سؤالان وجّههما الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى الكتل النيابية حول المشاريع والأولويّات المتعلّقة بولاية رئيس الجمهورية المقبل، والمواصفات التي يجب أن يتمتع بها الأخير، في سياق تكوين مساحات مشتركة بين الأفرقاء المختلفين وإنتاج حلولٍ للمُعضلة الرئاسيّة.
وقد أثارت رسالة لودريان جدلاً عميقاً، إذ اعتبرها البعض مسعًى فرنسياً لإنهاء الشغور الرئاسي، فيما رأى آخرون أنّها بمثابة "وصاية"، ولو من دولة صديقة على ملفّات سياديّة، بل ذهب بعض الفرنسيّين إلى اعتبارها "إهانة للّبنانيين"، وفق ما عبّرت عنه عضو مجلس الشيوخ الفرنسي نتالي غوليه.
أسئلة لودريان، التي من المفترض أن تحضِّر للحوار المرتقب في أيلول، لا تُظهر مقاربةً ديبلوماسيّة فرنسيّة عميقة، تنسجم مع إدراك القائمين بها لجوهر المشكلة ولمواقف كلّ فريق، أو لنقل إنّها لم تُرد الإيغال في بحث النقاط، بالرغم من اختلاف درجة الوضوح بين فريق المعارضة وفريق "حزب الله" ذي الباطنية السياسية، وفق ما يعتبر مرجعٌ متابعٌ للملف.
المعارضة من جهتها ردّت بشكل مباشر على رسالة لودريان خلال بيان لها، أصدرته قبل أيام، أكّدت فيه تمسّكها بالمواصفات التي تمحورت حول السيادة والإصلاح، وتحدّثت عن رؤيتها لمرحلة ما بعد انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وعدّدت المشاريع التي تتطلّع إلى متابعتها.
ما موقف "القوات" من طروحات لودريان؟
عضو تكتّل "الجمهورية القوية" النائب غيّاث يزبك يقول إنّ "التكتّل اتّخذ قراراً لجهة عدم الرّد على رسالة لودريان"، لافتاً إلى أن "موقف المعارضة يأتي بمثابة ردّ موحّد، يشمل إجابات عن كلّ الأسئلة"، موضحاً بأن لقاء لودريان ورئيس "القوات" سمير جعجع "بيّن وجهات النظر بشأن المواصفات، حينما تمّ التأكيد على مواصفات البيان الخماسيّ الصادر عن اجتماع الدوحة".
وفي حديث لـ"النهار"، يرى يزبك في رسالة الفرنسيين "تجاهل العارف"، مشيراً إلى أن "البلاد منقسمة عمودياً، وبشكل حادّ، منذ فترة، بسبب هذه المواصفات التي باتت معروفة للعلن"، مُشدّداً على مواصفات البيان الخماسيّ ورؤيته لولاية رئيس الجمهورية الجديد، ومؤكّداً عدم القبول بمرشّح فريق الممانعة.
في سياق متصل، يتطرّق يزبك للحوار الذي من المفترض أن يدعو إليه لودريان في أيلول، ويكشف عن أن تكتّل "الجمهورية القوية" لن يُشارك فيه، لأنه جزء من المعارضة الرافضة لمبدأ المقايضة مع "حزب الله"؛ وبمعنى آخر، فإنّ المعارضة ترفض مقايضة رئاسة الجمهورية بمواقع أخرى.
ويُتابع في هذا السياق: "يُريد "حزب الله" الحوار من أجل فرض رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مُقابل منح المعارضة مكاسب. لكن هذا الواقع مرفوض، ثم إن الحوار قبل الانتخابات يعني فرض أجندات على العهد المقبل رئيساً وحكومةً، وهذا الأمر غير مقبول أيضاً".
ويستشهد يزبك بحادثة الكحالة الأخيرة، ليقول إنها سبب جديد يدفع المعارضة إلى التمسّك بأفكارها لجهة انتخاب رئيسٍ سياديّ وغير خاضع لـ"حزب الله".
ما هي مواصفات "التقدّمي"؟
مصادر "التقدّمي" تعود في معرض حديثها عن المواصفات إلى المنطلقات التي نادى بها وليد جنبلاط، أي انتخاب رئيسٍ وسطي قادر على جمع معظم الأطراف السياسية، وفي الآن عينه لا يُشكّل استفزازاً لأيّ طرف، ليكون قادراً على التحرّك وإنجاز الملفات وتفادي السيناريوهات التعطيليّة التي اختبرها عهد ميشال عون.
وفي حديث لـ"النهار"، تطرّقت المصادر إلى الوضع الاقتصادي المتردّي، وقالت إن "معالجة هذا الشأن أولوية، والمطلوب انتخاب رئيسٍ، وتشكيل حكومة، والاتفاق على رؤية إنقاذية، لأن الهمّ المعيشي يكبر، بالإضافة إلى طرح الملفات السياسية، ومنها الاستراتيجية الدفاعية واللامركزية الإدارية الموسّعة وغيرها من المشاريع المطلوبة أيضاً"، من دون أن تحدّد هذه المصادر ما إذا كانت هذه المشاريع ستُطرح في سياق الرّد على لودريان.
تشاؤم لجهة نجاح مسعى لودريان!
عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب محمد خواجة يعبّر عن عدم ارتياحه لطريقة تعاطي الطرف الفرنسيّ مع مجلس النواب، معتبراً أن "رسالة لودريان بالشكل غير لائقة، فالنواب ليسوا تلاميذ مدرسة، وكان يُفضّل التعامل بطريقة أخرى. أما في المضمون، فإنها مُحاولة لفهم أزمة الشّغور الرئاسيّة والرؤى المختلفة للحلّ، بهدف تنظيم حوار في ما بعد يقرّب وجهات النظر".
وفي حديث لـ"النهار"، يُشير إلى أن ثمّة أولويات كثيرة يجب العمل عليها في المرحلة المقبلة، منها ما هو مرتبط بالأزمة الاقتصادية، وأخرى متعلّقة بمشكلة النزوح وغيرها، لكنّ طرح هذه المشاريع نظريّ حالياً، والمطلوب الوحيد هو الحوار للتفاهم حول رئيسٍ جديد للجمهورية، وبعد إنجاز الاستحقاق تُطرح المسائل كافة على طاولة حوار أخرى في قصر بعبدا.
وإذ يؤكّد خواجة مشاركة "التنمية والتحرير" في حوار أيلول إن حصل، فلا يرى أجواء مواتية لنجاحه، وذلك في ظلّ رفض عدد من الكتل المشاركة. لكنّه في الآن عينه يُشدّد على ألّا حلّ لإنجاز الاستحقاق الرئاسيّ إلّا بالحوار والتفاهم، انطلاقاً من مبدأ الواقعيّة السياسيّة، لأنّ لبنان محكوم بالتوافق.
مسألة خلافيّة جديدة طرحها لودريان، في ظلّ الانقسام العمودي الحادّ، ستكون موضع تجاذب سياسيّ، إذ يبدو أنّ الأسئلة الفرنسيّة، وبعدها حوار أيلول، لن يشكّلوا مسار حلٍّ لأزمة الشغور الرئاسيّة، ليكون الملف بانتظار مبادرة أخرى تقوم على أسس جديدة قد تحظى بموافقة طرفي الصراع... وإلى ذلك الحين فإن الأبواب مشرّعة أمام كلّ أنواع الفوضى.