النهار

السلاح الفلسطيني في لبنان... جدوى التمسّك به، وهل يُطرح للمقايضة؟
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
السلاح الفلسطيني في لبنان... جدوى التمسّك به، وهل يُطرح للمقايضة؟
آثار الاشتباكات الدامية في مخيم عين الحلوة (أ ف ب).
A+   A-
أثارت الاشتباكات الدامية التي شهدها مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين إشكالية السلاح الفلسطيني المتفلّت من الضوابط، سواء أكان هذا السلاح داخل المخيمات أم خارجها، من جديد، ليفتح العين على الملفات كافة لا فقط عين الحلوة، بل إن كل مخيم أصبح بؤرة أمنية قد تنفجر في أي لحظة مهدِّدة البلدات والمدن اللبنانية المحاذية؛ فالصراع بين الفصائل الفلسطينية، سواء على قيادة هذه المخيمات أو استكمالاً للصراع المحتدم في الأراضي الفلسطينية، وإن كان في معظم المخيمات لا يزال غير ظاهر، يغذّيه السلاح المتفلّت وقرار الدولة اللبنانية تسليم أمن المخيمات للفلسطينيين وعدم اتخاذ أي مبادرة باتجاه فرض سيطرتها على هذه المخيمات.

تاريخ السلاح الفلسطيني
 
مرَّ السلاح الفلسطيني في لبنان بمراحل عديدة، فبُعيد بداية العمل العسكري الفلسطيني في لبنان منتصف الستينيات، وبعد اشتباكات دامية وقعت بين الجيش اللبناني والفلسطينيين نهاية الستينيات أدّت إلى توقيع اتفاقية القاهرة أو ما عُرف بفتح لاند في عام 1969 مع منظمة التحرير الفلسطينية، وفيه اعترف لبنان بالعمل المسلّح الفلسطيني مع حصره في الجنوب.
 
شهدت بداية السبعينيات، بعد الخروج الكبير من الأردن وانتقال الجهد العسكري الفلسطيني إلى لبنان، اشتباكات ومعارك مسلّحة بين الطرفين (الدولة اللبنانية والأحزاب المعارضة للوجود الفلسطيني من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى) بقيت متفرّقة ومحصورة إلى حين اندلاع الحرب اللبنانية.

دخل الصراع مرحلة جديدة في هذه الحرب التي تكشفت عن عمليات تسليحية هائلة في هذه المرحلة بالذات، بدأت بحصول الفلسطينيين على أسلحة من النوع الثقيل من مصادر عديدة، ودخلوا بكل سلاحهم في هذه الحرب جنباً إلى جنب مع ما كان يُعرف بالقوى الوطنية اللبنانية لمواجهة "القوى اليمينية". وحتى ما بعد الخروج من بيروت إثر الاجتياح الإسرائيلي 1982، كان السلاح الفلسطيني يتمتع بشرعية الاعتراف الرسمي طبقاً لاتفاق القاهرة.

بعد الاجتياح الإسرائيلي، اشترك ما بقي من السلاح الفلسطيني في معارك عديدة في الداخل إلى حين اتفاق الطائف، فقامت فصائل فلسطينية عديدة بتسليم سلاحها الثقيل كما قالت "هدية إلى الدولة اللبنانية والشعب اللبناني" ثم تبع ذلك إلغاء اتفاق القاهرة.

حافظ الفلسطينيون على سلاحهم المتوسط والخفيف كما يُقال في 12 مخيماً منتشرة في معظم المناطق اللبنانية، كما حافظ فصيلان على الأقل بمواقع عسكرية خارج المخيمات هما فتح الانتفاضة والقيادة العامة، وهذان الفصيلان يرتبطان مباشرة بالنظام السوري.
 


نقاط عسكرية تُدار إقليمياً

ومن هنا طُرح سؤال عن سر بقاء السلاح دون التمسّك به في معسكرات منتشرة بعيداً عن خطوط المواجهة مع اسرائيل، خصوصاً في البقاع الغربي والأوسط وفي الناعمة.

