من أحكام الدستور أن السلطة الاجرائية منوطة بمجلس الوزراء، ومن الصلاحيات المعطاة لها وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم، واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها. ولكن ما حصل من استنسابية في تطبيق قرار مجلس الوزراء المتعلق بالعطاءات للقطاع العام ضرب كل أحكام الدستور والصلاحيات المعطاة لحكومة تصريف الاعمال عرض الحائط، إذ بعدما حسم مجلس الوزراء عدم أحقية موظفي الضمان الإفادة من ازدواجية الزيادة للعاملين في القطاع العام، أرسل المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء القاضي محمود مكّية بناء على طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كتابا الى مجلس ادارة الضمان يطلب فيه اعتبار مستخدمي الضمان مشمولين بأحكام المرسوم 11227 المتعلق بالمساعدات الاجتماعية للقطاع العام. ماذا في التفاصيل؟
بتاريخ 18/4/2023 صدر عن مجلس الوزراء المرسوم الرقم 11226 والمرسوم الرقم 11227، الأول يتعلق بتحديد الحد الأدنى الرسمي لأجور المستخدمين والعمال الخاضعين لأحكام قانون العمل وأعطى هذه الفئة غلاء معيشة، والمرسوم الثاني يقضي بإعطاء تعويض موقت لموظفي القطاع العام ومقداره 4 أشهر على أساس راتب شهر 1/1/2020. ونصت الفقرة الأولى من المرسوم على: "يعطى العاملون في القطاع العام والإدارات العامة بما فيها السلك القضائي والمجلس الدستوري والمؤسسات العامة (بما فيها الجامعة اللبنانية، والمستشفيات الحكومية وتعاونية موظفي الدولة، والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والمصالح المستقلة، وتلفزيون لبنان، واتحاد البلديات وسائر أشخاص القطاع العام ...". وفي الوقت عينه جاء في الفقرة 7 من هذا المرسوم "باستثناء الأسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية. وفي حال أفاد أيّ من المذكورين في الفقرة الأولى أعلاه من أكثر من تعويض أو مساعدة اجتماعية يتوجب على المستفيد إبلاغ الإدارة المعنية عن الإزدواجية ويستحق عندها فقط المساعدة الأعلى".
في 15 أيار 2023، رفع المدير العام لأمانة الصندوق الی مجلس الادارة کتابا يطلب فيه إعطاء كل العاملين في الصندوق تعويضا موقتا كما العاملين في القطاع العام والمتقاعدين، على اعتبار أن هذا المرسوم ذکر في مقدمة مادته الأولى إسم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وعندما نوقش الكتاب في مجلس الإدارة لم ينل الموافقة، بعد اعتراض عدد من أعضاء مجلس الإدارة وبينهم مندوبون عن الدولة والعمال وأصحاب العمل على القرار لسببين الأول: ان المرسوم الرقم 11227 يخاطب القطاع العام ولا يمكن أن تفيد منه مؤسسة يخضع العاملون فيها لأحكام قانون العمل. الثاني: ان الفقرة 7 من المادة الأولى من المرسوم 11227 تنص على الآتي: "باستثناء الأسلاك العسكرية في الخدمة الفعلية، في حال استفاد ايّ من المذكورين في الفقرة الأولى أعلاه من اكثر من تعويض أو مساعدة اجتماعية، فيتوجب على المستفيد ابلاغ الإدارة المعنية عن الإزدواجية ويستحق عندها فقط المساعدة الأعلى".
أمام موقف مجلس الإدارة، انتفضت نقابة مستخدمي الضمان معلنة الاضراب بدعم من الاتحاد العمالي العام وبعض النقابات والاتحادات النقابية، ووصل الاعتراض على موقف الأعضاء المخالفين إلى وزير العمل مصطفى بيرم الذي أرسل الى مجلس الادارة كتابا يطلب بموجبه من مجلس الإدارة الالتزام بتنفيذ المرسوم 11227 تاريخ 18/4/2023... إذ لا يحق لأي أحد الاستنكاف عن تطبيق ذلك". وعلى اساسه صوّت المجلس على المرسوم تصويتا اوليا. ولدى مناقشة كتاب الوزير، صوّت مجلس الادارة على القرار بمخالفة عضو واحد (مندوب عن العمال)، وموقفه مبني على القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة الذي ينص صراحة على أن طلب الوزير أو رئيس الحكومة لا يلزم مجلس ادارة الصندوق الذي يتخذ القرارات ويفتح الاعتمادات على مسؤوليته الشخصية وضمن أحكام القانون والأنظمة. والمفارقة التي حصلت أن مجلس الإدارة امتنع عند التصويت القطاعي للمرة الثانية على قرار تطبيق المرسوم الرقم 11227 لأن مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 21/6/2023 اتخذ القرار بمشروع مرسوم يرمي إلى عدم ازدواجية الزيادة للعاملين في القطاع العام. وهذا نص القرار: "قرر المجلس الموافقة على عدم ازدواجية الزيادة للعاملين في القطاع العام بحيث يفيد هؤلاء من الزيادة الأعلى المنصوص عليها في أحد المرسومين 11226/2023 و11227/2023، وذلك وفقا للملاحظات التي سترد من مجلس شورى الدولة، وعلى مشروع المرسوم وعلى إصداره وكالة عن رئيس الجمهورية بعد أن تنازل الوزراء عن الحقّ في طلب اعادة النظر بالقرار".
لكن القرار الصادر عن مجلس الوزراء لم يمنع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي من الطلب إلى القاضي مكية أن يكتب إلى رئيس مجلس ادارة الصندوق والطلب من المجلس تطبيق المرسوم 11227/2023 على المستخدمين في الصندوق كافة. وجاء في الكتاب: "بناء على توجيهات رئيس مجلس الوزراء وطلبه، وعطفاً على المراجعات التي وردت الى دولته بخصوص تمكين المستخدمين والعاملين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من الافادة من المساعدة الاجتماعية، وفي ضوء صراحة نص المرسوم المشار اليه اعلاه، يُطلب اليكم اعتبار المستخدمين العاملين في الصندوق الوطني للضمان مشمولين بأحكام المرسوم الرقم 11227 ما يسمح باعطائهم المساعدة الاجتماعية التي أُقرت بموجبه".
واللافت أن الموضوع أخذ منحى تصاعديا بعدما علّق الأعضاء في مجلس إدارة الضمان: جورج علم وبطرس سعادة ومحمد حرقوص عضويتهم، واعتذروا عن عدم حضور أي جلسة للمجلس إلى حين العودة لمناقشة تعديل رواتب المستخدمين، علما أن غيابهم سيعطل التصويت على الإنهاء بمرسوم زيادة التعويضات العائلية الى مليونين و250 ألف ليرة بدلا من 225 ألف ليرة، أي عشرة أضعاف، وعلما أيضا أنهم مندوبون عن المضمونين وليس عن المستخدمين!