لم تطوِ بكركي فكرة لمّ الشمل المسيحي، بعد التعثر الحاصل على مستوى الانتخابات الرئاسية، على الرغم من أن جميع المؤشرات حتى الساعة لا توحي بإمكان الوصول الى حلٍّ أو مشروع حلّ أو أي تقارب أو تغيير في مواقف الأفرقاء الأساسيين.
بعد طرح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فكرة جمع 64 نائباً مسيحياً وإطلاق حوار مسيحي-مسيحي تحت رعاية البطريركية، أتت التعليقات عليه غير مشجّعة، حتى من الأحزاب السياسية الأكثر تمثيلاً لدى المسيحيين التي بدأت بوضع شروط وعراقيل، وبدا أن الفكرة سقطت في لحظتها.
إلا أن البطريركية أكملت مساعيها ووكلت راعي أبرشية انطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم للقيام بجولة على رؤساء الأحزاب المسيحيّة للاطلاع عن كثب على مواقفهم ومقارباتهم للاستحقاق الرئاسي، في محاولة لالتقاط الأفكار المشتركة التي من شأنها أن تقلّص هوة التباعد بينهم.
بدا لافتاً اختيار بو نجم لهذه المهمة، خصوصاً أن المطران هو من الشباب، وربما من أصغر المطارنة الموارنة سناً، ما يعيد الى الأذهان دور المطرانية على المستوى الوطني، وخصوصاً أنه بين جدران هذه المطرانية انطلق لقاء قرنة شهوان الذي ترأسه المطران يوسف بشارة راعي الأبرشية والذي كان الخطوة الأولى نحو التخلص من الاحتلال السوري للبنان، وعلى الرغم من اختلاف المهمة حالياً، حيث كان المسيحيون شبه مجمعين على ضرورة انسحاب السوري من لبنان، والهدف كان خلق جبهة متراصّة للضغط والمواجهة، أما اليوم فالمسيحيون متفرقون على جبهات متعددة وربما الجمع بينهم يتساوى صعوبةً في معركة الانسحاب السوري.
ومن الواضح أن المطران الشاب استطاع في فترة قصيرة منذ تعيينه لفت الأنظار وخصوصاً أن بو نجم يبتعد عن المظاهر الفاقعة، فـ"سيدنا" لا يظهر بصليب الذهب الكبير بل يكتفي بوضع صليب فضّي لا يلفت الأنظار، حتى خلال جولته الأخيرة على السياسيين بدا متواضعاً بلباسه ولم يرتدِ الوشاح الأحمر للمطارنة، يكتفي بلبس سترة عادية كاسراً الصورة المعتادة.
يضاف الى ذلك تعاطي المطران الشاب بطريقة مختلفة مع المؤسسات ضمن مطرانيته التي تشمل مدارس تُعدّ من الصف الأول، وأخرى مجانية، بطريقة تحفظ استمراريتها على رغم الظروف التي ألمّت بالمدارس الخاصة، كما فعّل العمل الاجتماعي في رعاياه لمساعدة الناس، وهذا ما دفع البطريركية الى تعيين بو نجم مشرفاً على رابطة "كاريتاس" التي تشكل الذراع الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية والتي تعوّل عليها في الأزمة التي تعصف بلبنان.
كذلك تعاطى بو نجم مع الإعلام بطريقة إيجابية وفعّل مكتب المطرانية الإعلامي بالإضافة الى إعطاء اهتمام لوسائل التواصل الاجتماعي لإبراز الدور الإيجابي الاجتماعي إضافة الى الدور الديني، ففي أحد لقاءاته مع ممثلين عن وسائل الإعلام سئل بو نجم عن الدور التي يضطلع به رجال الدين، خصوصاً أن الثقة بين رجال الدين وأبناء الطائفة تراجعت كثيراً وأضحى هناك تباعد بين الكنيسة، فكان الجواب أن عمله الأساسي سيكون إعادة الدور والثقة مع الناس.
وفي الشأن الوطني برز الموقف العالي السقف لبو نجم مع عدد من الكهنة رفضوا فيه التعدّي على "أهالي ضحايا المرفأ" عقب الاستدعاءات التي طالتهم في كانون الثاني الماضي وتوقيف وليم نون، بالإضافة الى الاعتداء على أحد الكهنة في جبيل مؤكداً أن "التعدّي على أهالي الضحايا والشهداء، والحريات والتوقيف الاعتباطي سوف تواجه من قبلنا ومن قبل شعبنا بكل الوسائل القانونية المتاحة للحدّ من هذا الإسفاف القانوني".
في هذا الإطار يبقى من دون شك أن ما كلف به حديثاً يُعدّ المهمة الأصعب على الإطلاق خصوصاً في الواقع والظروف المرافقة لانتخابات الرئاسة، وعلى الرغم من كل ما قيل عن فشل المهمة رفضت المطرانية في بيان هذا الأمر، مؤكدة أن الحوارات لم تنته بعد، ولكنه في إشارة مبطنة الى الواقع الصعب دعا إلى الصوم والصلاة على نيّة لبنان ليشهدَ قيامة حقيقيّة.
وبحسب المعلومات المتوفرة فقد أبلغ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل المطران أنطوان بو نجم أنه سيلبّي دعوة البطريرك الى أي لقاء لأنه "نحنا ما منتغنج ع سيدنا وع أي دعوة بتوصلنا منو".
وشدد الجميّل أمام بو نجم على أنه يرفض أيّ رئيس يؤمّن الغطاء لسلاح "حزب الله" أو أي رئيس "وقت ضايع" لأن البلد لا يحتمل.
ودعا الجميّل بو نجم إلى البحث أولاً في خريطة طريق الرئيس المقبل ومهامه، وهذا يسهّل عندها اختيار الأسماء في المرحلة الثانية!
وبحسب ما سُرّب أيضاً فرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أبلغ المطران بو نجم رفضه السير برئيس تيار المردة سليمان فرنجية وبقائد الجيش جوزف عون للرئاسة، واقترح أن يعمد كلّ فريق الى طرح اسمين أو ثلاثة يُبحث فيها ضمن لقاء في بكركي.
أما القوات فقد أبلغت بو نجم أنها لا تزال ترفض عقد لقاء في بكركي لمجرد الصورة، كما ترفض انتخاب رئيس من فريق الثامن من آذار وهي مستعدّة للبحث في سلة أسماء تحت سقف بكركي ولكن شرط أن يكون لقاء بكركي تتويجاً للاتفاق على اسم واحد لا على سلة أسماء.