وتحوّلت هذه المواقع "ثغرة أمنية" استُخدمت في توجيه الرسائل وبحماية ظهر النظام السوري، عبر تأمين الإمدادات العسكرية إلى الداخل السوري، ولا سيما خلال المعارك القريبة من دمشق، فيما أي كلام عن محاربة إسرائيل أصبح بعيداً عن الواقع، فأثناء الحروب الإسرائيلية من عناقيد الغضب إلى حرب تموز لم تشارك هذه المعسكرات أو المخيمات في أي معركة.

وهذا ما أكده أمين سر حركة "فتح الانتفاضة" سعيد موسى المعروف بـ"أبو موسى"، حيث رأى أن السلاح الفلسطيني المنتشر خارج المخيمات "لم يوجد ضمن معادلة لبنانية – لبنانية، هذا السلاح أتى أو وُجد ضمن معادلة صراع عربي إسرائيلي". كما رفض "أبو موسى" حينها نقل سلاح حركته المنتشر خارج المخيّمات إلى الداخل، معتبراً أنّه "لا ضرورة لمزيد من السلاح في المخيمات لأن الموجود يكفي".

كذلك لا يمكن إغفال ما جرى في مخيم نهر البارد الذي ترافق مع تمدّد الحركات الجهادية من العراق وأفغانستان إلى جميع الدول العربية واستعمال المخيم منطلقاً لحركتها، ما أدّى إلى معركة شرسة ومكلفة للجيش اللبناني دفع فيها باقة كبيرة من الشهداء.

الحديث عن مخيم نهر البارد يجرّنا إلى باقي المخيمات وإلى إشاحة الدولة نظرها عن هذه المخيمات كلياً وعدم معرفة ما يجري داخلها ولا كمية ولا نوعية الأسلحة الموجودة فيها، وهذا ما يفسّر الخسائر الهائلة للجيش مقابل حفنة من المسلحين داخل نهر البارد.
 


الحكومات العاجزة 

في عام 2006 بُعيد انعقاد أول طاولة للحوار بين القيادات اللبنانية، قضى بسحب السلاح من المجموعات الفلسطينية المتمركزة خارج المخيمات، ومن ثم تأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضه وجود السلاح بيد الفلسطينيين في المخيمات وخارجها، معتبراً أن من حق الحكومة اللبنانية سحب كل السلاح الفلسطيني على أراضيها من منطلق أن الفلسطينيين في لبنان في حماية الجيش اللبناني والحكومة، فإن الدولة اللبنانية لم تحرّك ساكناً، بل ظلّت في موقع المتفرج في معظم الأحيان على تحوّل إشكالات فردية داخل المخيمات إلى صراعات دموية، وهي إن بادرت للقيام بذلك تفعله من موقع الوسيط. 

والخطوة الوحيدة التي قامت بها الحكومة اللبنانية في إطار سعيها إلى تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، كانت عام 2017 حين أجرت تعداداً عاماً للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، أشرفت عليه لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني وأنجزته إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وخلص إلى وجود 174 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمّعاً في المحافظات الخمس في لبنان، علماً بأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في إحصاء أجرته قبل نحو 10سنوات، أكدت وجود أكثر من 483 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان؛ 449 ألفاً منهم مسجلون لديها.

تبريرات بقاء السلاح 

في المقابل ثمة من يبرر السلاح الفلسطيني في لبنان، بضرورة إيجاد نوع من الرد على اعتداءات إسرائيلية محتملة، ولكن في الواقع لا أحد يعرف كيفية حماية أنفسهم ونوعية الأسلحة الذين يمتلكونها بمواجهة طائرات حربية حديثة ومدفعية بعيدة وصواريخ دقيقة، خصوصاً أنه تبيّن في السنوات الأخيرة أن جلّ ما تملكه بعض الصواريخ القديمة التي أُطلق عدد منها من لبنان لم يصل إلى الحدود الإسرائيلية إلّا بالقوة، وهي أُطلقت من خارج المخيمات وبتغطية سياسية وميدانية من جهات عسكرية معروفة.

