النهار

بديل الطائف... ما خطورته على لبنان؟
الحدود اللبنانية الجنوبية (أ ف ب).
A+   A-
كانت دعوة السفارة السويسرية لعقد حوار وطني يجمع الأقطاب السياسيين في لبنان مناسبة لعودة الحديث عن العقد الاجتماعي واتفاق الطائف، وحاجة لبنان أو عدمها إلى إقرار صيغة جديدة بعد الانهيار الذي تعدّى ميدان الاقتصاد، وطال السياسة والحكم بالجوهر، وتجلّى في سوء الإدارة بعد انتهاء الوصاية السورية، وترسّخ في عهد ميشال عون الذي كان ثلثه عبارة عن تعطيل وفراغ حكومي.
 
يتفق الساسة على أن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، وأرسى أسس بناء الدولة اللاطائفية، غير مطبّق، وجرى الانقلاب فعلياً على مضامينه بُعيد إقراره مباشرةً، مع استمرار احتفاظ "حزب الله" بسلاحه وبقاء سوريا كسلطة وصاية 15 عاماً. وجاء اتفاق الدوحة بمثابة استكمال عملية الانقلاب من خلال أعراف رسّخت التعطيل، كالثلث المعطّل في الحكومة، في ما شكّل عهد الرئيس عون التتمة عبر الممارسات التي قام بها تحت عنوان "استعادة صلاحيات" رئاسة الجمهورية، وكانت نتائجها التعطيل والفراغ في السلطتين التنفيذية والقضائية.
 
بعد الانهيار الكبير الذي فرض نفسه منذ العام 2019، وعدم قدرة السلطة على إيجاد الحلول للاستعصاء السياسي والاقتصادي، وما نتج عنه من تغيّر في الهيئة السياسية اللبنانية، تمثّل في تعليق رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري عمله السياسي "موقّتاً" على صعيد المثال لا الحصر، واختلال موازين القوى لصالح "حزب الله" وحلفائه، ومع انطلاق انتفاضة 17 تشرين ومطالبة الشباب بالتغيير، طُرح الحديث عن "انتهاء صلاحية" اتفاق الطائف وحاجة لبنان إلى عقد اجتماعيّ جديد.
 
ماذا يُريد "حزب الله" من العقد الجديد؟
خلف هذه النظرية أهداف سياسيّة قريبة وبعيدة المدى، تتعدّى حدود  "الحلّ للأزمة"، وتحمل في طياتها تغييراً كبيراً في المشهدية السياسية. العقد الاجتماعي المزعم الاتفاق عليه يحتاج إلى حوار بين كافة الأطراف السياسية والدينية، ولا يُمكن فرضه على اللبنانيين من دون وجود إجماع سياسي وشعبي واسع، وإلّا تُصبح البلاد أمام خطر العودة إلى الحرب الأهلية.
 
لكن الحوار يحتاج إلى تكافؤ في القوّة لنجاحه وضمان المشاركة الفعّالة من الجميع، لأن أيّ مشاركة ناقصة سيكون لها تبعاتها في ما بعد إثر رفض الاتفاق علناً أو سرّاً، ومواجهته بالممارسات السياسية الخارجة عن أطره، فتعود المشكلة نفسها، كما يحصل اليوم مع عون وتياره اللذين رفضا اتفاق الطائف. وفي المشهد الحالي، إن التكافؤ غائب في ظل فائض القوّة الذي يتمتّع به "حزب الله" من خلال سلاحه وارتباطه بإيران، وسيُترجم ذلك في الحوار والاتفاق ويستثمره مكاسب وصلاحيات.
 
بالعودة إلى اتفاق الدوحة، فإن الحوار في العاصمة القطرية جاء بعد أحداث 7 أيار العسكرية التي أطلقها "حزب الله"، واستطاع من خلالها تحصيل مكتسبات تجسّدت بإدراج معادلة "شعب، جيش، مقاومة" التي تحصّن سلاحه في بيانات الحكومات الوزارية، إضافة إلى ما سُمّي بالثلث المعطّل، والذي استطاع بمرافقة حلفائه تعطيل قرارات الدولة التي لا تصبّ في مصالحه، وأسقط من خلالها حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى.
 
انطلاقاً من ذلك، فإن الحديث عن حوار وطني يؤدّي في ما بعد إلى عقد اجتماعي جديد سيكون بالغ الخطورة في ظلّ موازين القوى، وسيؤدّي إلى تعميق حجم الأزمة الحالية لا حلّها. كما أنّه في هذا السياق، ثمّة من يشدّد على العودة إلى اتفاق الطائف وتطبيقه كاملاً من دون اجتهادات أو أعراف، والانطلاق من مبدأ إلغاء الطائفيّة السياسيّة الذي يكرّسه الاتفاق المذكور، مع العلم أن نتائج تطبيقه ليست واضحة بعد، لأنّ الفرص لم تسنح منذ إقراره لتطبيقه كاملاً بعيداً من فائض القوّة العسكرية والسياسية.
 
