في مخيم عين الحلوة. وتتساءل صيدا: لمصلحة من؟ ولأي هدف؟ والى أين؟ وهل يستفيد من هذا التقاتل بين الفلسطينيين إلا العدو الإسرائيلي... هذا التقاتل العبثي الذي يسقط من جرائه قتلى وضحايا وشهداء وتدمّر بيوت ويهجّر أطفال ونساء ورجال ويبيتون في الشوارع... هذا الرصاص الطائش وهذه القذائف أصابت مدينتنا صيدا".
وأكّدوا الحرص على "الأمن الفلسطيني في مخيم عين الحلوة وكذلك حريصون على الأمن اللبناني في مدينتنا. لا نقبل أبداً أن يصاب الفلسطيني بسوء، كما أننا لا نقبل أبداً أن تصاب صيدا بأي سوء. نحن مع الشعب الفلسطيني في قضيته وفي حقوقه وفي مقدمتها حق العودة ولن تتخلى صيدا عن قضية فلسطين. هذه هي تربيتنا وتراثنا وأخلاقنا".
وتابعوا: "من هنا وبعد التداول والتشاور نؤكد ما أكدته كثير من الاجتماعات التي حصلت في مدينتنا والتي كانت حريصة على أمن صيدا وعلى أمن المخيم وفي مقدمتها كلمة واحدة حاسمة فاصلة: وقف إطلاق النار وفوراً. ثم بعد ذلك فليجلس المتخاصمون ويتفقوا. والطبيعي أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر، ولكن ليس من الطبيعي أن يترجم هذا الاختلاف بالرصاص وبالقنابل وبالقذائف التي تتساقط على البيوت وتقتل الناس. لمصلحة من؟ ومن أجل ماذا؟ وكيف يحصل هذا؟"
وشدّدوا على أن "المطلوب وقف إطلاق النار الفوري وبكلمة حاسمة. ثم بعد ذلك علمنا أن هناك اجتماعاً الآن في بيروت من أجل تكليف لجنة للتحقيق في من ارتكب وقتل القائد اللواء أبو أشرف العرموشي ولماذا قتل ولمصلحة من يقتل!. هذه اللجنة نأمل ونطلب ونتمنى ونترجى أن تباشر عملها منذ اليوم بدون تسويف وبدون تردد للكشف عن الذين ارتكبوا هذه الجريمة وتسليمهم إلى القضاء وإلى الأمن اللبناني، وهذا أمر قد اتفق عليه بين الفلسطينيين سابقاً".
تجمع الأهالي النازحين في مسجد الموصللي في صيدا. (أحمد منتش)
وأضاف البيان: "ثم ما ذنب هؤلاء الناس الذين أصيبت بيوتهم أن يبيتوا في العراء. هؤلاء مواطنون يكفيهم ما يعانونه من صعوبة تأمين الدواء والغذاء ومن هذه الظروف المعيشية الصعبة. من يعوض عليهم ؟ نحن نتمنى التعويض وبالسرعة الممكنة على هؤلاء الذين ظلموا بهدم بيوتهم وبإصابة الأبناء والرجال والنساء بدون ذنب".
وأكّدوا أن "هذا الاجتماع ومن خلال حرص القوى السياسية والمرجعيات الروحية الصيداوية، وغيره من الاجتماعات، لنؤكد ونثبت ولنحسم ولنجزم بوقف إطلاق النار الفوري بدون أي تردد وبدون أي تسويف. هذا أمر لا بد منه".
وأعلنوا أن "هذا الاجتماع يبقى مفتوحاً ان شاء الله. وسنبقى نطلب ونضغط على كل القوى الفلسطينية وهي لا شك ستستجيب لهذا النداء ولهذا الكلام ونتمنى أن يبقى المخيم آمناً وأن تبقى صيدا آمنة".
وردا على سؤال حول ما إذا كان هناك من ضمانات تلقتها فاعليات صيدا بالالتزام بوقف إطلاق النار قال المفتي سوسان: الضمانة لا شك أن هناك مرجعيات للأخوة الفلسطينيين.