أما من يبرر السلاح الفلسطيني في المخيمات بضرورة الأمن الذاتي تخوّفاً من التحوّلات الداخلية اللبنانية، فهي أيضاً غير مقنعة خصوصاً أن الفصيل العسكري الوحيد في لبنان الذي يملك السلاح هو "حزب الله" وهو في هذه المدة لا يشكّل خطراً على الفلسطينيين. أما أي تحوّلات عسكرية عبر مجموعات عسكرية أو ميليشيات جديدة فيبدو أنه غير متاح حالياً وهو تقدير غير واقعي وبحاجة إلى قرار إقليمي واستراتيجي كبير ويدخل ضمن تحوّلات تشهدها المنطقة عموماً. 
 
يبقى هناك من يطرح مقايضة سلاح المخيمات بالحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان، وينتقل الأمر من مقاومة لانتزاع حق فلسطيني اغتصبته إسرائيل، إلى مقاومة لانتزاع حقوق الفلسطينيين في لبنان، وهذا لا يتم من دون بناء ثقة غير موجودة بين الطرفين.
 


الشريف: لا مبرّر للسلاح الفلسطيني  

إلى ذلك يكشف رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني الأسبق والناشط السياسي خلدون الشريف أنه منذ حين تسلمه رئاسة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني 2012-2014، كانت السلطة الفلسطينية مستعدة لتسليم السلاح داخل المخيمات لكن المشكلة ليست في السلطة بل في فصائل تنتمي الى محاور متعدّدة لا ترغب في البحث في موضوع السلاح الفلسطيني لأسباب موضوعية أحياناً وغير موضوعية أحياناً أخرى. 

ويقول لـ"النهار": "الفلسطيني في لبنان يبحث عن حقوق إنسانية ومشروعة كالحق في العمل أو حتى تملك شقة واحدة كأي مواطن عربي أو أجنبي، ولا يطالبون بتوطين بل بضمان حق العودة". 

ويوضح: "لم يكن سهلاً علينا كلبنانيين جمع كل الأطراف الفلسطينية لإطلاق حوار وتكريس مصالحة شاملة تسمح لمن يأتي بعدنا بالوصول الى ورقة عمل مشتركة". 

ويؤكد الشريف أن "السلاح الفلسطيني لم يعد مبرّراً وجوده لأنه منذ حرب مخيم نهر البارد حتى الأمس استُخدم فقط على مساحة المخيمات، لكن إثارة موضوع السلاح الفلسطيني تفتح الباب أمام إثارة موضوع السلاح بمجمله في لبنان وهو موضوع شائك وكبير ويحتاج الى استراتيجية دفاعية شاملة وهذا غير متوفر في الوقت الراهن". 

ويذكّر بأنه "قبل حرب تموز أقرت طاولة الحوار المنعقدة في عين التينة موضوع سحب السلاح خارج المخيمات وتنظيمه في داخل المخيمات لكن لم يحصل شيء إلا عرضاً عبر سحب بعض الصواريخ التالفة من أحد المخيمات، وبقي كل شيء على حاله".
 


وبرأي الشريف، يحتاج اللبنانيون الى خطة عمل متكاملة ومتوافق عليها بين الجميع، ينطلقون منها لفتح حوار مع الفلسطينيين للوصول الى حل منطقي وسلمي يؤدّي الى سحب السلاح، وهذا هو الحلّ المتاح حالياً.

وعن استعمال السلاح للضغط على الداخل اللبناني أو تحويله إلى أداة إقليمية يقول: "لا أرى أن السلاح يُستعمل في الداخل اللبناني، فعلياً أو عبر رسائل بل يُستخدم في تصفية حسابات داخلية ومن ضمنها الإمساك بالقرار الفلسطيني داخل المخيمات". 

ويخلص: "عملياً لا يستطيع لبنان الرسمي سوى التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها دولياً"، مشيراً الى أن "الدولة اللبنانية في وضعها الراهن غائبة على جميع المستويات ليس فقط عن ملف واحد ومطالبة الدولة بحل هذا الملف غير واقعية". 

وختم مؤكداً ضرورة انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة تنتظم بعدها المؤسسات وحينها يمكن البدء بالعمل الجدي في مثل هذه الملفات الشائكة.

اقرأ في النهار Premium