ما هو بديل اتفاق الطائف؟
النائب السابق بطرس حرب يُشير إلى أن "اتفاق الطائف لم يُطبّق بشكل كامل منذ إقراره، بل ثمّة مخالفات تُرتكب عمداً ودائماً، كتعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، احتفاظ "حزب الله" بسلاحه، أو كبقاء الوصاية السورية لمدّة 15 عاماً"، معترفاً بوجود بعض الثغرات التي يُمكن معالجتها، مع تأكيده على ضرورة تطبيقه كاملاً.
 
وفي حديث لـ"النهار"، يشدّد حرب على وجوب "رفض عقد أيّ حوار وطني للبحث في صيغة عقد اجتماعي جديد، لأن في ظلّ وجود سلاح الحزب، سيكون هذا الحوار فاسداً وغير متوازن مع غياب توازن القوّة، لأن الدويلة ستفرض رأيها على الدولة، وستعطّل المؤسّسات الدستورية لتحقيق مبتغاها، ولا مؤتمر وطنياً قبل تسليم الحزب سلاحه، ليكون الجميع سواسية".
 
ويرى حرب في الحديث عن عدم مناسبة العقد الاجتماعي الحالي للبنان وظروفه، ووجوب تغييره "خطراً"، معتبراً أن "ثمّة مصلحة لفريق "حزب الله" بتبديله. لكن التفكير في مستقبل الصيغة الحالية في هذه الظروف التي يمرّ بها لبنان سياسياً واقتصادياً، والضغط بفائض قوّة الحزب وسوء الأحوال المعيشية سيوصل لبنان إلى سيناريوهات كارثية وصيغ خطرة".
 
وهنا، يذكّر حرب باتفاق الدوحة الذي ابتدع أعرافاً جاءت بعد خضوع الأطراف السياسية لسلاح "حزب الله" الذي كان موجّهاً حينها إلى رؤوس اللبنانيين، وما حصل في 7 أيار مثال على ذلك.
 
أما عن السيناريوهات التي قد يتّجه إليها لبنان في حال عقد طاولة حوار، فيلفت حرب إلى أن "حزب الله" يريد تعزيز الوجود الشيعي في الدولة، وذلك لإحكام الإمساك بمفاصل السلطة أكثر انطلاقاً من أنّه المسيطر في هذه البيئة، وقد يتّجه إلى المثالثة، أو تجيير حاكمية مصرف لبنان إلى هذه الطائفة، وحينها يفعل ما يُريد بأريحيّة أكبر.
 
إلّا أنّه في هذا السياق، يرى مراقبون أن "الحزب قد يفضّل الإبقاء على الصيغة الحالية، والتي من خلالها يُحكم قبضته على البلاد بطريقة غير مباشرة وعبر حلفائه، من دون أن يكون في واجهة التصويب، كما حصل في عهد ميشال عون، إذ خلال السنوات الست السابقة، كانت الكلمة الفصل للحزب الذي ترسّخ وجوده في الدولة، لكن عون وتياره كانا في الواجهة وتلقّيا الضربات، فيما لو كان الحزب في موقع المسؤولية، لكان واجه نقمة شعبيّة أوسع".
 
عودة إلى الحرب؟
النائب السابق ألبير منصور بدوره أيضاً يرى أن "اتفاق الطائف لم يُطبّق نهائياً، بل تمّ الانقلاب عليه، فبدل أخذ التدابير الوافية لإلغاء الطائفية السياسية مثلاً، وإقرار مجلس الشيوخ الذي من المفترض أن يحفظ حقوق الطوائف، وينحصر دوره في نقطتين أساسيتين، وهما ضمان عدم تقسيم لبنان كما ضمان عدم دمجه مع أيّ دولة عربية، لم يتمّ، لا بل جرى تكريس الطائفية إمّا عبر الممارسة أو الأعراف التي تمّ ابتداعها، وكان أبرزها في اتفاق الدوحة الذي يُعدّ تكملة الانقلاب".
 
وفي حديث لجريدة "النهار"، يؤكّد منصور أن لا إمكانية للتوجّه نحو عقد اجتماعيّ جديد في ظلّ التشتّت المذهبيّ الحاصل، والصراع الطائفي، اللذين سينعكسان حروباً في ظلّ المسار الحالي الذي تسير به الدولة وسلطاتها. وهنا، يتطرّق إلى الخيار الذي يتمّ الحديث عنه بما يتعلّق بالعقود الاجتماعية الجديدة، وهو المثالثة، ويعتبر ذلك تكريساً للطائفية السياسية من خلال الطائفة الشيعية، وهذا يزيد البلاء بلاءً، ويدمّر أيّ إمكانية لبناء الوطن.
 
ويشدّد منصور على أن "الطائف هو الحلّ الوحيد في الوقت الحالي، ومن الضروريّ تطبيقه بشكل كامل قبل البحث في إمكانيّة تطويره، خصوصاً أن بنوده ترسم خريطة طريق لحصر الطائفية.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium