منذ منتصف ليل أمس، انشغل اللبنانيون والمراقبون بالأسباب التي دفعت السفارة السعودية إلى الطلب من رعاياها مغادرة الأراضي اللبناني بسرعة. ولو أن البيان تضمّن حصراً الإشارة إلى تجنّب مناطق النزاعات لكان تأويل أحداث مخيم "عين الحلوة" كمسبّب، سهلاً ممتنعاً، علماً بأن أسبوعاً مضى على بدء النزاع المسلّح في المخيم الفلسطيني بين "حركة فتح" وإسلاميين متشدّدين.
ونفى الجيش اللبناني ما أُشيع عن تحضيره لتنفيذ عمليّة عسكريّة في "عين الحلوة".
وحذّرت السفارة السعودية المواطنين السعوديين من الإقامة والاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلّحة، كما طالبتهم بسرعةِ مغادرةِ الأراضي اللبنانية، وأهمية التقيّد بقرار منع سفر السعوديين إلى لبنان.
ومن المعروف أن ثمّة توصية سابقة بمنع سفر الرّعايا السعوديين إلى لبنان، ويحصل تحديث دوريّ إعلاميّ لها، لاسيّما في محطات سياسيّة وأمنيّة محتدمة.
ولم تتأخّر الكويت عن تحذير مواطنيها بدورها من دون أن يحمل البيان الذي نشرته وزارة الخارجية معطى "السرعة".
وفي بيانها، "طلبت السفارة الكويتيّة في لبنان إلى مواطنيها الموجودين في الجمهوريّة اللبنانيّة التزام الحيطة والحذر، والابتعاد عن مواقع الاضطرابات الأمنيّة في بعض المناطق، والتقيّد بالتعليمات الصّادرة عن السّلطات المحليّة المختصّة".
ولاحقاً، أعلنت وزارة الخارجية البحرينية، في بيان، أنّ المملكة طلبت من مواطنيها مغادرة الأراضي اللبنانية بسبب "النزاع المسلح"، وذلك حفاظاً على سلامتهم.
كما دعت السفارة القطرية لدى لبنان، المواطنين القطريين الزائرين للبنان، لـ"اتخاذ الحيطة والحذر والابتعاد عن المناطق التي تشهد الأحداث الحالية، والتقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة".
وناشدت السفارة، المواطنين القطريين المتواجدين حالياً في لبنان، التواصل مع سفارة قطر في بيروت في الحالات الطارئة على الأرقام التالية: 009611835111 009611835444.
على غرار عدد من السفارات العربية في لبنان، وجّهت سفارة سلطنة عمان تنبيهاً إلى مواطنيها المتواجدين في الأراضي اللبنانية، ودعتهم إلى "ضرورة توخّي الحذر والتقيّد بالإجراءات الأمنية اللازمة بالابتعاد عن المناطق التي تشهد صراعات مسلّحة، مع اتّباع الإرشادات الأمنية الصادرة من جهات الاختصاص.
وصباح اليوم، انتشر عبر مواقع التواصل طلب السفارة الألمانية إلى الرعايا في لبنان تحديث بياناتهم على منصّة السفارة، والابتعاد عن مناطق الاشتباكات.
وعلمت "النهار" بأن الطلب الألمانيّ تحديث دوريّ يتمّ كلّ عام، ولا يرتبط بأمر طارئ.
لكن التقاطع بين تحذيرات السّفارات أثار بلبلة لدى اللبنانيين، ولم تكن ذريعة التحديث الدوريّ مقنعة لكثيرين.
ولاحقاً، نبّهت السفارة الألمانيّة في لبنان أنّ "ألمانيا لم تطلب من مواطنيها في الوقت الحاليّ مغادرة البلاد"، نافيةً الشائعات.
وأوضحت السفارة أنّها تدعو المواطنين الألمان - ضمن إجراء روتينيّ - إلى الاطّلاع على نصائح السفر إلى لبنان والتزام الإرشادات، مشيرة إلى أنّها تطلب من رعاياها التسجيل في قائمة التأهّب للأزمات، واحترام تحذيرات السفر الإقليمية والنصائح السلوكية المعمول بها.
تكاثرت التحليلات. وعلى خط أيّ سيناريو تصعيد إسرائيلي محتمل، فإن المعطيات الأخيرة الخارجة من اجتماع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع القادة الأمنيين بشأن التعاطي مع أنشطة "حزب الله" على الحدود لا تزكّيه، وفق ما نُشر في الإعلام العبريّ في الأيام الماضية، إذ إن ميزان عدم التصعيد مع "حزب الله" بقي طاغياً، وسط انقسام الآراء بين الأمنيين، حتى أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال عن الخيمة، التي نصبها "حزب الله" قرب الحدود، إن "هذا حدث تكتيكيّ وليس استراتيجياً. الخيمة لا تُشكّل خطراً أمنياً".
إلى ذلك، تذهب مصادر إلى التقليل من شأن فرضيّة أن التحذير السعودي ناجم عن تعثّر في المحادثات مع إيران، لكون الملف اللبنانيّ بقي محيّداً لفترة طويلة عنها.
خرقت التحذيرات صيف اللبنانيين الذي يشهد ازدهاراً بفضل مجيء المغتربين لقضاء الوقت مع عائلاتهم بدرجة أولى، وليس بفضل استراتيجية "أهلا بالهالطلة" بالطبع!
في السياق، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي
أن الأخير تابع مع وزيري الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب والداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، التطوّرات المتصلة بالبيانات التحذيريّة الصادرة عن سفارات المملكة العربية السعودية والكويت والمانيا لرعاياها في لبنان.
وبنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والأمنية، "أفادت المعطيات المتوافرة بأنّ الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع، وأن الاتصالات السياسيّة والأمنيّة لمعالجة أحداث مخيّم عين الحلوة قطعت أشواطاً متقدّمة، والأمور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الأمن أو استهداف المواطنين والمقيمين والسياح العرب والأجانب"، وفق بيان رئيس حكومة تصريف الأعمال.
وقد كلّف ميقاتي بو حبيب "التواصل مع الأشقّاء العرب لطمأنتهم إلى سلامة مواطنيهم في لبنان". كما طلب من مولوي دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد "للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الأمن في كل المناطق اللبنانية".